شكري الباحث في علم النفس قال إن جريمة بدون دوافع تعني متهما مريضا نفسيا يتحدث الدكتور عبد الجبار شكري عن الحالات التي يكون فيها مقترف جرم، مشكوك في سلامته العقلية، ويهددها بالأساس في غياب دافع ما لاقتراف الجرم، ويرى انه سبب لعرض المتهم من قبل القاضي على الخبرة الطبية... < ماهي الحالات التي يمكن أن يصنف فيها مرتكب جريمة ما ضمن المرضى النفسيين؟< تصنف جرائم القتل إلى ثلاثة أنواع، وهي القتل الذي ينتج عن الانفعالات المفاجئة والسريعة والاندفاعية والمتهورة، وهي اللحظة التي لا يقصد فيها القاتل الجريمة، ولا يتوفر لديه القصد الجنائي، أما النوع الثاني، فهو الجريمة المقصودة لهدف معين، ولكنها محدودة ومنتهية في لحظة معينة، وهذا النوع من الجريمة تكون مرجعياته رغبة عدوانية مكبوتة ترجع إلى غريزة " التناتوس" أي غريزة الموت كما يسميها التحليل النفسي، والتي يحقق فيها القاتل لذة نفسية.أما النوع الثالث، وهو ما يسمــى جريمة القتل بالتسلسل وهي جريمة تأتي نتيجة الجريمة المقصودة في لحظــة معينــة، فعنــدما تنتاب المجرم اختلالات واضطرابات نفسية تخلــق لديه بنية نفسية هشــة تتكاثر فيها الرغبــات العدوانية المكبوتة وتتكاثر معها الموضــوعات الاستيهامية التي تشكل الإشباع الفعلــي لهـذه الرغبات العــدوانية، تتنــوع وتتعدد فيسعــى المجرم باستمرار إلى القتل المتسلسل، وفي هذا القتل المتسلسل يقوم فيه بتشويه الجثة ومعنى تشويه الجثة أن عملية القتل في لحظة ارتكابها لم تؤد إلى إشباع شاف بالنسبة إلى الرغبة الاندفاعية المكبوتة. < ما هي الأسباب التي تدفع هؤلاء المرضى إلى ارتكاب جرائم تصل في بعض الأحيان إلى قتل أقاربهم كما الأمر في جريمة ابن جرير ؟ < هنــاك أسبـــاب سيكــولــوجيــة وسـوسيــــولـوجيــة متـــوفرة فــي المجــرم، فمن الناحية السيكــولوجية نجد مجمـــوعــة من الأسباب النفسية وراء ارتكاب الشخص لجريمة القتل المجانية وهي كالتالي:> أن المجرم القاتل هو شخص مشحون بالحقد والعداء للآخرين نتيجة الرغبات العدوانية المكبوتة لديه، والتي ولدها لديه العنف المادي والمعنوي الذي مورس عليه من طرف أبويه وأقربائه، فيسقط كل ساديته العدوانية من أجل الانتقام من الآخرين على ضحيته.> المجرم القاتل هو شخص معوق نفسيا بسبب العاهة النفسية التي اكتسبها جراء الحرمان العاطفي الذي عاشه في طفولته ونتيجة القسوة والإقصاء والنبذ اللذين تعرض لهما، ومن ثم فهو لا يعرف معنى الحنان والإشفاق على الآخرين، وبالتالي فهو لا يشعر بأدنى ذنب أو تأنيب ضمير أو مسؤولية أثناء ارتكاب جريمة القتل البشعة، إذن ففاقد الشيء لا يعطيه.أما من الناحية السوسيولوجية، فغالبا ما يكون المجرم القاتل شخصا عاش في أسرة مفككة بسبب الطلاق بين والديه، وبسبب هذا التفكك الأسري والطلاق تنتج مجموعة من العوامل الاجتماعية تصنع المجرم المجاني، منها الفقر والبطالة. < يلاحظ أنه بعد صدور أحكام قضائية، يوضع المرضى النفسيون في مؤسسات سجنية، بدل أن يحالوا على مراكز استشفائية، كيف تعلق ذلك؟< بالنسبة إلى القــانون فهــو ينظــر إلــى المريــض الذي ارتكب جريمة قتل أنه مجرم يجب أن يعاقب بجريمته الجنائية، وأنه ارتكبها عن سبق الإصرار والترصد، ولا ينظر إليه على أنه مريض نفسي. على القاضي عندما يكون أمام جريمة بدون دوافع وهي جريمة شاذة، أن يدرك أنه أمام مجرم مريض نفسيا، وفي هذه الحالة يحيله إلى خبرة طبية، وإذا أثبتت تلك الخبرة الطبية على أن ذلك المجرم هو مريض نفسيا، على القاضي أن يحيل ذلك المريض إلى مراكز العلاج . < ألا ترى أن وضع هؤلاء المرضى في المؤسسات السجنية، يزيد من عدوانيتهم اتجاه المجتمع لحظة مغادرتهم السجن؟< إن وضع هؤلاء المرضى في السجن بدون علاج يزيد في تفاقم وتدهور صحتهم النفسية مما يزيد في قابليتهم لارتكاب جرائم أخرى أكثر خطورة. < ما هي الحلول من أجل تفادي تورط هؤلاء المرضى في جرائم مستقبلا؟< يمكن معالجة هذه الظاهرة بالعمل بشكل جدي على مكافحة الجريمة وذلك بما يلي :> أولا – رفع نسبة الموارد البشرية من رجال الأمن حتى يتم السيطرة على عدد المجرمين.> ثانيا – رفع عدد أجهزة مكافحة الجريمة وتنويع تخصصاتها وتأسيسها على أساس الخبرة العلمية، وذلك بإدماج علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الإجرام المغاربة في هذه الأجهزة. > ثالثا- على وزارة الداخلية أن تعتمد على مقاربة أمنية وقائية لمكافحة ارتفاع نسبة الجريمة وذلك بأن تضع في كل حي سكني "أخصائي اجتماعي" يراقب عن كثب حالات بداية الانحراف، فتتم معالجتها في البداية قبل الوقوع في الإدمان على الجريمة> رابعا: لا يمكــن الاعتقــاد فــي أن تطبيق أقصى العقوبات التي هي " الإعدام " سيحد من ارتفاع نسبة الجريمة، بحيث لم يسبق في تاريخ الإنسانية أن كان الإعدام أداة للحد من ارتفاع جريمة القتل، فالقاتل يعرف مسبقا النتيجة التي سيؤول إليها في حالة اكتشافه واعتقاله من طرف الأمن، وهي إعدامه من الوجود ونزع حق الحياة منه. مــن هــذا المنطــلق أرى أن الدولــة عليها أن تنحــو منحــى آخر وهو إلغاء عقوبة الإعدام بتعويضها بالسجن المؤبد مع التوجه للإصلاح والعلاج.أجرى الحوار: مصطفى لطفي
