اجتثاث الفساد يتطلب عقليات جديدة

مجتمع فاسد ينتج نخبة تشبهه والعقوبات الحبسية غير كافية سنت الحكومات قوانين زجرية لمحاربة الفساد، صوت عليها البرلمان، وصفق لها المجتمع وثمنتها منظمات حقوقية ومدنية، وحماة المال العام، ومع ذلك استشرى الفساد في البحر والبر لأسباب كثيرة. وألف مئات الآلاف من المواطنين التعامل بمنطق الفساد والإفساد، لأنه يسمح لهم بالحصول على حقوق أو منافع أو مصالح بطرق غير قانونية، بغض النظرعن الحالات التي يفرض فيها المسؤول على المواطن أداء رشوة. ورغم وجود ترسانة قانونية لمحاربة الفساد، لم تتغير الأمور كثيرا على مستوى الواقع، لاستمرار ظاهرة الرشوة والابتزاز والمحسوبية والزبونية وخرق القانون، في علاقة المواطنين بالمسؤولين. ومن الناحية السوسيولوجية، " تطبع" المغاربة مع الفساد للحصول على منافع غير قانونية، ومنحوا الرشوة للمسؤولين لتحقيق أغراض ذاتية، أو لتشجيعهم على التحايل على القانون للحصول على مصلحة ما، بل إن بعض المواطنين رفضوا حتى الوقوف في طابور انتظار لمدة نصف ساعة للحصول على شهادة معينة في فضاء مثل المقاطعة مثلا، فيمارسون الضغط على الموظف لقبول " القهيوة» التي تعني رشوة للحصول على الوثيقة التي يمدها لهم الموظف من الباب الخلفي في وقت وجيز. ويجد المغاربة المطبعون مع الفساد، سهولة في تبرير خرقهم للقانون، بالادعاء أن الموظف أو المسؤول لديه أسرة وأجرته لا تغطي مصاريفه اليومية، ومن ثم وجب تقديم المساعدة له التي تعني إرشاءه لتحقيق الغرض المطلوب، وأحيانا يقال إن النسق الإداري فرض على المسؤول التعامل بالرشوة، وإلا تعرض للتهميش، علما أن القانون واضح في التبليغ عمن يريد الرشوة، أو يتوسط في عمليات مشبوهة. وكم من موظف في مجالات الأمن والعدل والقضاء والمقاطعة وإدارة الضرائب والمسح الخرائطي وقطاع التعمير والبناء ومصالح المجالس الترابية، تعرض للابتزاز قصد تحصيل رشاو ورفض خرق القانون، فيما انحرف آخرون لأجل مراكمة الأموال التي تساعدهم على العيش بمستوى أعلى من دخلهم. ورغم وضع الرقم الأخضر للتبليغ عن المرتشين، وتغيير القوانين، لم يقطع مئات الآلاف من المواطنين نهائيا مع " ثقافة الفساد"، ومنهم من يحصل على مال لأجل التصويت على مرشحين فاسدين، وحينما تعترضهم المشاكل يحتجون في الشارع العام منتقدين غياب المسؤولين، وتخلفهم عن حل أزماتهم. واستمرت سياسة عشوائية في محاربة الفساد، عبر جر بعض كبار المنتخبين دفعة واحدة للمحاكمة، تشبه أحيانا حملات تطهير، لأن أغلب المتابعين أشير إليهم بأنهم خرقوا القانون على مدى عقود ولا أحد نهرهم، أو نصحهم، أو وجه إليهم إنذارا، بل وصل البعض إلى القول إن إدانة المشتبه في تورطهم في الفساد من قبل محاكم، وحبسهم أمر غير كاف، لأنهم راكموا أموالا كان من اللازم استرجاعها وإعادتها إلى الخزينة العامة. وتتطلب محاربة الفساد، شعبا جديدا يرفض كل المساومات ولا يقبل الابتزاز، ما يعني تربية كل فئات المجتمع على تطبيق القانون. أحمد الأرقام

اجتثاث الفساد يتطلب عقليات جديدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنسليمان... حارس المرمى والوطن

نحن في سراح مؤقت

مقالات ذات صلة