قرارات ملك استثنائي : التناوب التوافقي لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية

ما معنى تكوين حكومة أقلية يضمن لها الملك الاستقرار والتصويت على قانون الميزانية العامة؟ ما علاقة دخول المعارضة الاتحادية إلى الحكومة، بعد أربعين سنة من الشد والجدب بإنقاذ المغرب من السكتة القلبية؟ عندما استقبل الملك الراحل الحسن الثاني، عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في القصر الملكي، ليعينه وزيرا أول، قال لأبنائه ومن ضمنهم ولي العهد حينها الأمير سيدي محمد وارث العرش، «أقدم لكم الرجل الذي كان يسعى لاغتيالي لأعينه وزيرا أول». عبارة مازحة، لكنها تحمل دلالات عميقة، أي أن التناوب التوافقي هو مصالحة تاريخية بين المغاربة.فمنذ دستور 1992 والملك الراحل الحسن الثاني، يسعى لتناوب توافقي تتولى بموجبه المعارضة الحكومة. لكن القصر رفض شروطها، خصوصا في تولي حقائب الداخلية والخارجية والعدل والأوقاف.لقد انطلقت فكرة التناوب التوافقي مع الملك الحسن الثاني، في 1992، ملازمة لنقاش عام عرفته البلاد حول الإصلاحات السياسية والديمقراطية ممثلة في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتدشين مرحلة الانفراج السياسي، وتوسيع نطاق الحريات العامة، وإشراك أطراف المعارضة السياسية التقليدية في تدبير الشأن السياسي للبلاد، إضافة إلى إجراء تعديل دستوري.وامتد النقاش حول الاصطلاحات السياسية والديمقراطية، من بداية التسعينات إلى حين الوصول إلى فكرة التناوب، من خلال تعيين الملك الحسن الثاني، عبد الرحمان اليوسفي، وزيرا أول في 14 مارس 1998، وهو شخصية سياسية خبرت العمل الوطني قبل الاستقلال، وساهم مساهمة كبيرة إلى جانب شخصيات وطنية أخرى في إرساء أسس العمل الحزبي والسياسي، بداية من عمله في إطار حزب الاستقلال، إلى أن تقلد الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كحزب معارض، خلفا للراحل عبد الرحيم بوعبيد، إضافة إلى مساهمته النوعية في إشاعة وخدمة حقوق الإنسان من خلال عضويته أو قيادته للعديد من المنظمات الحقوقية العربية والأجنبية.وتجيب فكرة التناوب التوافقي على مطالب سياسية واجتماعية ملحة وآنية، إضافة إلى ضرورة تمثيل الحساسيات السياسية والحزبية في العمل السياسي الحكومي، وغير الحكومي، بما يتلازم مع ذلك من طموح لتجديد وإغناء الحقل السياسي المغربي، وخلق جو جديد من الثقة بين الأحزاب، يسمح بإنجاح الانتقال الديمقراطي.وقال الملك الحسن الثاني بمناسبة تعيين فريق حكومة التناوب الجديد»سيظل هذا اليوم أي (14مارس 1998) في ذاكرة المغرب الجديد، يوما تاريخيا للتناوب الذي طالما بحثنا عنه، وسهرنا على إيجاده، وبلورناه أيضا في المدة الأخيرة في خطاب العرش، وها نحن اليوم، كما ترون، كيف قدمنا جماعة وأفرادا، فكرة ناجحة عن تدبير شؤون الدولة».يقول المفكر عبد الإله بلقزيز بخصوص التناوب التوافقي «لقد جرى التمهيد لذلك بإشاعة مناخ سياسي يوفر القدر الضروري من الثقة التي افتقرت إليها الحياة السياسية الوطنية طويلاً منذ إعفاء حكومة الراحل الكبير عبدالله إبراهيم من مسؤولياتها في العام 1960. محطات خمس ترجمت ذلك المناخ، منذ نهايات عقد الثمانينات وحتى خريف العام 1996: الإفراج عن معتقلي اليسار، تخفيف المحظور النيابي وإجازة مناقشات "ملتمس الرقابة" على الحكومة في البرلمان، التجاوب النسبي مع المذكرة الدستورية المرفوعة إلى الملك من زعيمي المعارضة عبدالرحيم بوعبيد وامحمد بوستة من خلال التعديلات الدستورية، العرض الملكي المتعلق بتشكيل حكومة أقلية من "الكتلة الديمقراطية" في العام 1994 والضمان الملكي لغالبيتها النيابية، ثم التعديلات الدستورية في العام 1996 وتصويت المعارضة لأول مرة في تاريخها لمصلحتها. وهي في جملتها وفرت المقدمات التأسيسية لتلك الصفقة السياسية التي قضت في مطافها الأخير بتشكيل حكومة التناوب الأولى".قيل في حينها، بلسان السلطة وقوى "الكتلة الديمقراطية"، إن "التناوب التوافقي" هو المدخل الضروري إلى إنجاز عملية انتقال ديمقراطي هادئ على مقتضى التفاهم والتراضي بين القوتين الرئيسيتين في الحقل السياسي: المؤسسة الملكية والحركة الوطنية. وقصد بالتوافقي أمران اثنان: أولهما أنه تناوب غير مكتمل النصاب التشريعي بسبب افتقار "الكتلة الديمقراطية" إلى الأكثرية النيابية (حيث لم تحصل الكتلة إلا على ثلث مقاعد مجلس النواب) وحاجته بالتالي إلى نوع من التوافق يقع به استيلاد حكومة بقيادة اليسار. وثانيهما أنه ثمرة تفاهم وتوافق سياسي بين الملك والكتلة أنتجته ضرورات سياسية داخلية ودولية وأنضجت إجراءات بناء الثقة القسم الأعظم من شروطه. وكان يمكن تبرير الإجماع على فكرة التوافق لذينك السببين وابتلاع أي تحفظ حوله، خصوصاً أن البديل الوحيد له المعروض موضوعياً هو تشكيل حكومة من الأكثرية النيابية القائمة لن تكون سوى طبعة جديدة لسابقاتها. لقد كان التناوب التوافقي بحق مشروعا لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية. إعداد: عبدالله الكوزي

قرارات ملك استثنائي : التناوب التوافقي لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نقابيون يحذرون من مشروع إصلاح التقاعد

من الملاعب إلى كراسي المسؤولية : المتوكل بطلة أولمبية ارتقت مناصب عليا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات