دشنت وزارة الداخلية مسلسل الانتخابات الجماعية بالدار البيضاء بمشروع جديد لتقسيم المجال الإداري، بتقليص عدد المقاطعات الجماعية من 16 مقاطعة إلى 8 مقاطعات فقط. كيف تقرؤون هذا التغيير "التقني" في إطار تجربة المشروع الكبير لوحدة المدينة الذي انطلق سنة 2003؟ الأمر يتعلق بمشروع جديد لتقسيم المجال الإداري في إطار تجربة وحدة المدينة. في الحقيقة علينا أن نقيم تجربة وحدة المدينة التي انطلقت في 2003 وبناء على السلبيات والايجابيات يمكن أن ننطلق للحديث عن مشروع جديد. يبدو لي أن المشروع الجديد الذي قلص عدد المقاطعات الجماعية من 16 إلى 8 استند إلى الهدف من تقليص عدد المستشارين المنتخبين، إذ أن التجربة أبانت على أن هناك صعوبة في تمرير المشاريع والقرارات وعقد الدورات في وجود عدد كبير من المستشارين المنتخبين، وكذا عدم إلمام البعض منهم بدور وحدة المدينة، وهذا كان عائقا لتسيير سلس للمقاطعات الجماعية لمدينة كالدار البيضاء.ومن سلبيات هذا المشروع شساعة المجال الترابي للمقاطعة الجماعية، ولنوضح ذلك، سيتم إدماج مقاطعتي سيدي البرنوصي وسيدي مومن في مقاطعة واحدة مما سينعكس على الموارد البشرية للموظفين في هذه المقاطعة الشاسعة وسيصعب التدخل والتنقل بالنسبة إليهم، وكذا ستكون موارد بشرية كثيرة يصعب انتشارها ونجاعة مردوديتها، ما سيشكل عبئا في مجال التسيير والحكامة. بعد الخطاب الملكي حول الدار البيضاء في 11 اكتوبر 2013، لوحظت العودة القوية والواضحة لوزارة الداخلية لضبط المجال الاقتصادي والاجتماعي والمالي في مدينة تتوفر على كل عناصر الانفلات، هل يتعلق الأمر بنهاية نموذج الديمقراطية التمثيلية والمفهوم الجديد للسلطة؟ لا أعتقد أن هناك نهاية لنموذج الديمقراطية التمثيلية والمفهوم الجديد للسلطة. حقيقة كان الخطاب الملكي حول الدار البيضاء دفعة قوية لإصلاح الدار البيضاء. للأسف النخبة المسيرة في إطار وحدة المدينة أضعف من حيث مسايرة مضامين الخطاب الملكي، أما فيما يخص مظاهر العودة القوية لضبط المجال الاقتصادي والاجتماعي والمالي من قبل وزارة الداخلية فهذا لا يوجد في القانون المنظم لوحدة المدينة، بل يعكس ضعف مجالس المقاطعات التي لها اختصاص تدبير مجالها الترابي. فالمجلس القوي برئيسه ومستشاريه لا يمكن أن يتجاوزه أحد في مجاله الترابي. فالقوانين واضحة في هذا الباب،السكان يريدون مجالس قوية لانجاز المشاريع وسئموا من الخطابات والوعود. فالدار البيضاء لها من الإمكانيات المادية والبشرية ما يجعلها تنافس العواصم الاقتصادية في العالم. اعتبرت الدار البيضاء تاريخيا وتقليديا مختبرا لتجريب النماذج الجديدة للإدارة الترابية، ما سبب ذلك في نظركم، وهل يمكن القول إن الدولة تجرب اليوم صيغا أخرى (غير مباشرة) للضبط الأمني في مدينة انطلقت منها شرارة حركة 20 فبراير؟ أتفق معك، لكن يمكن القول إن تلك التجارب السابقة لم تأخذ بعين الاعتبار المقاربة التشاركية، علما أن الأحزاب السياسية، التي لها دور كبير في إعداد مشاريع قوانين المدينة، لا تنتج نخبا حقيقية، نخب لها التزام حزبي ومؤهلة فكريا لهذه المهمة. فالدار البيضاء غير مسموح أن تسير بنخب ضعيفة على جميع المستويات. أجرى الحوار: ي. س (*) بوبكر المقتدي: فاعل جمعوي وكاتب لجمعية تامسنا للثقافة والتنمية