رئيس ودادية القضاة يستعرض بليبيريا تجربة المغرب في مسلسل تكريس استقلال السلطة القضائية
تم، الأسبوع الماضي بالعاصمة الليبيرية مونروفيا، تسليط الضوء على تجربة المملكة المغربية في مسلسل تكريس استقلال السلطة القضائية.
وأكد المستشار بمحكمة النقض، رئيس الودادية الحسنية لقضاة المغرب، محمد رضوان، في كلمة له خلال مؤتمر المجموعة الإفريقية للاتحاد الدولي للقضاة، الإرادة الملكية السامية والراسخة، التي تم التعبير عنها في مراحل ومناسبات عديدة، من أجل تكريس وتعزيز استقلال السلطة القضائية “باعتباره خيارا استراتيجيا لا محيد عنه في إطار مخطط الإصلاح الشامل للمنظومة القضائية في المملكة “.
وأضاف رضوان أن كلا من السلطة التنفيذية والتشريعية، فضلا عن سلطة المال المغرية بالارتشاء والإعلام، لها القدرة على التأثير على القضاة والقضاء، بالتالي فأية مقاربة حقيقية وشمولية وعميقة يجب أن تأخذها بعين الاعتبار، إلى جانب التأثيرات الصادرة من داخل الجهاز القضائي نفسه.
وأردف المتحدث ذاته قائلا إن هناك قواسم وشروط مشتركة لابد منها للارتقاء بالقضاء كسلطة، أولها المناخ الديموقراطي الحر، ثم الحركة القانونية الشاملة، التي تبدأ من القوانين التأسيسية وتصل إلى كل ما له علاقة بالنظام القانوني، وكذا الممارسة العملية الملموسة، التي تقر بأن السلطة القضائية ليست فرعا من أصل وإنما هي أصل قائم بذاته، مع ما يرتبط بذلك من إشراك مختلف الفاعلين في قطاع العدالة في إنجاح هذا الورش الإصلاحي الشمولي.
في السياق ذاته، أكد رضوان أن الدستور الجديد أسس لمجلس أعلى للسلطة القضائية، يرأسه الملك بتركيبة موسعة تشمل قضاة منتخبين من طرف زملائهم وآخرين معينين بقوة القانون مع ضمان تمثيلية نسوية، وأعضاء آخرين خارج قطاع القضاء من الشخصيات المشهود لهم بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، ما يؤكد بالفعل أن القضاء شأن مجتمعي عام يشتغل بما تقتضيه آليات الحكامة القضائية من شفافية ونزاهة ووضوح.
“كما لم تعد للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل أي صفة داخل هذه المؤسسة الدستورية التي جعل من مهامها السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم وجعل قراراتها المتعلق بالوضعية الفردية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية بالمملكة”، يضيف المتحدث ذاته.
وخلص رئيس الودادية الحسنية لقضاة المغرب إلى أن “هذه المقتضيات الدستورية الهامة شكلت إطارا مؤسسيا هاما لتفعيل حقيقي لمفهوم استقلال القضاء وحلقة أساسية ضمن مسلسل إصلاح السلطة القضائية”.
وضم الوفد المغربي المشارك في هذه التظاهرة، المنعقدة تحت شعار “العدالة في عصر المعلومات الحديث”، كذلك، يحيى الزلوطي، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، الكاتب العام للودادية الحسنية لقضاة المغرب، ويوسف بونعيلات، نائب رئيس المحكمة الابتدائية، عضو المكتب المركزي للودادية.
وقال رضوان إنه نظرا لاختلاف الإطلاقات والتطبيقات والآليات والضمانات من بلد إلى آخر، حتى بالنسبة للبلدان المنتمية إلى نفس النظام القانوني (اللاتيني، الجرماني، الأنجلوسكسوني، الاسكندنافي، وغيرها) فإن المغرب حرص على بلورة رؤيته الخاصة لعناصر هذا الورش وآليات تطبيقه، “بما ينسجم مع ثوابت المملكة، بهدف تطوير نموذجها الديمقراطي المتميز للتنمية”.
وأضاف أنه كان من الضروري، أيضا، إيجاد آليات تضمن الفصل والتوازن والتعاون بين السلط (الفصل يعني الاستقلال، والتوازن يعني تحديد الحدود وتجنب التجاوزات، والتعاون يحول دون الصدامات)، كما ينص على ذلك الدستور المغربي الجديد في فصله الأول؛ ” يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأبرز رئيس الودادية الحسنية للقضاة أن العمل على تعزيز أسس استقلال القضاء واستقلال القضاة بمختلف جوانبه “لم يكن سعيا لامتياز السلطة القضائية، بل هو حق أساسي للمواطنين، يهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على ثقة الأفراد في سلطتهم القضائية”.
وسجل، في السياق ذاته، أن المشرع الدستوري وضع هذا الاعتبار في صلب اهتماماته، موضحا أن معالجة حقوق المتقاضين وقواعد المسطرة القضائية تؤكد أن هذا الاستقلال وهذه المؤسسة الدستورية “ليسا إلا وسيلة لضمان حق المواطن في محاكمة عادلة”.
وشدد رضوان، خلال عرضه، على أن أي مقاربة أصلية وشمولية وعميقة في هذا المجال يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجهات المؤثرة التي يمكن أن تضاف إليها التأثيرات الداخلية للنظام القضائي نفسه.
وتابع المتحدث أن استقلال السلطة القضائية تم ترسيخه في دستور 2011 الذي أسس سلطة قضائية مستقلة بضمانات وآليات متعددة، مذكرا بأن المشرع الدستوري خصص ستة فصول كاملة لاستقلال القضاء (المواد من 107 إلى 112)، مؤكدا على خصوصية التجربة المغربية واحترام المبادئ الأساسية المعترف بها عالميا في مجال استقلال القضاء.
من جهة أخرى، أكد أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن الملك محمد السادس هو ضامن استقلالها، ويمنع منعا كليا أي تدخل أو تأثير على القضاة في ما يتعلق بوظيفتهم القضائية، أو إعطائهم أي تعليمات أو أوامر، أو إخضاعهم لأي ضغوط .
وأردف رضوان، أنه في مجال التجريم، يتعين على القضاة الدفاع عن استقلاليتهم عن طريق الإبلاغ على كل ما يهدد هذه الاستقلالية، تحت طائلة اعتبار أن أي إخلال بهذا الالتزام يعد بمثابة خطأ مهني جسيم، مؤكدا أنه ” لا يمكن عزل قضاة الأحكام أو نقلهم إلا بمقتضى القانون ولا يلتزمون إلا بتطبيقه.
وعلى صعيد آخر، استعرض المستشار بمحكمة النقض التركيبة الجديدة والمتنوعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يترأسه الملك، والذي يضم تركيبة موسعة تشمل قضاة منتخبين من قبل زملائهم ، وآخرين معينين بقوة القانون بما يضمن تمثيلية النساء، فضلا عن أعضاء من خارج قطاع القضاء من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحياد، والتزامهم البارز باستقلال القضاء وسيادة القانون، معتبرا أن هذه المقاربة تؤكد بالفعل أن القضاء شأن مجتمعي عام يشتغل بما تقتضيه آليات الحكامة القضائية من شفافية ونزاهة ووضوح.
ونوه إلى أن السلطة الحكومية المكلفة بقطاع العدل لم تعد لها أي صفة داخل هذه المؤسسة الدستورية، مسجلا أن مهمتها أصبحت تتمثل في ضمان تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.
ونبه إلى أن القرارات المتعلقة بالوضعيات الفردية قابلة للطعن أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة في حالة الشطط في استعمال السلطة.
وخلص إلى أنه ” مما لا شك أن هذه النصوص الدستورية المهمة شكلت إطارا مؤسساتيا أساسيا للتفعيل الحقيقي لمفهوم استقلال القضاء، وهي جزء لا يتجزأ من مسار إصلاح السلطة القضائية”.
وبعدما تم الاستماع إلى العرض الخاص بالتجربة المغربية، قرر مؤتمر مونروفيا بالإجماع أن تقام الدورة المقبلة في المملكة المغربية.