إدارة الجمارك مرفق عمومي يتولى تحقيق الأمن الاقتصادي الوطني (2/2) إن دولة الحق والقانون تقوم على أساس تطبيق القانون وتجسيده على أرض الواقع بصورة ملموسة وواقعية، من أجل تحقيق الأمن القانوني والاجتماعي والإقتصادي لجميع مكونات وشرائح المجتمع وتحديد المسؤوليات داخل هذا النسيج المجتمعي دون تمييز بين الأفراد والمؤسسات العمومية، رفعا للضرر وجبرا له ومن هذا المنطلق تم إقرار مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية عن الأضرار، الناتجة عن أنشطتها وأخطاء موظفيها بمناسبة أداء مهامهم، والتي تلحق الغير في إطار تسيير وتدبير المرافق العامة. بقلم: محمد القوص خلافا لما سبق طرحه فإن المسؤولية المفترضة والقائمة على نظرية المخاطر يكفي لتحقيقها والقول بها توفر شرطين وهما، الضرر وارتباطه بنشاط وعمل المرفق العمومي، ويتجلى ذلك في عدة صور "كالأضرار الناتجة عن استعمال وتسيير المرفق العام، والأضرار غير العادية للجوار، والأضرار الناتجة عن استعمال الأشياء الخطيرة" والصور كثيرة ومتنوعة. المحور الثاني: المسؤولية الإدارية لإدارة الجمارك تعتبر إدارة الجمارك مرفقا عموميا يتولى تحقيق الأمن الاقتصادي الوطني، من خلال مراقبة عملية عبور الأشخاص والبضائع والمنتوجات وتحصيل الرسوم والمكوس الجمركية المنصوص عليها قانونا وتطبيق وتنزيل المقتضيات المتعلقة بالنصوص المنظمة للتجارة الخارجية ومحاربة كل مظاهر التهريب، والتي من شأنها المساس بالاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن إدارة الجمارك تمارس عدة مساطر قانونية من أجل تجسيد وتحقيق أهدافها مرفقا عموميا كالمصادرة والحجز التحفظي والبيع المسبق للمنقولات وفق مايقتضيه قانون 1-77-339 والمعدل بقانون 99-02 الصادر بتاريخ 5يونيو2000 بمثابة مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومباشرة وتحريك الدعوى العمومية الجمركية في حق المخالفين، وفق ما تقتضيه نصوص القانون المشار إليه. وفي هذا السياق فإن مسؤولية إدارة الجمارك عن ممارسة نشاطها إذا ما الحقت ضررا بالغير، تثار في إطارها العام الذي تمت الإشارة إليه سابقا وفق قانون الالتزامات والعقود، إما استنادا لنظرية الخطأ أو استنادا لنظرية المخاطر "المسؤولية المفترضة"، بعد إثبات العلاقة السببية بين نشاط الإدارة المسبب للضرر والضرر نفسه الذي لحق بالغير من جراء ذلك النشاط، وهذا ما أكده العمل القضائي من خلال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 24-04-2012 تحت عدد 1863 ملف عدد6-11-803، حيث اعتبرت المحكمة "أن إدارة الجمارك...... مسؤولة إداريا عن الأضرار الناتجة عن سير المرفق .....أعمال أعوان الجمارك لامتياز حجز الناقلة والبضاعة نتيجة للشك في مصدرها رغم إدلاء صاحبها بنسخ الوثائق ..... مساءلتها عن المخاطر القانونية الناتجة عن ذلك الاجراء بسبب عدم معالجة المعطيات المقدمة داخل أجل معقول". أما ما ذهب إليه الأستاذ عبد القادر مستور في مقاله، حول مسؤولية إدارة الجمارك عن توقيف السلع التي تشكل اعتداء على حقوق الملكية الفكرية والمنشور في سلسلة قانون الأعمال والممارسة القضائية عدد 11-12 ص 163 ، من أن هاته المسؤولية التي تقع على إدارة الجمارك والتي تتمثل في السلع الموضوعة والمودعة لديها والتي تم إجراء التوقيف بشأنها، فإن الأضرار التي تلحق هاته السلع خلال فترة التوقيف تلزم الإدارة بتعويضها استنادا لمسؤولية حارس الشيء المنصوص عليها في المادة 88 من قانون الالتزامات والعقود. نقول بأن هذا الطرح مجانب للصواب ولا يستقيم مع المنطق القانوني السليم على اعتبار أن مسؤولية حارس الشيء وفق الفصل المستدل به لها إطارها الخاص ولا تتحقق إلا بتوافر الشروط المنصوص عليها وبشكل تراتبي، وصياغة المادة 88 قانون الالتزامات والعقود، لا يمكن بأي حال من الأحوال إسقاطها على مسؤولية إدارة الجمارك عن نشاطها المزاول بناء على أن إدارة الجمارك هي مرفق عمومي ومسؤوليته تبقى مسؤولية إدارية محض ولا تخرج عن نطاق سياقها العام ولا تثار إلا وفق ضوابط محددة تشريعيا وقضائيا ولقد سبقت الإشارة إليها سابقا. وأما قوله في ما يتعلق بمسؤولية إدارة الجمارك عن الحجز استنادا للمادة 232 من مدونة الجمارك كإجراء ضبطي، هو توجه تشريعي يرمي إلى التنصيص القانوني وبشكل واضح على تأسيس مسؤوليتها الإدارية "كمسؤولية تقصيرية"، على أساس الخطأ الذي يجب إثباته في حق الإدارة وهو توجه مخالف للاجتهاد القضائي الذي سبق أن بسطناه وأشرنا إلى مراجعه أعلاه، ومفاده أن، "إدارة الجمارك ... مسؤولية إدارية عن الأضرار الناتجة عن سير المرفق ... أعمال أعوان الجمارك لامتياز حجز الناقلة والبضاعة نتيجة للشك في مصدرها رغم إدلاء صاحبها بنسخ الوثائق.....مساءلتها عن المخاطر القانونية الناتجة عن ذلك الاجراء بسبب عدم معالجة المعطيات المقدمة داخل أجل معقول.....". ويبقى هذا الاجتهاد مصادفا للصواب بمقارنته مع النص التشريعي والذي حاول إفراغ المسؤولية الإدارية من هدفها التاريخي الذي هو خلق نوع من التوازن بين مصالح المرتفقين والأغيار المتضررين من نشاط الإدارة ومصلحة الإدارة، وأما استدلاله بمقتضيات 176-4 من القانون 00-02 بمثابة القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا يمكن اعتمادها دليلا لاستبعاد المسؤولية لإدارة الجمارك، على اعتبار أن هاته الأخيرة قائمة على نظرية المخاطر -المسؤولية المفترضة- سواء كان الفعل الناتج والمترتب عن نشاط الإدارة مشروعا أو غير مشروع ويفرضها مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، وبالتالي فإن العمل والاجتهاد القضائي أقرا بمسؤولية الإدارة بدون خطأ عن أعمالها التي سببت ضررا للغير، ولو كانت مشروعة ووفق الضوابط القانونية. * مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس