مـولاي رشيـد… فسحـة أمـل

المنطقة استعادت بريقها بعد حملات التطهير وودعت حقبة سوداء تسيدت فيها الدواب والمواشي بدأت منطقة مولاي رشيد بالبيضاء تستعيد بريقها الضائع، وعافيتها بعد سنوات طويلة من داء اسمه الترييف المتعمد، بعد تعيين محمد مهيدية واليا على جهة البيضاء سطات، وإشرافه على حملة ضد العشوائي واحتلال الملك العمومي بسائر مناطق البيضاء. تراجعت تقريبا كل المظاهر السلبية بالمنطقة، من استغلال للملك العمومي وفرض أسواق عشوائية عنوة وضد السلطات، واختفت العربات المجرورة بدواب من شوارع المنطقة. إنجاز : مصطفى لطفي/ تصوير (عبد الحق خليفة) في السابق، كان الانتقال بين شوارع منطقة مولاي رشيد جحيما حقيقيا. ازدحام لا يطاق، ساهمت فيه العربات المجرورة بالدواب، والتي تتجول بحرية ودون احترام قانون السير. تكلف رحلة لمسافة قصيرة مدة طويلة من الزمن، وزاد الوضع تدهورا، انطلاق أشغال الشطر الثالث من خط «الطرامواي»، إذ تحولت أبرز الشوارع إلى ممرات ضيقة تتنافس عليها عشرات السيارات وحافلات النقل العمومي والشاحنات بمختلف الأحجام، دون نسيان العربات المجرورة سيما «الكوتشي». الآن استعادت الشوارع بريقها وهندستها الجديدة، فبعد أن كان السائقون يستاؤون بشدة من ذلك الوضع صاروا اليوم يستمتعون بقيادة سياراتهم، بعد إصلاح الشوارع بشكل جذري وجذاب. شوارع بحلة جديدة كانت الساعة تشير إلى 11 ليلا، عندما قررنا المرور من الشارع المؤدي من حي البركة صوب مدارة حي الفلاح الشهيرة، والذي قلصت أشغال «الطرامواي» شساعته. كانت تلك الرحلة تتطلب في الماضي حيزا زمنيا مهما، وتناول أدوية لتهدئة الأعصاب، إذ تشهد يوميا مشاحنات وخلافات بين السائقين حول أسبقية المرور والتجاوز المعيب. الآن تغير كل شيء، فرغم صغر مساحة الطريق إلا أنها استثنائية بعد إعادة تبليطها، وتجعل السائق يقود عربته بكل سهولة، وهو ما ساهم في تخفيف الضغط، إذ لم تتجاوز الرحلة خمس دقائق رغم وضع شارات مرور عديدة. فالطريق خالية من أي ازدحام أو اكتظاظ. علق أحد الظرفاء على الوضع بالقول «دابا حنا فعلا في كازا». ما يثير الانتباه خلال هذه الرحلة، استمرار أشغال على خط «الطرامواي» رغم اقتراب الساعة لمنتصف الليل، فجميع العمال منهمكون في عملهم حسب تخصصهم، يسارعون في إنجاز مهامهم كأنهم مقيدون بزمن محدد. كانت المفاجأة الكبرى لحظة اقترابنا من مدارة حي الفلاح، فلا وجود لعربات مجرورة أو دواب تتجول بحرية بجوانب الطريق كما في السابق، كما تبين غياب عربات «الكوتشي» التي اعتبرت نقطة سوداء بالمنطقة رغم الخدمة التي تقدمها، إذ صارت من الماضي، بعد أن توهم الجميع أن هذه الظاهرة مستعصية عن الزوال. الأسواق العشوائية ...الوداع كان من أكبر الإكراهات التي تواجه السلطات المحلية والأمنية بالمنطقة، انتشار الباعة الجائلين والأسواق العشوائية، إذ كان مصير جميع المجهودات والحملات لإزالتها الفشل، لدرجة ساد اعتقاد لدى الباعة أن الفوضى حق لا يجوز المساس به، ومستعدون للدخول في مواجهة ضد الأمن والسلطة المحلية للحفاظ عليه. تسبب هذا الاعتقاد في إحباط كبير لمواطنين اقتنوا شققا غالية الثمن بالمنطقة، ولم تشفع احتجاجاتهم وشكاياتهم في تصحيح هذا الوضع، إلا أن الإحباط تحول إلى فسحة أمل، بعد الحملات اليومية والصارمة للسلطة المحلية في الفترة الأخيرة، إذ تم اجتثاث الأسواق العشوائية وإجبار الباعة الجائلين على المغادرة. من حسنات هذه الحملات أن بعض أحياء المنطقة استعادت جمالها، وستزداد رونقا مستقبلا بعد انتهاء أشغال خط «الطرامواي. اشتهرت المنطقة بظاهرة خاصة، وهي ظهور أسواق عشوائية، خصوصا قرب المساجد. في البداية كان الباعة يعرضون منتوجاتهم منذ صلاة العصر وإلى حدود صلاة العشاء، قبل أن يغادر الجميع المكان، فقرروا في النهاية الاستقرار بشكل دائم، عبر ترك عرباتهم وأمام أنظار السلطات المحلية. الآن صار هذا المشهد من الماضي، وتحررت المساجد من غزو أساء لحرمتها. المواشي والدواب... نهاية حقبة سوداء خلال جولة بمنطقة مولاي رشيد، أبدى شكيب، فاعل جمعوي، غبطته بالحملات اليومية للسلطة المحلية ضد الفوضى والعشوائي، سيما انتشار ظاهرة الدواب بالمنطقة. يتذكر كيف نجا بأعجوبة من حادثة سير بشارع إدريس الحارثي، عندما كان يقود سيارته ليلا، وبسرعة كبيرة ليفاجأ بحصان عليه علامات الهزال، يظهر من العدم ويهم بعبور الطريق. أكد شكيب أن سيارته كادت أن تنقلب لما حاول تفادي الحصان، ووجد صعوبة كبيرة في السيطرة عليها، ومن حسن الحظ أن الطريق كانت خالية من المارة، ما جنبه وقوع حادثة أليمة. لسكان المنطقة قصص عديدة مع الدواب، من بينهم المهدي، الذي كان يقود سيارته، ولما هم بعبور مدارة حي الفلاح، فوجئ بعربة مجرورة ببغل تعترض طريقه. لم يحترم صاحبها شارة المرور، وبسبب «الفقصة»، عمد رفيق المهدي على إخراج يده من نافذة السيارة وضرب البغل، قبل أن يرد عليه المهدي بأن الذي يستحق الضرب مالك البغل. تسبب انتشار الدواب في مشاهد مقززة، إذ تصدر عنها روائح كريهة ونتنة بسبب الإهمال الذي تعانيه، كما أنها تقتات على الفضلات والنفايات بحاويات الأزبال المنتشرة بالمنطقة في مشاهد تؤدي إلى الغثيان. تنطبق هذه المشاهد بدورها على المواشي، فلا يخلو فضاء عشوائي بمولاي رشيد أو بجانب مطرح نفايات من أغنام تتجول بحرية بحثا عن المأكل. من أول نظرة يظهر أنها تعاني الهزال وصوفها متسخ بشكل لا يتصور، إذ تحتاج إلى محاليل كيماوية لاستعادة بياضها. حلول مؤقتة ساد تخوف كبير لدى السلطات من ردود فعل عنيفة من قبل الباعة الجائلين ومالكي العربات المجرورة، بحكم أنها تستهدف مصدر رزقهم، ولم تقدم لهم بعد حلول بديلة، إلا أنه مع بداية الحملة، تبدد التخوف، وتفاعل الجميع بشكل سلمي مع أهداف الحملة وتقبلوا الأمر. هذه المبادرة دفعت السلطات إلى تبني حلول وسطية مؤقتة، إذ أجبرت الباعة وسائقي العربات على مغادرة أهم الأحياء والشوارع الرئيسية والانتقال إلى مناطق خلاء للحفاظ على جمال المنظر العام، في انتظار إنهاء الفوضى تماما. صار مجال العربات محصورا بين الدواوير العشوائية، إلا أنه رغم هذه المبادرة، ظلت جيوب المقاومة ترفض أي مبادرة للتغيير، إذ بين الفينة والأخرى يتمرد باعة على قرارات السلطة، ويعرضون منتوجاتهم بالشوارع في أوقات معينة، سيما بالليل وبأماكن اعتادوا عليها لسنوات.

مـولاي رشيـد… فسحـة أمـل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"نقطة إلى السطر" على "الأولى"

تكريم الروخ بابن كرير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات