النوحي قال إن الإقبال الكبير على سندات الطلب والصفقات التفاوضية دليل على وجود اختلالات بالجملة شدد جواد النوحي، أستاذ مادة قانون الصفقات العمومية بكلية الحقوق (أكدال) بالرباطعلى أن قلة الشفافية هي الخاصية المهيمنة على تدبير هذا المجال بالمغرب، مستدلا على ذلك بما تكشفه تقارير المجلس الأعلى للحسابات من اختلالات، وكيف وقف قضاته عند الإقبال الكبير على أعمال البناء بواسطة سندات الطلب والصفقات التفاوضية.كما سجل رئيس مرصد تحليل السياسات أن الاختلالات المرصودة في مجال تدبير الصفقات العمومية تتوزع بين عدم الحسم في مقتضيات تأمين فعالية الطلبيات العمومية وحسن استعمال المال العام، وغياب المراقبة الناجعة التي تمكن من تحقيق القاعدة الدستورية الهادفة إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي ما يلي النص الكامل لحواره مع "الصباح". هل تعتقدون أن المغرب تمكن، بالفعل، من بناء نظام للحكامة الجيدة في مجال الصفقات العمومية؟ في البداية لا بد من التأكيد أن الصفقات العمومية تعد مكونا أساسيا من مكونات النشاط الاقتصادي، إذ صارت تمثل في السنوات الأخيرة ما يتجاوز خمس الناتج الداخلي الخام. وتتجلى أهميتها أيضا في أن قطاعات كاملة من الاقتصاد تعتمد عليها في حركيتها، مثل قطاعات البناء والأشغال العمومية أو الهندسة. ولا تنحصر أهمية الصفقات العمومية في دورها الاستثماري، وفي آثارها على المجال الاجتماعي، وإنما تتعداه إلى أنها محدد في علاقة الدولة بالمستثمرين. إذ أن نمو العديد من المقاولين في المغرب وتزايد نشاطهم الاقتصادي تم بالاعتماد على هذه الآلية.أما ما ورد في سؤالكم، فبكل تأكيد طموح بلوغ حكامة فعالة في مجال الصفقات العمومية مازال لم يتحقق، بل إن هناك اختلالات عدة تتراكم. لكن ذلك لا ينسينا أهمية المجهود المبذول حاليا، على الأقل على المستوى التشريعي. فمنذ منتصف عقد التسعينات الذي عرف موجة تحديث الإطار القانوني للنشاط الاقتصادي، أطلقت الدولة إصلاحات هامة لتقوية الإطار القانوني للصفقات العمومية. هكذا، صدر مرسوم جديد في 1998، تمت مراجعته في سنة 2007، ثم القيام بمراجعة جوهرية بإصدار مرسوم 20 مارس 2013، واكب ذلك وضع نصوص تروم حكامة الصفقات العمومية كالقانون المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين.ومن المهم الإشارة إلى ما ورد في دستور 2011، الذي نص على العديد من المقتضيات الموجهة لتخليق الحياة الاقتصادية، فمن المستجدات القوية التي جاءت بها هذه المراجعة، اتجاه المشرع الدستوري في الفصل 36 إلى النص على معاقبة المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي، وأيضا لكل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيأت العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. ما هي القطاعات التي تبدو أكثر تضررا من الفساد في الصفقات العمومية؟ من الصعب أن نتحدث عن وجود قطاعات ذات شفافية مطلقة وآخرى ينخرها الفساد. لكن ما يمكن قوله هو إن قلة الشفافية تبقى خاصية مهيمنة على تدبير الصفقات العمومية. والسند للحديث عن الاختلالات هو ما يضمن في تقارير المجلس الأعلى للحسابات مثلا، الذي يتكرر في ملاحظاته القيام بشكل كبير بأعمال بناء بواسطة سندات الطلب أو اللجوء إلى الصفقات التفاوضية. هل يمكن القول إن الاختلالات تعبر عن تواطؤ بين المسؤولين والمستفيدين من الصفقات العمومية؟ إن وضع كل المسؤولين أو كل المقاولين أو الموردين أو الخدماتيين في سلة واحدة مسألة خاطئة، فرغم الفساد المستشري، فليس الوضع بالسوداوية نفسها السائدة في الخطاب، فلا يمكن إغفال وجود ممارسات ناجحة وتحترم القانون ويكون محددها المصلحة العامة. لكن ليست هنا أرقام دقيقة لحالات الحكامة الفاعلة من عدمها في مجال الصفقات العمومية. بالنسبة إلي أن المشكل ليس في وجود مدعمي الفساد أو في وجود تواطؤ، ولكن في غياب أدوات الردع والعمل على معاقبة كل من خولت له نفسه تبذير المال العام. فهذا هو المدخل الأساسي للنجاح في تحقيق مرامي الدولة المعبر عنها في المرسوم الحالي، الذي وضع مقتضيات لتحقيق المبادئ الضابطة لإبرام الصفقات العمومية، كحرية الولوج إلى الطلبية العمومية، المساواة في التعامل مع المتنافسين، ضمان حقوق المتنافسين، الشفافية في اختيارات صاحب المشروع. وماذا عن الإضافات التي قدمها المجلس الأعلى للحسابات بهذا الخصوص؟ بالرغم من الإيمان ببعض الجوانب في محدودية أداء هذه المؤسسة، فإنه يمكن القول إن تقاريرها تبقى مهمة على الأقل في جانبين: الأول أن إقرارها بوجود اختلالات يعطي المشروعية لمن يدافع عن النزاهة في تدبير الصفقات العمومية ومحاربة الفساد المالي. ويهم الثاني وضع خريطة للاختلالات السائدة في تدبير الصفقات العمومية بالمغرب، ويلعب دور المؤطر للمدبرين العموميين. الطرق خير شاهد على الفساد في هذا الباب يمكن القول إن الممارسة تبرز اختلالات عدة عنوانها الأساسي سوء استعمال المال العام. فالسائد حاليا في الخطاب هو قلة الشفافية وعدم مردوديتها الاقتصادية، ووجود اتهام للمدبرين بسوء التسيير، وبالخصوص في بعض الميادين. إذا أخذنا مجال الطرق أو القناطر مثلا يبقى التمظهر أكثر وضوحا، ففي كل حالات الأمطار الكثيفة برزت ثغرات في التشييد أو الصيانة. لكن الإشكال الأكبر يتمثل في غياب تقييم فعلي لحجم الاختلالات. فأمام غياب معطيات مضبوطة حول حالة الفساد في قطاع الصفقات العمومية، تبقى تقارير مؤسسات الرقابة، كالمفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المحاكم المالية مفيدة للفهم وللتحليل.عموما يمكن القول إن الاختلالات في مجال تدبير الصفقات العمومية تتوزع إلى عنصرين أساسيين: عدم حسم مقتضيات المراسيم المتعاقبة في تأمين الفعالية في الطلبيات العمومية وفي حسن استعمال المال العام، ولا أدل على ذلك من بروز ثغرات بمجرد دخول المراجعة حيز التنفيذ. ويهم الجانب الثاني غياب مراقبة فاعلة وناجعة تمكن من تحقيق القاعدة الدستورية "ربط المسؤولية بالمحاسبة". في سطور أستاذ مادة قانون الصفقات العمومية بكلية الحقوق أكدال الرباط رئيس مرصد تحليل السياسات عضو مجلس جامعة محمد الخامس بالرباط صدر له مؤلف " مقاربة سياسية للاستثمارات"
