حوادث

التقاط المكالمات الهاتفية والتشريع المغربي

الحق في الحياة الخاصة عصب الحرية الشخصية وركيزة أساسية لحقوق الإنسان (2/1)

أمام التطور التكنولوجي وظهور وسائل الاتصال الحديثة واستخدامها في مجال الجريمة، دفع المشرع إلى مواكبتها من خلال إدخال تقنية التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة عن بعد، واعتمادها وسيلة إثبات حديثة يتم اللجوء إليها في حالة الضرورة من لدن قضاء التحقيق، وبشكل استثنائي من قبل الوكيل العام للملك بعد الحصول على الحقوق إذن مسبق على قرينة البراءة، باعتبارها من المبادئ المعتمدة من قبل الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، لأن هذا الإجراء قد يؤثر سلبا التي نصت عليها مختلف التشريعات والمواثيق الدولية، لتحقيق محاكمة عادلة تراعى فيها جميع ضمانات حقوق الدفاع، من أجل الكشف عن الحقيقة.

تعد الخصوصية من الحقوق الدستورية الأساسية اللازمة للشخص الطبيعي، إذ تحرص المجتمعات خاصة الديمقراطية على كفالة هذا الحق، فالحق في الحياة الخاصة يعتبر عصب الحرية الشخصية وركيزة أساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة، وتبعا لذلك يقتضي هذا الحق الاحترام من قبل السلطات والأفراد ولذلك يجب أن تُكفل حماية ضد الاستعمال غير المشروع له.
ومن المعلوم أن أكبر مشكل يعترض التشريع في ميدان الإجراءات الجنائية، لضمان حسن سير العدالة، وتحقيق المحاكمة العادلة، هو مشكل التوفيق بين فعالية الإجراءات التي تحمي أمن المجتمع وسلامته والمحافظة على النفس والأموال، التي تضمن في الوقت ذاته حقوق ضحايا الجرائم، وبين ضمان الحرية للمتهم التي لا تتحقق إلا بمنحه حقوقا أساسية للدفاع عن نفسه في مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة.
ونجد أن الحق في حرمة الحياة الخاصة ليس وليد الصدفة، فالدين الإسلامي نهى عن التجسس على خصوصية الغير حيث قال سبحانه وتعالى :” ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا”. كما نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم )عن الاغتياب والتجسس على الآخرين “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولاتحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”.
أما التشريعات المقارنة، فقد أقرت جوانب من حماية الخصوصية منذ مئات السنين، أما في العصر الحديث فنجد جل المواثيق ذات الشرعية الدولية أولت الاهتمام بالحياة الخاصة. ولذلك سارع المشرع المغربي أسوة بغالبية التشريعات المقارنة التي سبقته في هذا المجال، إلى التنصيص على التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال الأخرى، من خلال المواد من 108 إلى 116 من قانون المسطرة الجنائية، إجراء استثنائيا أحاطه بضوابط مسطرية اعتبرها من النظام العام، ورتب عن عدم احترامها قيام المسؤولية الجنائية، واعتبره المسؤولية الجنائية فضلا عن ترتيب بطلان هذه الإجراءات.
وكذلك خول المشرع المغربي من خلال المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية لجهتين صلاحية الأمر بالتقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد: هما قاضي التحقيق (الفقرة الأولى) والوكيل العام للملك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : قاضي التحقيق
بخصوص القضاء المغربي، وبالرغم من عدم إصداره لأي حكم صريح يقضي بشرعية التقاط المكالمات الهاتفية، إلا أنه يمكننا أن نستشف إضفاءه لطابع الشرعية على التقاط المكالمات الهاتفية، من خلال تفعيل القضاء للنصوص القانونية المتعلقة بالتقاط المكالمات الهاتفية على المستوى العملي، باعتماد هذه التقنية والأخذ بها في التثبت من الجرائم وجمع الأدلة للوصول إلى الحقيقة .
وفي هذا الصدد قضت المحكمة الابتدائية بتازة بما يلي: “وحيث إنه إلى غاية وقت قريب كانت عملية التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة عن بعد ممنوعة بصفة مطلقة، إلا أنه نظرا لتطور وسائل الاتصال وتطور الدور الذي أصبحت تلعبه في ارتكاب الجريمة، فإن قانون المسطرة الجنائية سمح لقاضي التحقيق في إطار ما تقتضيه ضرورة حق اللجوء إلى عملية التقاط المكالمات الهاتفية، نظرا لما يتسم به التحقيق الإعدادي من طابع سري، الذي يضمن عدم إفشاء الأسرار الشخصية الخارجة عن حرية متابعة الذي يسمح له بصفة استتثنائية سلوك هذه المسطرة، من أجل جرائم محددة في الفقرة الثانية من المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية”.
وإذا كانت القاعدة العامة تقضي بمنع التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، فإن المشرع المغربي أجاز استثناء لجهات حددها حصرا سلطة الأمر باعتراض هذه المكالمات. هذا وقد خولت مقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية صراحة لقاضي التحقيق صلاحية الأمر كتابة بالتقاط المكالمات والاتصالات، متى اقتضت ضرورة البحث اتخاذ هذا الإجراء، سواء على مستوى المحكمة الابتدائية، أو على مستوى محكمة الاستئناف.
* باحث في العلوم القانونية بجامعة محمد الخامس بالرباط


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.