حولت المخيمات إلى مرتع للجماعات المتطرفة النشطة في الساحل بقلم: الفاضل الرقيبي منذ تأسيسها في 1973، عملت "بوليساريو"، وفق محاور اجتماعية وأخلاقية مغايرة تماما لما عرف به الصحراويون، كمجتمع محافظ ذي أصالة وبداوة، تستمد قيمها من الدين الإسلامي الحنيف. فالمجموعات التي خضعت لسلطة "بوليساريو" داخل الأحزمة الجزائرية في حمادة تندوف، رسمت لها إستراتيجية اجتماعية تمكن القيادة من السيطرة على كل مفاصل الحياة، فتجد مثلا أن منصب الأمين العام للجبهة هو حكر على مكون قبلي بعينه، دون الآخرين، كما أن باقي المناصب القيادية تخضع لمجموعة من الشروط التفضيلية التي تجعل المشهد الداخلي في الرابوني يسير بمنهجية تمكن المخابرات الجزائرية من التحكم فيه بطريقة سلسة بناء على منطق المحاصصة، وهو ما سبب أزمة أخلاقية مست عمق المكون الصحراوي الذي يقدس القبيلة ويجعل منها رافدا حيويا في تنظيم حياة الفرد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قبيل كل مؤتمر، لا بد أن تطوف القيادات الحالمة بالحصول على عضوية الأمانة الوطنية في "بوليساريو" على شيوخ القبائل والنافذين الاجتماعيين بغرض الحصول على الدعم المطلوب، وطبعا لا يحدث هذا بطريقة مجانية فشيوخ القبائل في تندوف يحصلون على مبالغ مالية كبيرة، مقابل دعمهم للقيادة وصمتهم عن تجاوزاتها في المخيمات، حتى أنهم في بعض الأحيان يتدخلون لشراء الأصوات المعارضة داخل قبيلتهم أو تهجيرها خارج المخيم، لكي لا تشكل أي ضغط داخلي، وبهذه الطريقة بات أغلب الشيوخ والنافذين الاجتماعيين لا تحركهم غير َالأموال أو التعليمات الجزائرية والتي هي الأخرى دائما ما تأتي مقرونة بهبات وعطايا مالية، والحقيقة أن هذا الأسلوب حول طبقة الأعيان إلى زمرة مستفيدة و مستثمرة في معاناة الصحراويين و كذلك أداة أمنية في خدمة الأذرع الاستخباراتية الجزائرية في المخيمات. وفي خضم الأحداث الأمنية الأخيرة التي تعصف بالمخيمات منذ أكثر من شهر، ظهر جليا أن المنظومة الأخلاقية في المخيمات قد انهارت تماما، فمن يتحكم اليوم في الاجتماعات القبلية هو من يدفع للشيوخ أكثر، فمن غير المنطقي أن تجد قبيلة بمختلف عروشها تجتمع للدفاع عن تاجر مخدرات يخوض حربا ضد منافس آخر بل وتنقلب المخيمات رأسا على عقب ويتم تبادل واسع لإطلاق النار بين تلك المجموعات بدعم مباشر من شيوخ القبائل وتتطور الأمور لتجد السكان يتراشقون في تسجيلات على "واتساب"، دفاعا عن تلك العصابات لأنها تدفع المال لمؤثريها الذين يقدمونهم كأبطال فيدافعون عن مكانة القبيلة. وبتحليل بسيط لكل هذه التغيرات الأخلاقية التي طرأت على المجتمع الصحراوي فوق الأراضي الجزائرية نجد أن القيادة هي العامل الرئيس في هذا الأمر، بل إنها المستفيد الثاني بعد المخابرات الجزائرية من هذا الاقتتال المدعوم قبليا، فتجار المخدرات والمحروقات في المخيمات هم أدوات بشكل مباشر في أيادي القيادة وضباط الأمن العسكري الجزائري الذين يستثمرون في تلك المجالات بطريقة واضحة يعلمها الجميع، وأدلتها كثيرة لا تحتاج إلى جدال، فالاقتتال المدعوم قبليا يوفر ذريعة لميليشيات "بوليساريو" لترتكب جرائمها دون حساب. وفي الحقيقة أن آخر من يمكنه أن يحافظ على منظومة الأخلاق هي قيادة "بوليساريو"، التي لم تترك أي جريمة أخلاقية إلا وارتكبتها في حق الصحراويين في المخيمات، بدءا بالاغتصاب ثم الاختطاف ودعم تجار المخيمات، وأخيرا، تحويل المخيمات إلى ساحة ومرتع لكل الجماعات المتطرفة النشطة في الساحل، بدعم مباشر من أسيادها في المرادية، لذلك لا عجب من أن نشاهد ونسمع عن أشياء في المخيمات لم تعرف قديما عن الصحراويين، وما تفاني الدولة المغربية في الحفاظ على هذا الموروث الاجتماعي والثقافي بإقليم الصحراء من خلال إعطاء مؤسسة الشيوخ العرفية المكانة المناسبة داخل النسيج الاجتماعي، سوى دليل آخر على عراقة ومتانة العلاقة القديمة بين شيوخ الصحراء والعرش المغربي، المبنية على البيعة التي أقرها ديننا الإسلامي الحنيف وليس بيعة الجنرالات التي تشترى ببضع دينارات وصهاريج المحروقات.