خرق المسطرة الجنائية…”اللي حصل يودي”

تجاوزات تجر ضباط الشرطة القضائية إلى المحاكمة والتجريد من الصفة الضبطية بين الفينة والأخرى يفجر محامون وقضاة خروقات للمسطرة الجنائية، تحرك بموجها النيابة العامة أبحاثا، تفضي إلى اكتشاف وقائع لا تخرج عن جرائم الاعتقال التحكمي والشطط في استعمال السلطة والتزوير وإخفاء وقائع عن العدالة والتواطؤ. ويجد هؤلاء المخالفون أنفسهم معروضين على الغرف الجنحية لتجريدهم من الصفة الضبطية أو متابعين جنائيا، فينطبق عليهم المثل الشهير "اللي حصل يودي". إنجاز:عبدالحليم لعريبي أثارت واقعة إحالة عميدة إقليمية على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالرباط، للبت في المنسوب إليها في ارتكاب خروقات جسيمة وتجاوزات في المسطرة الجنائية، كانت وراء الزج بطالبة في السجن ثمانية أشهر، الحديث عن تجاوز ضباط الشرطة القضائية، سواء عن جهل أو إرضاء لأطراف معينة، أو الاستجابة لضغوطات الرؤساء في العمل. إيقاف بدون استدعاء طرحت واقعة تسجيل شكاية ضد الشابة العشرينية واتهامها بإصدار شيكات بأرقام خيالية، ومعالجتها في اليوم نفسه، من تسجيلها أمام النيابة العامة، العديد من علامات الاستفهام، لتحال على رئيسة الفرقة الاقتصادية والمالية الثانية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية. وتضمنت الخروقات المسجلة أمام النيابة العامة مداهمة بيت الشابة بحي الرياض دون تقديم استدعاء أول أو ثان لها، كما ينص قانون المسطرة، سيما أن الشابة عديمة السوابق وترعى ابنتين صغيرتين يتراوح عمرهما ما بين 3سنوات و8، واختفى زوجها السابق عن الأنظار. وفور وضع الشكاية سارعت العميدة الإقليمية إلى مداهمة بيتها في اليوم ذاته، ونقلتها إلى مقر الفرقة الاقتصادية والمالية الثانية بولاية الأمن في الوقت الذي تقدمت الشابة بشكاية في وقت سابق بتاريخ 12 مارس 2020، تتعلق بالسرقة والتزوير، فيما حققت المسؤولة الأمنية في الشكاية التي وضعت ضدها بتاريخ لاحق، وهو ما يشير إلى شبهات تواطؤ. خروقات أخرى ثاني هذه الخروقات اعتماد العميدة على إشهاد موقع من قبل مبحوث عنه، وضمنته بمحاضر البحث أثناء إيقاف الشابة، يشهد فيه بأنه كان حاضرا على تعامل مالي خيالي بين الشابة وطرف مشتك، لكن الشاهد كان مبحوثا عنه بتعليمات من وكيل الملك قبل خمسة أشهر، واعتمدت عليه العميدة رغم عدم حضوره أو تنقيطه أو التحقق من هويته. وجرى الاستماع إلى شاهد ثان استعانت النيابة العامة بشهادته وتسلمت إشهاده رغم أنه موضوع مسطرة بحث بدوره قبل ثلاثة أشهر من الإدلاء بشهادته وهو ما طرح عددا من الاستفهامات. إخفاء وقائع ظلت الشابة تؤكد أن الشكاية التي وضعت ضدها رفقة زوجها، لا تعنيها، وبعدها أمرت النيابة العامة العميدة بالتوجه إلى المحكمة التجارية بالرباط، للتحقق من مجموعة من المعطيات بالسجل التجاري، فتوجهت فعلا إلى مقر المحكمة التجارية بالرباط، في 16 يونيو 2020، للتأكد من مدى صحة ملكية الظنينة لشركة، وتبين أن السجل التجاري لم يعد مسجلا في اسم الفتاة، لكن المشرفة على البحث لم تضمن هذه المعطيات بمحاضر البحث، وانتقل ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى مقر المحكمة بمحيط مسجد السنة، واستجوبوا رئيس مصلحة كتابة الضبط، ليؤكد لهم أن المسؤولة الأمنية حضرت فعلا إلى المحكمة منتصف يونيو الماضي، فيما ردت الأخيرة أن أحد زملائها هو من توجه إلى مقر المحكمة بتاريخ 26 يونيو، وهو ما شكل تناقضا في الموضوع، رغم أن رئيس مصلحة السجل التجاري، حدد تاريخ الزيارة في 16 من الشهر نفسه، كما تبين أن العنصر الأمني الذي ادعت المسؤولة قيامه بالمهمة، كان منشغلا في بحث آخر. رئيس محكمة يورط العميدة وجدت العميدة نفسها في موقف لا تحسد عليه، أمام الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط، بعدما أدلى رئيس المحكمة التجارية بالعاصمة الإدارية للمملكة ضدها بشهادة ضبطية وقع عليها شخصيا، تفيد بأن المسؤولة الأمنية، زارت محكمته أثناء إشرافها على بحث تمهيدي، للتأكد من الشخص المسؤول قانونا عن الشركة المشتكى بها، وتحميله مسؤولية إصدار الشيكات، بعدما صرحت الشابة المعتقلة بأنها ليست مسؤولة عن الشركة، ولم يسبق لها أن مثلتها قانونا، وطلبت من الضابطة الانتقال للمحكمة التجارية للتأكد من ذلك، فانتقلت المسؤولة الأمنية على وجه السرعة بتاريخ 16/06/2020، وتأكد لها فعلا صحة تصريحات الشابة فحصلت على وثائق من ملف الشركة، لكن المحققة أخفت واقعة انتقالها ومعاينتها للملف الممسوك لدى مصلحة السجل التجاري بالرباط، وعملت على تقديمها أمام النيابة العامة بابتدائية الرباط في حالة اعتقال مع إنجازها تقريرا يتضمن معطيات مشكوكا في مصداقيتها، نتج عنه إيداع الشابة بالسجن المحلي بالعرجات1. ووافق رئيس المحكمة التجارية على طلب منح الشهادة للاستدلال بها عند الحاجة، والتي تحمل إرساليتها رقم 287/2020، مؤرخة في 21/07/2020، بعدما أخفت محاضر الانتقال للمحكمة التي تؤكد انعدام تسيير الشابة الموقوفة للشركة المشتكى بها. ما خفي كان أعظم تبين للمحققين أن الشابة المعتقلة (إ.ل) سبق لها أن تقدمت بشكاية أمام النيابة العامة بالرباط بتاريخ سابق عن تاريخ شكاية المشتكين، وجرى توجيه تعليمات إلى الدائرة 16 بحي الرياض، لكنها أرجعت إلى النيابة العامة بعلة تعذر الاستماع للمشتكية دون أسباب منطقية، قبل أن تتفجر الفضيحة عبر الإعلام، وأخرجت النيابة العامة ثلاث شكايات للموقوفة من رفوف الحفظ. غياب محضر اتهم محامي الشابة المعتقلة في شكايته المسجلة أمام الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالرباط، بأن هناك إخفاء محاضر الانتقال للمحكمة وعدم إنجاز محضر إيقاف موكلته من أمام مسكنها وإيداعها بالحراسة النظرية، إذ حامت شكوك تواطؤ بين المسؤولة الأمنية مع المشتكين الوهميين، وذلك من خلال طريقة البحث الذي أشرفت عليه، بالإضافة إلى أن العميدة المحققة اعتمدت على إشهادين ضد الشابة دون حضور صاحبيهما إلى مقر التحقيق أو مواجهتهما معا، ما دفع الوكيل العام للملك إلى إحالة القضية على التحقيق للتأكد من شبهات تزوير وتواطؤ. واقعة أخرى لدى الدرك من الوقائع المتعلقة بمخالفة المساطر الجنائية، متابعة قائد مركز لكوكبة الدراجات النارية للدرك بالقنيطرة، أخفى واقعة محضر إرشاء ولم يحله على النيابة العامة، بعدما أنجزه دركي. وحرك الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، متابعة ضد المسؤول الدركي برتبة مساعد، بعدما أحال عليه مدير قطب الدعوى العمومية برئاسة النيابة العامة بالرباط، شكاية أمره فيها بالتحقيق في شأن تبديد دفتر تصريحات، في شأن أبحاث أنجزها الدركي السابق بمركز النخاخصة على الطريق السيار للقنيطرة، ضد مالك حافلة، حاول إرشاءه، فأنجز له مساطر محاولة الإرشاء، لكن رئيسه المتابع لم يقدم المحاضر إلى النيابة العامة لترتيب الآثار القانونية ضد صاحب الحافلة الذي صور الدركي، وهو ضابط شرطة قضائية محلف على أساس أنه طلب منه رشوة، فيما أنجز له الدركي محضرين، الأول يتعلق بتهمة محاولة الارشاء، والثاني متعلق بمخالفة سير بعد إخباره لوكيل الملك بالقنيطرة، الذي أمره باتباع المساطر القضائية وتقديمه في حالة سراح أمامه. وحركت النيابة العامة المتابعة ضد الدركي محرر المحاضر، بعد جره بسوء نية، اعتمادا على الفيديو المصور، فاكتشفت المحكمة بالمراحل الابتدائية والاستئنافية والنقض، أن الدركي لم يتسلم مبلغ الرشوة، وإنما ضمنه بمحاضر البحث التمهيدي وسلمها لرئيسه المباشر قصد التأشير عليه، وإحالته على ممثل النيابة العامة، كما فجر دفاع الدركي فضيحة مدوية حينما أقنع المحكمة طيلة مراحل التقاضي بأن موكله قام بواجبه المهني في تحرير محضر محاولة الإرشاء بعد إخبار النيابة العامة، لكن المحاضر لم تحل في وقتها، واستغل مالك الحافلة الشريط المسجل على أساس أنها رشوة تسلمها منه الدركي الذي أوقف حافلته، فيما أظهرت الحقيقة أن ضابط الشرطة القضائية قام بواجبه المهني والأخلاقي في إخبار النيابة العامة لحظة الواقعة وحرر محضر محاولة الإرشاء. عقوبات مشددة قال حاتم عريب المحامي بهيأة الرباط، إن خرق المسطرة الجنائية لا يجر فقط إلى العقوبات التأديبية فقط والتجريد من الصفة الضبطية، بل في الكثير من الحالات تتم إحالة المتورطين في التلاعب بالمحاضر على القضاء لمحاكمتهم زجريا. وأكد عريب أن العقوبات تكون مشددة في قضايا التزوير في محررات رسمية، حيث يجد ضباط الشرطة القضائية وكل من يتمتع بالصفة الضبطية أنفسهم أمام عقوبات مشددة، تصل إلى عشر سنوات سجنا نافذا. وأوضح عريب أن عامل التمتع بالصفة الضبطية يعتبر بمثابة ظرف تشديد في قضايا اختلاق محاضر وهمية وقضايا جريمة غير موجودة أصلا، مشيرا إلى أن المشرع حينما منح الصفة الضبطية لفئات معينة من الضباط، وضع فيهم الثقة، لأن إنجاز محضر من قبل المحلف يعطي الشرعية للإدارة أو الجهة القضائية استصدار قرار، وفقا للمعاينة المنجزة. وشدد المتحدث ذاته أن القضاء لم يعد يتساهل مع المتورطين في قضايا تزوير المحاضر، التي تشكل جناية التزوير في محرر رسمي، مضيفا أن هناك عوامل وراء "فبركة" الملفات، أساسها الحصول على المال وترضية الخواطر، أو الرغبة في الانتقام، بسبب خلافات وحسابات ضيقة. بحث جديد أمر الأستاذ عبدالكريم الشافعي، الوكيل العام للملك، من جديد بإجراء أبحاث في شأن اختفاء المحضر الذي أنجزه الدركي، وتكلفت به الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية، التي استمعت إلى المعني بالأمر في محاضر رسمية، وأحالتها على الوكيل العام، وطلب من جديد القيادة الجهوية البحث عن المحضر، من أجل تحديد المسؤوليات لترتيب الجزاءات. ومازالت بعض الجهات الإدارية تتلكأ لذكر المعطيات في تبديد المحضر وأسباب ذلك. عبرة لمن يعتبر أكد عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على "فيسبوك"، أن سقوط ضباط الشرطة القضائية في مطبات التلاعب بالمحاضر وتجاوز المسطرة الجنائية، يجب فعلا تحريك المتابعة القضائية في حقهم، ولا يخرج ذلك عن مسؤولية "اللي فرط يكرط". وخرج عبد الرحيم بتدوينته "يجب على المسؤولين القضائيين تحريك المتابعات كلما ظهر خرق بالمساطر الجنائية، من أجل إعطاء العبرة لجميع الضباط المتمتعين بالصفة الضبطية حتى يعلموا أن منحهم هذا الامتياز تشريف وليس تكليفا" يقول المتحدث نفسه، وهو ما يؤكد أن هذه المسؤولية جسيمة، استوعبها المشرع ليفرض عقوبات مشددة على المخالفين تصل إلى عشر سنوات سجنا نافذا، إذا توفرت العناصر التكوينية لجرائم التزوير في محرر رسمي. أما نبيل فاعتبر في تدوينته أن العديد من الأشخاص يذهبون ضحايا تهور وتزوير في أقوالهم "ما خفي كان أعظم، فالعديد من الأشخاص مظلومين أمام القضاء بسبب التلاعب في تصريحاتهم".

خرق المسطرة الجنائية…”اللي حصل يودي”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشرقاوي... الصامت الحكيم

الفرقة الوطنية تطارد شبكات تهريب الذهب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات