ارتفاع قضايا الارتشاء بعد نشر فضيحة استجداء شرطيين سائحا لم تعد علاقة المواطن برجال الشرطة، كما كانت عليه من ود واحترام وتفاهم، بل سادها الاحتياط والارتياب والخوف من التورط في "فضيحة" أو "شوهة" ينشر غسيلها إلكترونيا أو تقود إلى السجن والمتابعة القضائية، خاصة لما يتعلق الأمر بارتكاب مخالفة قانونية بسيطة في السير والجولان، كان حلها يسيرا سابقا ب"الترغيب" أو غيره، ولم يعد ممكنا إلا بأداء قيمة المخالفة. النشر الإلكتروني لفيديو شرطيين يستجديان سائحا أملا في إنعامه عليهما بمئات الدراهم هبة، نقطة أفاضت كأس "الود" بين الطرفين، وولدت لدى بعض رجال الشرطة رغبة في رد "الكيل بمكيالين" خاصة أمام تشديد المراقبة بناء على أوامر من الإدارة العامة، وخوفا من تدوين كل محاولة مشبوهة ل"غض الطرف" بطرق ووسائل تكون لها عواقب وخيمة عليهم في حال تعميم نشرها.يحكي سائق سيارة خفيفة كيف قابله شرطي أوقفه بداعي ارتكابه مخالفة مرور، ساعات قليلة بعد فضيحة "الفيديو"، والنقاش المحتدم بينهما بعد محاولته تعميم الحادث وعتاب السائح على كشف عورة "شرطيين" أخطآ، دون أن يقبل بأي حل بديل ل"تقييد" المخالفة وأداء قيمتها، في تحد واضح لم يخفيه بإعلانه استعداد رجال الشرطة لتثبيت كاميرات خفية لفضح "المواطنين المرتشين".بعــض الممارسات غيــر القــانونية السابقــة في التعاطــي الميداني مع مخالفــات معينة، لم تعــد قائمــة ليس حفــاظا على القانــون واحتــراما له، بل خــوفا من فضائح تزلــزل كيان الجهاز، قبــل أن تدب الريبــة ذاتها إلى المــواطنين فــي تعاملهم مع مسجلي المخالفــات القــانونية، إذ لم تعد تلك الممــارسات ممكنــة، خوفا من إضافة تهمــة الإرشاء أو إهانة موظف عمــومي أثناء أدائه مهامه، إلى لائحة المتابعات المحتملة.لن يجرؤ أي مخالف للقانون، على أن يحك "جيبه" أو يناول مقيد المخالفة، أي مبلغ خاصة أن "الشوكة د البوليس نايضة هذ الأيام" يوضح سائق أكد قبوله بأداء المخالفــة كيفما كانت قيمتها، على أن يدخل دوامة من المساءلة القانونية بتهمــة الرشــوة المعــاقب عليها بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وغرامات تصل إلى 5 آلاف درهم، طبقا للفصلين 248 و249 من القانون الجنائي، حسب كل حالة.إعلان رجال الشرطة حزمهم في التعــامل مع المخالفات دون "لف أو دوران"، ساهم في رفع عدد قضايا الرشــوة المعروضـة على أنظار القضاء في الآونــة الأخيرة بمختلف المدن المغربية، بعضها تفجر في قضايا مــدوية بالربــاط ومــدن أخرى، فيما تبقــى فــاس بعدد قليل من الملفات المرتبطة، تبرره المصادر بعدم انتقال "عدوى الانتقام" إلى أمن هذه المدينة العلمية العالمة بخبايا أهلها. وقالت تلك المصادر إن أمن المدينة ينضبط لمقتضيات المذكرات المصلحية الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني، المؤكدة للزوم القطع النهائي مع كل الممارسات المنافية للأخلاقيات المهنية التي يمكن أن تخدش سمعة جهاز الأمن وتمرغ سمعته في الوحل، دون أن تستبعد احتمال وقوع ممارسات مخلة، لكنها تطوى دون جعجعة قد تخدش سمعة المخالف مهما كان مركزه ومهمته. ولا يعني ذلك حسب المصادر ذاتها، القطع مع الممارسات السابقة التي يصعب كشفها وضبطها، إلا بتسجيلات بالصوت والصورة عبر كاميرات رقمية متطورة على شكل ساعات يدوية أو أزرار أقمصة أو أقلام دقيقة التصوير، باعتبارها أسلحة أضحت وسيلة ناجعة يلجأ إليها مواطنون للانتقام كما حدث في عدة حالات نشر بعضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأطاحت برؤوس.كما أن بعض الموكول إليهم تقييد المخالفات، لم يعودوا قادرين على المجازفة في ظل شيوع أخبار عن شروع لجن تفتيش في عملها لضبط خروقات أو تجاوزات قد تندرج ضمن جرائم الفساد الذي يتهم جهاز الأمن كما باقي الأجهزة، به في عدة مدن، خاصة بعد نشر تسجيلات وفيديوهات متورطين في قضايا ارتشاء في صور تظهرهم يتسلمون مبالغ مالية من مستعملي الطرق.ويأتي ذلك، بعدما عممت المديرية العامة للأمن الوطني، تعليمات أمنية صارمة لكل موظفيها لأجل التقيد بأحكام مدونة قواعد السلوك المهني الخاصة، عبر مذكرات نشرت على نطاق واسع وحثت على ضرورة التحلي بالنزاهة والاستقامة والشرف، والقطع مع كل أشكال الابتزاز والارتشاء، ما زاد من تخوف عناصر الأمن وولد لدى بعضهم رغبة في معاقبة كل مخالف حاول إرشاءهم.حميد الأبيض (فاس)
