أحمد شوقي… منصف الموتى من الأحياء

الساعات الأخيرة في حياة العظماء 1 في الليلة الأخيرة اعتراه أرق وسعال في كتابه كتاب «الساعات الأخيرة» للأديب المصري الراحل طاهر الطناحي يستعيد مجموعة من سير العظاء ، حيث يروي الساعات الأخيرة في حياتهم ، فالموت جانب من الحياة الدنيا والحياة جديرة بأن تعرف بخيرها وشرها، بنورها وظلامها، بهنائها وآلامها .. والخير والشر نسبيان، كما أن نور الحياة وظلامها في الحقيقة متشابهان. عبر هذه الحلقات تنتقي «الصباح» بعضا من سير هؤلاء العظماء كما حكاها الطناحي منذ أزيد من ستين سنة لحظة صدور الكتاب في طبعته الأولى. عزيز المجدوب لما قال أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 ـ 1932) في رثاء شاعر النيل حافظ إبراهيم: قد كنت أوثر أن تقول رثائي/ يا منصف الموتى من الأحياء لكن سبقت وكل طول سلامة/ قدر وكل منية بقضاء قيل حينها: لقد نعى أمير الشعراء نفسه، وآذنت شمس حياته بالمغيب. كان ذلك في أواخر يوليوز 1932، ولم تمض سوى ثلاثة وثمانون يوما، وتحديدا صبيحة 14 أكتوبر ودع أحمد شوقي الدنيا. وقبل أن يموت شوقي بأيام عاد في المساء إلى داره المسماة "كرمة ابن هانئ"، فلما دخلها وقف بالحديقة وقال لسكرتيره: "ترى كم قبرا تسع هذه الدار؟". فدهش السكرتير وقال له "ولماذا هذا السؤال يا باشا؟"، فقال "لا شيء، لكنه خاطر مرّ بنفسي، فذكرت الموت، وطالما خالجتني ذكراه في هذه الأيام، فهب أنني مت فماذا يكون؟". فلما انزعج السكرتير من هذا الحديث، واصل شوقي قائلا "لا تخف فالموت ليس بالمصيبة العظمى، وقد يكون منجاة من حسد حاسد أو حقد حاقد، والقبر أبقى من هذه الدار، وهو لا يشغل غير عشرة أمتار، أما هذه فقد شغلت خمسة آلاف متر، فلو بنيت في مكانها قبور لاتسعت لخمسمائة قبر، أليس كذلك؟" وكان أمير الشعراء قد اشتد ضعفه في السنوات الأخيرة، وبدا أكبر من سنه، ودفعته شدة ضعفه إلى زيادة عطفه على الفقراء ومواساة البؤساء. وكان شوقي أصيب بمرض تصلب الشرايين في أواخر حياته، وكانت أعصابه طول حياته ضعيفة، وقد زادت ضعفا، بهذا المرض، وبما كان يبذله من مجهود أدبي في شيخوخته، فأصبحت تتأثر بأقل مؤثر. وكان إذا دخل عليه إنسان ممن عرفهم ولا يعرفهم اختلجت أعصابه، فيسلم عليه في حركة عصبية ترتعش لها يده، ويمكث نحو دقيقتين في هذه الرعشة فلا يطمئن الزائر إلى حديثه إلا بعد برهة، أو بعد أن يشرب القهوة. وقد نصحه طبيبه كثيرا بالكف عن العمل والإنتاج، والانقطاع إلى الراحة من عناء الفن، ولكن العمل الأدبي كان له طبيعة، والإنتاج الشعري ديدنا، فكان من المحال أن يحقق رجاء الطبيب. وفي الليلة الأخيرة آوى أحمد شوقي إلى مضجعه، وأراد النوم، فاعتراه أرق وسعال، فتدثر حتى دفئ، لكنه لم يسكن إلى الدفء، ولم يطمئن إلى الفراش، وشعر بآلام في صدره، ثم ضيق في تنفسه فأيقظ الخادم وأمره أن يقوم بإسعاف خاص بالتصلب الشرياني، فلم يفده هذا الإسعاف، فأمره أن يستدعي الطبيب، وأن يوقظ الأسرة. وكان الموت يسرع الخطى إليه، وينشر أجنحته على سريره، وعاد الخادم، فوجد سيده يجود بنفسه، فطمأنه إلى حضور الطبيب، فقال شوقي "لا أمل بعد الآن، إن أمري قد انتهى، فسلام على أولادي وأصدقائي". وحضرت زوجة شوقي وأولاده، فرأوه في النزع الأخير، فارتاعوا، وجاء الطبيب، فوجد الشاعر يلفظ أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية بعد منتصف ليلة الجمعة 14 أكتوبر 1932 . وقد أوصى أن يكتب على قبره من قصيدته "نهج البردة" هذين البيتين: يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي وكيف لا يتسامى بالرسول سمى إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل في الله يجعلني في خير معتصم.

أحمد شوقي… منصف الموتى من الأحياء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفكيك شبكة للحريك بإنزكان

‭"‬بريكس‭" ‬تنتصر‭ ‬للحل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات