الجهوية تستنفر مختبرات الإدارة

215 مليار درهم لضمان انطلاق العمل بها دون مشاكل لم يعد خاف على أحد أن التطور الديمقراطي بالمغرب بقدر ما يجب أن ينصب على تغيير العقليات حتى يتمكن من مواكبة التحول العالمي التنموي، بقدر ما يهم بالدرجة نفسها تغيير آليات اشتغال المؤسسات، بل وبنية الدولة كلها. وفي هذا الإطار، ينتظر المغاربة من حكومة عبد الإله بنكيران، تنزيلا للدستور في مجال الجهوية، حيث جاء في الفصل الأول من الدستور بأن التنظيم الترابي للمملكة المغربية، تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، وفصل في تشكيلاتها ووظائفها على فصول تمتد من 136 إلى 146 ، بالتنصيص على إحداث قانون تنظيمي للجهوية والمجالس الترابية، وقانون المالية المحلي الجبائي، ونقل الاختصاصات، وتحديدها بين الجهة، والبلديات، ومجالس الأقاليم والعمالات، بين المنتخبين، والآمرين بالصرف ولاة وعمالا. لكن النظام الجهوي، لم يكن فقط شعارا للدولة بل حقلا ثريا للإدارة، اشتغل عليه الخبراء منذ بداية الاستقلال، إلى الآن، من خلال ظهير 1971، حيث تم تقسيم الجهات إلى 7 مناطق اقتصادية، ليس كجماعة محلية متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، بل اكتفى بجعلها إطارا تراتبيا لتحقيق النمو الاقتصادي لتخفيف العبء على الدولة. وفي بداية السبعينات، تم إنشاء صندوق للتنمية الجهوية، رصد له 300 مليون درهم، لأجل دعم النظام الجهوي، وفي 1988، أرسل الملك الراحل الحسن الثاني، رسالة إلى وزيره الأول قصد إعداد مخطط للتنمية الاقتصادية الجهوية، لتطبيق برامج محلية، لكن ظلت الجهوية نظاما مثيرا وجذابا، غير قابل للتحقق، كما هو الشأن بالنسبة إلى اللاتمركز الإداري الذي تغنى به الخبراء وأصبح كلمة متداولة إعلاميا. وحاول الخبراء المغاربة تطوير نظام الجهة، بجعله يحمل مفهوم الوحدة الترابية الجديدة وهو ما نص عليه الفصل 100 من دستور 1996 ،ولا غور في أن يتم تخويل الجهة صفة جماعة محلية إلى جانب الجماعات المحلية الأخرى. وانطلق المد الجهوي من التعديل الدستوري لسنة 1992، الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية، حسب مقتضيات الفصل 94، ودعم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة 1996، حسب مقتضيات الفصل (100)، بالإضافة الى القانون المنظم للجهات الصادر في 2 أبريل 1997، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية. لكن رغم هذا التطور القانوني في إرساء نظام الجهوية، فإن الفاعل السياسي ينتقد دائما هيمنة الإدارة الترابية ممثلة في الولاة والعمال، في مجال التدبير والتسيير، من خلال الاستحواذ على كافة الاختصاصات الدستورية والقانونية والإدارية والمالية، على حساب المنتخبين، ما جعل الجهوية، حسبهم مجرد مفهوم استهلاكي. وإن الجهوية المرتقبة، تدشن لجيل جديد من الإصلاحات، وإرادة تغييرية لنمط تدبير المجال الترابي، وفق قواعد القرب، والحكامة الجيدة، وغايات ترمي إلى محاربة الهشاشة والإقصاء، وتقسيم جديد للسلطة والثروة بين المحلي والمركزي. لكن كيف السبيل لحل مشاكل المغرب بوجود تقطيع ترابي ل 16 جهة، بالنسبة لدولة لا تتعدى مساحتها الترابية 710 الاف كيلومتر مربع، هل بتقليص عدد الجهات إلى 9، أم في رفع سقف التمويل المالي ؟ الذي يتطلب سنويا 20 مليار درهم لمدة 12 سنة، وهو ما يعادل 215 مليار درهم، كي تتحقق انطلاقة جديدة للجهة في إطار تنمية مستدامة، أم توفير نخبة مؤهلة قادرة على إنجاز المشاريع التنموية، بالمواصفات العلمية الدقيقة، لا غش فيها ولا تلاعبا. المسؤولية بلا محاسبة يتطلب النظام الجهوي ربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار تعاقدي، بناء على الفصل 142 من الدستور الذي نص على إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي لسد العجز في مجالات التنمية، وصندوق التضامن بين الجهات، لضمان توزيع متكافئ في ما بين الجهات، وأيضا العمالات والأقاليم. لكن الدستور الجديد لم يتحدث قط عن الجهات، بل عن مجالس الأقاليم والعمالات، وهذا ما سيعقد عمليا نقل الاختصاصات وتحصيل الضرائب، بين الجهات، في علاقتها بمجالس العمالات والأقاليم. وإلى غاية إيجاد حل توافقي حول القوانين التنظيمية، فإن المسؤولين يوجدون في موقف حرج، لأنهم لم يغيروا من طريقة اشتغال الإدارة الترابية والادارية، حيث يوجد مئات الآلاف من الموظفين، في حالة عطالة، لأن تدبير التوظيف في الجماعات المحلية تم بصورة عشوائية، لأن ذلك إرتبط بعقلية تواطئية بين السلطة المحلية، والمنتخبين الفاسدين، في تبادل المنافع الشخصية التي أضرت بتنمية البلاد. بيد أن الأهم في الجهوية، هو أن تتشكل انطلاقا من الأحواض المائية، والموارد الطبيعية، والبشرية، وتبادل الخيرات، وجعل بعض المناطق قوة جذب للتي تعاني التهميش، وأن يلغى الحساب الإثني، لأنه مضر بالتنمية. أحمد الأرقام

الجهوية تستنفر مختبرات الإدارة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطالب برفع الوصاية عن الجماعات

الاستقلال يرفض سلطة الوصاية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات