قريبا، ستختفي جاذبية المائدة المغربية، فاللحوم والأسماك لم تعد من مكوناتها، بل توفيرها يعد نوعا من الرفاهية وإعلانا بالانتماء إلى فئة الأثرياء، القادرين على تذوق طعم "اللحم بالبرقوق" الفريد و"طواجين الحوت" اللذيذة. لن يهتف أنصار المرشحين للانتخابات المقبلة، شعاراتهم المستفزة "لا دجاج لا برقوق... المرشح في الصندوق"، بل سيتخلى عنها الجميع، لأنها لا تتماشى وارتفاع الأسعار وندرة اللحوم بمختلف الأنواع، وربما سيرددون عبارات أكثر قربا من الناخبين، من قبيل "لا عدس لا لوبيا... المرشح هو حبيبنا". أصبحت مائدة الطعام المغربية بئيسة ومملة لا تغري بالتغزل في مكونات أطباقها، فخيارات الأسر أصبحت محدودة بين الأنواع الرخيصة من الخضر والفواكه، والمغربي الذي كان، إلى وقت قريب، يتفاخر بطعم ولذة لحم الغنم والبقر، سيتباهى بشراء البقوليات، أما "البيض ومطيشة"، التي كانت تعتبر وجبة البسطاء، فسيفتقدها إلى الأبد، وربما لن يعثر عليها إلا في مطاعم الفنادق المصنفة، فهي نادرة، أكثر من ندرة الدولار في بورصة البيضاء. عادات كثيرة ستختفي، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والسمك، حتى أن زيارة جزار الحي ستحتاج إلى حسابات دقيقة أشبه بإعداد ميزانية شهرية، بينما تسير الأسماك على خطى اللحوم الحمراء في الارتفاع المطرد لأسعارها، وكأن البحر أيضا قرر أن يرفع شعاره الخاص في عالم الغلاء. في ما مضى، كان الحوار العائلي حول الطعام يتلخص حول أكلات اللحم والدجاج المتنوعة، ومتعة سؤال الأمهات حول كيفية الطهو بطرق مختلفة، لكن الآن أصيب أفراد الأسرة بالخرس، والأمهات عزفن عن الكلام، فحتى الدجاج الذي كان آخر معاقل البروتين الحيواني المتاحة، أصبح يرهق الجيوب، وإذا تجرأت الأسرة وأدخلت السمك في المعادلة، فذلك يعتبر إنجازا تاريخيا، فشراء سمك السردين الذي كان يوما ما "سمك الفقراء" أصبح مغامرة مالية تشبه شراء تذكرة لحضور مباراة نهائي كأس العالم. لم تعد اللحوم مجرد وجبة عادية، بل أصبحت أشبه بالجائزة الثمينة التي تحتاج إلى تخطيط مسبق وتضحيات مالية واضحة. أما بالنسبة للحلول؟ فربما على الأسر المغربية التفكير في التخلي عن بعض عاداتها الغذائية القديمة، فبدل التفكير في تحضير طاجين اللحم، قد نجد أنفسنا مضطرين للتفكير في طاجين من الخضروات فقط. يعلق أحد كبار "ملتهمي اللحوم" ساخرا على ارتفاع الأسعار قائلا: "قد تكون هذه الارتفاعات في الأسعار هي بمثابة دعوة غير مباشرة للتخفيف من استهلاك اللحوم، والعودة إلى أصول التغذية الصحية". خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma