باعة الملاعب… جحيم وسط الفرجة

قاعدتهم الأساسية لا سؤال عن مصدر سلعهم يعيش البائعون المتجولون في الملاعب ساعات من الجحيم، قبل وأثناء وبعد نهاية كل مباراة، جراء المعاناة الكبيرة التي يجدونها من مشارف أبواب الملاعب إلى غاية نهاية المباريات.عند ولوج الجماهير إلى الملاعب الوطنية لمتابعة المباريات، فإن آخر من يهتم لأمره هو ذلك البائع المتجول، الذي يقضي ساعات من أجل تحضير المنتوجات التي سيبيعها في نهاية الأسبوع في الملعب، بل هناك من يقضي الأسبوع كاملا وهو يتسول من أجل إيجاد بعض "الدريهمات"، لشراء هذه المنتوجات قبل بيعها في الملاعب. الولوج إلى الملعب ... أكبر عناء من أجل إيجاد مكان في الملعب وبيع منتوجاته، لا تكون مهمة البائع المتجول سهلة في ولوج المدرجات، إذ قليلون هم المحظوظون الذين يتجاوزون الحراسة الأمنية المشددة، لتجدهم يبيعون منتوجاتهم في المدرجات، بعد صعوبة كبيرة في الوصول.ولكي يجدوا مكانا لهم بين الجماهير، هناك طرق كثيرة لذلك، إذ هناك من يؤدي ثمن التذكرة، ويتوسل رجال الأمن من أجل إدخال صناديقه الثقيلة، علما أنها ممنوعة، ومنهم من يدخلها عن طريق فتحات الملعب، قبل ساعات من بداية المباراة ليتفادى الأمن.. غايته الوحيدة هو وصول منتوجاته إلى الجماهير. وهناك نوع ثالث، لا يفكر في أداء ثمن التذكرة مادام لا يملك مالا، وأتى إلى الملعب لكسبه، إذ أصبح معروفا لدى الجماهير بوجوده في كل مباراة، محملا بحقائبه الثقيلة، غير أن طريقة دخوله إلى الملعب تكون قبل ساعات، لأنه أصبح وجها مألوفا للجميع، وحتى لرجال الأمن الذين يتكفلون بتنظيم المباراة. في المدرجات يبدأ الجحيم لا تنتهي معاناة البائع المتجول في مدخل الملعب، وإنما تتضاعف عندما يصل إلى المدرجات، محاولا بيع منتوجاته، إذ أن هدفه هو أن يخرج من الملعب وقد حصل على "قوت عيشه"، إلى غاية تاريخ المباراة المقبلة.ولكي يصل إلى هدفه المنشود، يتحول البائع المتجول (رجلا كان أو امرأة)، إلى متسلق للحواجز الحديدية، وعداء يجري بين المدرجات.ولا تخل مغامرة البائع المتجول من الصعاب، إذ هناك من يتلقى السب والشتم في بعض الأحيان، وذلك لإزعاجه المتتبعين للمباراة، بكثرة تجواله بينهم، فيما يكون عليه التوسل مرارا وتكرار، لينتقل من مدرجات إلى أخرى مجاورة، ليتمكن من ترويج منتوجاته في كل أنحاء الملعب.وهناك شريحة أخرى، يتم إخراجها من الملعب بالقوة، بعدما عانت كثيرا لتدخله وتصل إلى المدرجات. ورغم المعاناة، فإن البائع المتجول لا يكل ولا يمل من إعادة المحاولة، إذ تجده مجددا بين الجماهير دقائق بعد إبعاده متجاوزا كل الصعاب. لا تسأله عن مصدر منتوجاته للباعة المتجولين في الملاعب قوانين وقواعد أيضا. من أبرزها أنهم يحرصون على المرور بين الجمهور نفسه أكثر من أربع مرات في المباراة، وذلك من أجل ترويج سلعهم بأي ثمن، ولا يتوفرون على "الصرف"، إذ لا يقبلون بورقة من فئة 100 درهم أو 200، لأن جيوبهم لا تحتوي إلا على بعض "الدريهمات".غير أن هناك قاعدة أساسية، إذا خرقها أحد من الجماهير، فلن يعود البائع إلى مكانه أبدا، وهي ألا تسأله عن مصدر منتوجاته، لأنه سيغضب عليك، ويدافع عن سلعته، وسيقول لك إنه اشتراها من أماكن معروفة، وأن تاريخ صلاحيتها مازال قائما ... والحقيقة يحتفظ بها هو لوحده.أما عن أصحاب "السندويتشات"، فحدث ولا حرج، إذ أنهم يعمدون إلى تغطية الخبز بأوراق نظيفة، لكي يبعثوا للجماهير رسالة مفادها أن هذا المنتوج "راق"، ولا ينطبق عليه حال المنتوجات الأخرى منتهية الصلاحية ... وهنا أيضا الحقيقة يحتفظ بها البائع لنفسه. ومع توالي المباريات التي يحضرها البائع المتجول نفسه، فإنه "يفوز" بمنطقة خاصة به، لا يقربها البائعون المتجولون الآخرون، لأنها باتت معروفة بوجود بائع واحد، لتكون بمثابة جائزة بعد معاناة طويلة ولسنوات كثيرة.قرب نهاية المباراة ... مرحلة الجد مع اقتراب نهاية المباراة، فإن الباعة المتجولين يبدؤون الدخول إلى مرحلة الجد، إذ يضاعفون من مجهوداتهم من أجل بيع ما تبقى لهم من منتوجاتهم، والمحظوظ هو من تمكن من بيع سلعته قبل الدقائق الأخيرة من المباراة.يحاول الباعة المتجولون إيجاد مكان لهم خارج الملعب، في الوقت الذي يعلن فيه الحكم الرابع عن الوقت الضائع من المباراة، ليحاولوا كسب المزيد من المال من بيعهم منتوجاتهم للجماهير نفسها التي تخرج من الملعب، غير أن البعض يفضل البقاء بالداخل، لأنه الفصل الأخير في ما سيجنيه من المباراة.ومن أجل بيع كل منتوجاتهم، يحاول الباعة المتجولون التخفيض من أثمنتها، التي تكون باهظة الثمن بالمقارنة بخارج الملعب، وذلك لجذب الجماهير، علما أنهم يستغلون منع الأمن إدخال القنينات وغيرها من الأشياء الأخرى. صافرة الحكم ... بداية الحساب مع صافرة حكم المباراة، معلنا عن نهايتها، فإن وقت الحساب يبدأ بالنسبة إلى الباعة المتجولين، الذين يحصون ما جنوه طيلة أكثر من ثلاث ساعات من الصراخ والركض والتسلق والوقوف ... ولأنه "عند الامتحان يعز المرء أو يهان"، فإن كثيرا من الباعة المتجولين يسعدون بما جنوه بعد يوم شاق، فيما يحزن البعض الآخر، الذي لم يستطع جمع قدر كاف من المال، يقتات به إلى غاية المباراة المقبلة. عندما تخرج الجماهير من الملعب لتذهب إلى منازلها، وهي تحلل مجريات المباراة، فإن الباعة المتجولين يبقون بالملعب دقائق بعد ذلك، يحصون ما جنوه، ويفكرون في ما يمكن القيام به في المباراة المقبلة، من أجل جني قدر أكبر من المال، ويغير البعض منهم منتوجاته مع كل مباراة.وفي حركة طريفة، فمعظمهم يسألونك عن نتيجة المباراة بمجرد خروج الجماهير من الملعب، لأنهم لم يتابعوا أطوارها، وكأنهم كانوا أجسادا في المدرجات، والعقول كانت تلهث وراء لقمة العيش.

باعة الملاعب… جحيم وسط الفرجة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أوشـلـة: لـن أبـيـع الـوهـم للـسـلاويـيـن

شباب مريرت يستقبل بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات