الولاية للمنتخبين: “كازا كبيرة عليكم”

الصباح تتقفى خطوات "أم الوزارات" لاستعادة زمام "الحكم" بالعاصمة الاقتصادية رسم الخطاب الملكي لـ 11 أكتوبر 2013، الخطوط العريضة لما ينبغي أن تكون عليه الدار البيضاء، خلال العقدين المقبلين على الأقل، بعد أن حاكم، عمليا، تجارب الحكامة والتدبير والتخطيط الترابي والإداري للسنوات السابقة التي أدت إلى كوارث حقيقية، وأدخلت أكبر مدينة في المغرب وحاضنة المال والاقتصاد والثروة إلى متاهات التسيير العشوائي. لم يكتف الملك، بعد مرور 10 سنوات بالضبط على تجربة وحدة المدينة بالبيضاء، بتشخيص دقيق للوضع الحالي للمدينة، وطلب إيجاد حلول، بل انتقل إلى طرح بدائل عملية للخروج من وضع الجمود و"البلوكاج" التقني والسياسي والإداري الذي يهدد مستقبل مدينة تتهيأ لتكون أحد أكبر الأقطاب المالية والاقتصادية بشمال إفريقيا.أولى خطوات عودة الدولة لأخذ زمام المبادرة في الدار البيضاء، قبل 14 شهرا، كانت إبعاد محمد بوسعيد، عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، من منصب والي جهة الدار البيضاء الكبرى، ووصول أحد أبناء الدار والعارفين بدهاليزها وملفاتها الإستراتيجية الكبرى (خالد سفير الإطار المالي والعامل السابق لعمالة مقاطعة أنفا)، الذي أعطيت له إشارات واضحة لتسلم دفة القيادة والتفكير في مشروع الدار البيضاء في أفق 2030، مع إمكانية إيجاد مخارج للأزمة الحالية.أول مؤشرات عودة وزارة الداخلية إلى الدار البيضاء، في الفترة الأخيرة، إشراف والي الجهة على المخطط الاستعجالي، أو مخطط الأولويات، وهي الخطوة التي قابلها عدد من المنتخبين بانتقادات كبيرة، مؤكدين على وجود نية لإبعاد ممثلي السكان من مسلسل التفكير والاستشارة حول المدينة، باعتقاد أن المنتخبين يتحملون وحدهم وزر أزمات المدينة، وتبرئة سلطة الوصاية من ذلك.بعد المخطط الاستعجالي الذي رصدت له وزارة الداخلية 11 مليار درهم، فيما لم تتجاوز مساهمات مجلس المدينة وشركائها 7 ملايير درهم، انتقل الوالي إلى الخطوة الأهم، أي تفعيل أحد الفصول المجمدة في الميثاق الجماعي، ويتعلق بتأسيس شركات للتنمية المحلية يعهد بمجالسها الإدارية لسلطة الوصاية، وتتكلف بتدبير المشاريع والبرامج الكبرى المهيكلة والإشراف عليها ماليا وتقنيا، تحت مسؤولية سياسية لمجلس المدينة.وهكذا طوقت وزارة الداخلية المدينة، في ظرف قياسي، بحوالي خمس شركات للتنمية المحلية، رصدت لها غلافا ماليا يقارب 3 ملايير درهم، أهمها شركة مراقبة التدبير المفوض لشركتي قطاع النظافة "سيطا" و"أفيردا" والمجازر البلدية وسوق الخضر، وشركة البيضاء تراث، الخاصة بضمان الحفاظ على التراث المعماري والتاريخي للمدينة، ثم البيضاء تنشيط التي تعنى بالمؤسسات الثقافية والفنية والرياضية.الخطوة اللاحقة بضبط المجال المالي والاقتصادي، وبالتالي الأمني والاجتماعي، يتعلق بصياغة مخطط ضخم للتنمية يهم عشرة قطاعات أساسية في النقل والبنيات التحتية والمشاريع الكبرى، وقعت اتفاقياتها الملزمة أمام جلالة الملك في لقاء بالقصر الملكي عقد في 26 شتنبر الماضي، ورصدت له حوالي 33.6 مليار درهم، وغلافا زمنيا يمتد من 2015 إلى 2020، بمعنى أوضح أن وزارة الداخلية لم تترك للأحزاب السياسية للمدينة وممثلي سكانها، غير فرصة واحدة هي التنافس حول الطريقة المثلى لـ"تنفيذ" هذا المخطط خلال الولاية الانتخابية المقبلة.بعد ذلك، كان من الطبيعي أن تكتمل هذه الحلقة، بمشروع لتقطيع ترابي وإداري جديد يقلص عدد المقاطعات وعدد المنتخبين في الوقت نفسه، وهو مشروع يبطن تقييما لاذعا، من قبل السلطة المركزية، لتجربة وحدة المدينة بالدار البيضاء ووجود مقاطعات بلا صلاحيات وأدوار تقريبا ومستشارين تحولوا إلى أداة عرقلة، فحان الوقت لتحيتهم واختزالهم في عدد لا يزيد عن 150 مستشارا في مدينة يزيد عدد سكانها عن 5.5 ملايين نسمة، أي حوالي 0.6 مستشار لكل مليون نسمة، يمثلون جميعهم في مجلس المدينة المقبل.وأثار هذا التقسيم جدلا كبيرا وسط الأحزاب السياسية بالدار البيضاء، بين مرحب بالمشروع من منطلق ترشيد الحياة الانتخابية بالعاصمة الاقتصادية والقطع مع النخب المحلية الفاسدة التي حولت العمل الجماعي إلى حرفة واسترزاق، وبين معارض لعملية ضم عدد من المقاطعات واحدة، وانعكاسات ذلك على منظومة العمل عن قرب مع المواطنين وتوقيف مسلسل بناء الديمقراطية المحلية.وحسب متتبعين، فإن هذه العودة القوية لوزارة الداخلية من أجل استعادة الدار البيضاء، لم تكن مقطوعة عن سياق تاريخي وسياسي تعاطت فيه الدولة مع المدينة مختبرا لتجارب التنظيم الإداري والتحكم في المجال الاجتماعي والأمني وضبطه.وعاشت أولى حلقات الضبط، بهاجس أمني، محض، بعد أحداث 1981 الدموية التي تفجرت إثر الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، آنذاك عمدت وزارة الداخلية، في عهد الوزير القوي إدريس البصري، إلى وضع خطة للتحكم مبنية على عقيدة "شتت تسد"، إذ خضعت العاصمة الاقتصادية إلى عملية تشريح ترابي وإداري تضاعف خلاله عدد المقاطعات الإدارية والجماعات والإدارات الترابية، كما تميزت هذه المرحلة أيضا بصدور قانون رقم 1.84.188 في 9 أكتوبر 1984 المتعلق بالوكالة الحضرية للدار البيضاء، التي أسندت لها أكثر من مهمة استراتيجية، من قبيل إجراء الدراسات اللازمة لإعداد المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار البيضاء الكبرى ومتابعة تنفيذ الاتجاهات المحددة فيه، وبرمجة مشاريع التهيئة التي يستلزمها تحقيق الأهداف المرسومة في المخطط التوجيهي، وإعداد مشاريع الوثائق التنظيمية المتعلقة بالتعبير سيما، منها تصاميم التهيئة وأنظمتها، للموافقة على جميع مشاريع التجزئة والتقسيم والبناء ذات الطابع التجاري أو الصناعي أو السكني، التي يجب أن توجهها إليها السلطات المختصة لهذه الغاية. وللتأكد من المكانة الإستراتيجية للوكالة الحضرية في عقيدة وزارة الداخلية، قرر إدريس البصري، خلال حكومة التناوب أن يتنازل، عن جميع اختصاصاته في قطاع التعمير وإعداد التراب الوطني لخصمه اللدود محمد اليازغي، بما في ذلك طرد أطر محسوبة على الوزير القوي من الوزارة، باستثناء هذه الوكالة التي تشبث بها البصري واعتبرها خطا أحمر، واعتبر تنازل الداخلية تنازلا عن الدار البيضاء برمتها.يوسف الساكت

الولاية للمنتخبين: “كازا كبيرة عليكم”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ثلاثة أسئلة: النخب ضعيفة

الزهاري: الحنين إلى سنوات التضييق على الحريات

مقالات ذات صلة