الارتباك يكشف أسرار جريمة

تحقيق عرضي مع "بزناسة" وأبنائها يقود إلى اكتشاف جثة أب دفنت منذ 6 سنوات لم تثن السنوات الطويلة الأجهزة الأمنية في طنجة عن فتح أوراق قضية شخص اختفى في ظروف غامضة منذ ست سنوات، وتمكنت، خلال مجريات بحث تمهيدي أجرته عناصر فرقة مكافحة المخدرات مع امرأة وخمسة من أبنائها ضبطوا متلبسين بالحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية بالمدينة، من فك رموز جريمة قتل راح ضحيتها شخص أجهزت عليه زوجته وأبناؤه، ودفنوه داخل جدار إسمنتي قبل إقامتهم مراسيم العزاء موهمين جيرانهم بأن الهالك لقي حتفه بمسقط رأسه في منطقة جبلية بضواحي المدينة. "الروح عزيزة عند الله" و"الحقيقة تبان تبان مهما طال الزمان"، أمثلة شعبية لم تفارق ألسنة سكان حي "الموظفين" بطنجة والمناطق المجاورة، الذين أصيبوا بصدمة قوية، حينما وصل إلى علمهم أن جارهم الفقيه "سي عبد السلام"، الذي لقي ربه منذ ست سنوات وحضروا جنازة وفاته، لم يمت بمسقط رأسه نتيجة مرض مفاجئ كما ادعت زوجته وأبناؤه، بل مات نتيجة سجنه من قبل أفراد أسرته وتعريضه للتعذيب والإهمال المفضيين للوفاة، وقاموا بدفنه داخل جدار أسمنتي لإخفاء معالم جريمتهم النكراء، متناسين أنه في قانون الحياة لا توجد جريمة كاملة، والمجرم لابد أن يترك وراءه بصمة تدل عليه، وخيطا يصل به إلى العقوبة المستحقة مهما طال الزمن. ونجحت فرقة للأبحاث تابعة للشرطة القضائية الولائية بطنجة، في فك رموز هذه الجريمة الهمجية، التي أرعبت بتفاصيلها القاسية مشاعر الرأي العام المحلي والوطني، حينما كانت بصدد إجراء بحث تمهيدي مع خمسة أشقاء ووالدتهم، الذين تم إيقافهم متلبسين بحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، وشكت في ارتباك وتناقض أقوالهم بخصوص اختفاء والدهم منذ 2018، ما دفع الشرطة إلى استصدار أمر من النيابة العامة، من أجل تمديد الحراسة النظرية لتعميق البحث معهم في الموضوع، وحاصرتهم بسيل من الأسئلة المحرجة، التي لم يجدوا أمامها بدا من الاعتراف بجريمتهم وسرد تفاصيلها. قضية مخدرات تقود إلى مفاجأة صادمة في إطار حملاتها الروتينية ضد تجار المخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة، تمكنت عناصر الشرطة القضائية بالمدينة، في يونيو الماضي، من إيقاف عدد من المشتبه فيهم، من بينهم امرأة وخمسة من أبنائها، أحدهم من ذوي السوابق القضائية، ضبطوا متلبسين بحيازة أزيد من 4 آلاف قرص مهلوس، وجرعات من الكوكايين والهيروين، وكذا 700 غرام من مواد كيميائية تستخدم في إعداد مخدر الإكستازي، بالإضافة إلى مبالغ مالية بالعملة الوطنية والأجنبية يشتبه في كونها من عائدات النشاط الإجرامي. وخلال عملية البحث مع الموقوفين الستة، ظهر ارتباك كبير في أجوبتهم حين طرح عليهم سؤال "متى توفي والدكم، وما هي أسباب الوفاة؟"، حيث جاءت الأجوبة متناقضة تماما، لتحوم شكوك قوية حول وفاة الأب، ما دفع الشرطة إلى توسيع عملية البحث، لتشمل عددا من أفراد العائلة والجيران، الذين أكدوا في تصريحاتهم بأن الهالك اختفى في ظروف تشوبها خلفيات إجرامية، ليتم استجواب الموقوفين مرة أخرى بطريقة انفرادية استمرت لأزيد من سبع ساعات متواصلة، ما أسفرت عن اعتراف الأم وابنها البكر بما اقترفوه، وأدلوا للمحققين بمكان دفن جثة الهالك. استخراج الجثة وتشريحها مباشرة بعد ذلك، تحركت الأجهزة الأمنية بكل مكوناتها، بمن فيها ضباط للشرطة القضائية وتقنيو المصلحة العلمية، صوب شقة في ملكية الأسرة تقع بمنطقة طنجة البالية، واقتادت معها الأم وأبناءها الخمسة، الذين أدلوا الشرطة عن الجدار الإسمنتي الذي دفنوا به والدهم، ليتم حفره والعثور على جثة لم يتبق منها إلا الهيكل العظمي، إذ بعد مجهود جبار تمكنت عناصر الوقاية المدنية، التي التحقت بالمكان بعد أخطارها بالحادث، من استخراج كل العظام المتبقية ونقلها نحو المستودع الجماعي للأموات بالمدينة، حيث أمر الوكيل العام لدى استئنافية طنجة، بإخضاعها لفحص علمي دقيق وإجراء تحليل الحمض النووى لمعرفة الأصل الوراثي لصاحبها، وتحديد سبب الوفاة والطريقة أو الأسلوب الذي تمت به عملية التصفية قبل الدفن، وإعداد تقرير مفصل حتى يتسنى للمحققين الاعتماد عليه في الكشف عن الخلفيات والملابسات المحيطة بهذا الفعل الجرمي الخطير. كما أمر الوكيل العام بإحالة المتهمين الستة على قاضي التحقيق باستئنافية طنجة، الذي قرر الاحتفاظ بهم جميعا تحت تدبير الحبس الاحتياطي بالسجن المحلي بالمدينة على ذمة التحقيق، إلى حين الاستماع إليهم تفصيليا حول الظروف والملابسات المحيطة بتلك القضية، وعرضهم جميعا على أنظار غرفة الجنايات الأولى بالمحكمة ذاتها، للبت في التهم الموجهة إليهم، وتتعلق بجناية "التعذيب الجسدي المفضي إلى الموت والمشاركة وعدم التبليغ عن جريمة وتضليل العدالة والمس بحرمة الموتى والتجار في المخدرات"، وهي تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام. دوافع الجريمة تفيد محاضر الاستماع، التي أنجزتها فرقة الأبحاث الجنائية التابعة للشرطة القضائية بولاية أمن طنجة، أن الأم والابن البكر اعترفا أثناء التحقيق معهما بتورطهما في تنفيذ الجريمة والتخطيط لها، وأبرزا أنهما كانا على خلاف دائما مع الضحية، بسبب وقوفه في وجههما بخصوص نشاطهم المتعلق بالاتجار في المخدرات، وتهديدهما بالتبليغ عنهما لدى المصالح الأمنية، بالإضافة إلى ممارسته السحر والشعوذة، ما دفعهما إلى تكبيله بسلاسل حديدية وحبسه بغرفة منعزلة داخل بيت الأسرة بحي الموظفين، في محاولة لثنيه عن تنفيذ تهديداته والكف عن ممارسة الشعوذة، مؤكدين أنه فارق الحياة دون أن تكون لهما نية قتله. ولكي لا يفتضح سرهما، أوضحت الأم أنها عمدت إلى توريط باقي أبنائها القاصرين في القضية حتى لا يفتضح سرها، وقامت بتكليف جميع أبنائها بنقل جثة الهالك ليلا من مسرح الجريمة بحي الموظفين إلى منزل آخر يمتلكونه بحي طنجة البالية، على متن سيارة من نوع "سيوزكي"، وقاموا بدفنها داخل جدار سميك يفصل بين غرفتين وسط المنزل، ثم سكبوا عليها كمية من الإسمنت لطمس معالم الجريمة، وتجنب إثارة الشكوك بين الجيران والمحيطين بهم. المختار الرمشي (طنجة)

الارتباك يكشف أسرار جريمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عندي‭ ‬ما‭ ‬يكال‭: ‬تمدين‭ ‬المدينة

جزائريون‭ ‬يجتاحون‭ ‬مدن‭ ‬الشمال‭ ‬

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات