أسباب الشغب…البحث عن إبرة في كومة تبن

يصعب، على وجه الإطلاق، إيجاد مقاربات وحلول ناجعة لظواهر العنف المرتبط بالمنافسات الرياضية، كامتداد للعنف الكبير في المجتمع، دون تحديد دقيق وعلمي للأسباب العامة والدوافع المباشرة المؤدية إلى تنامي ذلك، مع إقرارنا باستحالة ذلك، نتيجة التداخل الذاتي والموضوعي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يؤدي، في النهاية، إلى خروج جحافل من المشجعين عن السيطرة ويتحولون إلى خطر داهم يهدد الجامد والمتحرك.وأغلب الذين قاربوا ظاهرة الشغب في الملاعب والفضاءات المرتبطة بها، اعتبروا الشغب إحدى تجليات العنف الموجود أصلا في المجتمع الذي يتكثف في لحظات الحماس والتهييج والصراع والتدافع والازدحام لينتج نوعا الصدام المجاني مع الآخر والمحيط، علما أن علم النفس الاجتماعي انتبه، منذ سنوات، إلى التأثيرات الخطيرة للمجموعة على الفرد التي توفر له نوعا من الحماية أو تزرع فيه نوعا من القوة والشجاعة والجرأة التي يفتقدها حين يكون وحده.ويمكن القول أن السماح، منذ البداية، لتشكل المجموعات أو "لافول" وعدم التصدي لها على نحو استباقي بعدد من الإجرءات، مثل تنظيم حركة المرور والنقل والعزل عبر الممرات وتقنية التشتيت، تعد من الأسباب الرئيسية لتنمو العنف والمغامرة بركوبه، دون وازع أو خوف من العواقب.وليس سرا أن عددا كبيرا من الشباب والمراهقين والقاصرين ينحازون إلى منطق العنف والاختباء في المجموعات للتفريغ والتنفيس أزمات نفسية قارة أو عابرة، أو فترات ضيق اجتماعي أو أسري، فيحاولون، بما يملكون، استثارة أي سبب لإطلاق الشرارة الأولى من الشغب التي تتسع وتتطور لتتحول إلى حملة منظمة للتكسير والتخريب والعنف ضد الممتلكات الخاصة والعمومية والاعتداء على الأشخاص بشتى الطرق.هذه الحالة التي أطلق عليها الباحث المصري مصطفى حجازي سيكولوجية الإنسان المقهور، قد تكون نتيجة، كما أن تكون سببا رئيسا لشغب الفضاءات الرياضية التي تكلف اليوم كثيرا من صورة المغرب وأمنه ورياضته ومشروعه السياحي.أحيانا، يكون العنف والشغب له علاقة بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وتفكك الروابط العائلية وتعاطي المخدرات والمنشطات والمشروبات الروحية وانخفاض الوعي لمفهوم الروح الرياضية، التي تساهم في قتل الالتزام بمنطق المنافسات الرياضية، فضاء للتسامح وإشاعة قيم المثلى.على المستوى الخاص، يمكن تصغير الصورة أكثر، لنرصد عددا من الأسباب المباشرة التي تساهم إلى حد مدى في اتساع رقعة التسيب، وهي أسباب تتحمل فيها الدولة والسلطات الرياضية والإدارية الأمنية الجزء الأكبر، حين تتعامل كل هذه الجهات مع الجمهةر الرياضي مصدرا للتمويل ورفع المداخيل وليس شيئا آخر.من هذا المنطق، يجد الشغب تربته الخصبة في نوعية وأشكال وحالة الملاعب الرياضية التي لا تساعد على الفرجة، وتحرض على التصدي لها بالشغب والعنف (تكسير الكراسي، وإتلاف المعدات...)، كما أن عدم التفكير في تنظيم وسائل النقل العمومية وتوفير أجواء مرور مريحة للمتفرجين وتنظيم المداخل والممرات يساعد على تفشي هذه الظواهر، دون الحديث عن مغصات الفرجة وتقويد أسس المنافسة مثل شراء ذمم الحكام والتلاعب بنتائج المباريات والفساد المستشري في عدد من المكاتب المسيرة وتحول كرة القدم إلى قنطرة لقضاء المصالح الشخصية والمآرب السياسية والانتخابية، وهي سلوكات دخيلة ترد عليها القواعد، بوعي أو دون، بموجة غضب تنطلق من مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات الصغيرة، لتتفجر في الشارع.

أسباب الشغب…البحث عن إبرة في كومة تبن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

من طنجة إلى خريبكة ... العنف اجتاح الملاعب

مكان التجمع ... اللغز المحير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات