«حوادث قوارب الموت مزعجة جدا»، بهذه العبارة بدأ خالد إبراهيم الكردي، أستاذ بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية مداخلتها، مردفا أنه بلغة الأرقام، فقد ما يناهز أربعة آلاف شخص حياتهم، منهم حوالي 3112 فردا فقدوا حياتهم بالبحر الأبيض المتوسط، واستقبلت إيطاليا لوحدها خلال السنة ذاتها، 160 ألف مهاجر غير شرعي، «هذه مجرد مؤشرات تدل على حجم الظاهرة التي انتقلت من قوارب صغيرة إلى سفن كبيرة تنقل أعدادا أكبر من المهاجرين، ما يدر مالا على تجارة البشر، علما أن عدد المهاجرين عبر العالم، وفق الإحصائيات الأخيرة، بلغ حوالي 200 مليون نسمة، منهم 10 إلى 15 في المائة، مهاجرون غير شرعيين».الظاهرة النفسية تظهر في أولئك الذين نجوا من موت محقق أثناء محاولتهم العبور. هؤلاء يضيف الكردي، تعرضوا إلى صدمة لن يتخلصوا من آثارها مدى حياتهم، تنضاف إلى المشاكل التي يعانيها من تمكن منهم من الاستقرار في البلد «المضيف»، الذي لا يمتع المهاجرين والمواطنين الأصليين بالحقوق ذاتها. «هذه الرحلة المليئة بالمخاطر، تعرض البعض إلى اضطرابات نفسية قاسية، حتى عندما يتعلق الأمر بهجرة شرعية، يقع اضطراب نتيجة اختلاف البيئة التي أضحى عليها المهاجر على تلك التي عاشها، فما بالك بما يعانيه المهاجر غير الشرعي من مشاكل اجتماعية ونفسية مستعصية نتيجة الانتقال إلى هذا المجتمع الجديد بلغة جديدة وعادات وتقاليد جديدة، ما يطرح مشكلة الاندماج والتكيف مع الوضع الجديد، التي تولد عدم القدرة عليها، انطواء وانعزالا شديدين يؤديان إلى إضعاف شخصية المهاجر غير الشرعي»، يشرح الكردي، مشيرا إلى أن الحروب الواقعة بالعديد من الدول والتي أدت إلى الظهور فئة جديدة من المهاجرين غير الشرعيين، من أطباء ومثقفين يفقدون وضعهم الاقتصادي والاجتماعي، ويعانون بالتالي شروخا عميقة في نفسيتهم.وأكد مختلف المتدخلين في الندوة الدولية، على ضرورة معالجة الهجرة في أبعادها الأمنية والإنسانية والمرتبطة بحقوق الإنسان، مبرزين التجربة المغربية في هذا المجال. فمن جهته، ذكر الحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، بأن الهجرة ظاهرة قديمة جدا، تحركها عدة عوامل اقتصادية وأمنية وإنسانية، إضافة إلى أسباب تتصل بالتغيرات المناخية، «وهي أيضا تفرض تحديات كبرى، سواء على المجتمعات المصدرة أو المستقبلة لها»، داعيا لاعتماد مقاربات شاملة وخاصة بكل بلد قصد جعل الهجرة قيمة مضافة من أجل تنمية وتقدم بلدان الاستقبال وتلك الأصلية، عكس المقاربة الانتقائية التي تعتمدها البلدان المتقدمة سيما الأوروبية منها، التي قال الوزير إنها تعمل بمنطق «خطف وسرقة الأدمغة ورفض الفقر».وفي السياق ذاته، شدد أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة على أن سياسات الهجرة تختلف من بلد لآخر حسب ثقافة وحاجيات كل مجتمع، معتبرا أن «هذه السياسات تكون لها أحيانا تداعيات خطيرة، بدل أن تكون الهجرة ركيزة للتنمية».بيرو نوه بهذا الخصوص بالتجربة المغربية، التي كانت لها نظرة مزدوجة لقضية الهجرة، من خلال اعتماد سياسة تقوم على مقاربة إنسانية وحقوقية، وتتجه أيضا نحو ضمان الأمن ومحاربة الجريمة والإرهاب. هذه المقاربة وسياسة المغرب في مجال الهجرة، التي أسفرت عن تسوية وضعية أزيد من 20 ألف مهاجر بالتراب الوطني، استأثرت بمداخلة المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، المحجوب الهيبة، الذي أشار إلى أن المغرب تحول إلى بلد استقبال يتجه نحو دعم تدبير تدفقات الهجرة، وفق مقاربة تلائم بين حقوق المهاجرين وضمان الأمن العام لحماية الاستقرار والطمأنينة لجميع من يقطن على أرض المغرب، مشيرا إلى أن هذه السياسة تنبثق من الأهمية التي تحظى بها هذه القضية التي أصبحت أولوية وتحديا كبيرا ومكونا أساسيا في بلورة السياسات الاجتماعية.من جهة أخرى، أشاد كل من مدير معهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس وممثل المنظمة الدولية للهجرة، بالإصلاحات التي انخرط فيها المغرب في مجال الهجرة، خاصة على المستويات الدستورية والمؤسساتية والتشريعية، داعيين إلى اتباع سياسات شاملة ومندمجة لتجاوز جميع الثغرات في تدبير تدفقات الهجرة بإفريقيا والعالم العربي.