قرارات ملك استثنائي : قبول الاستفتاء حول الصحراء سيف ذو حدين

لقد كانت الظروف الدولية مستعصية على التطويع، ومن السهل انتقاد قرار الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص الاستفتاء حول الصحراء، والتي يمكن القول إنها كانت محسومة لفائدة المغرب منذ المسيرة الخضراء. قبول الملك الراحل الحسن الثاني الاستفتاء حول الصحراء لم يكن ليحظى بالإجماع من قبل القوى السياسية ، فقد تصدى الراحل عبد الرحيم بوعبيد، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لهذا المبدأ، معتبرا أن قضية الصحراء لا مساومة فيها، وأدى الثمن غاليا، إذ قضى مدة في السجن والباقي في إقامة إجبارية، لكن ومن فرط وطنيته خرج من السجن مباشرة، ليجوب أوربا مدافعا عن القضية الوطنية.لقد فاجأ الملك الراحل الحسن الثاني المتتبعين بخطاب نزل كالصاعقة على الكثيرين. خطاب حول الاستفتاء الذي يلزم الجميع بمن فيهم ملك المغرب.جاء الملك ومعه ولي العهد والأمير مولاي رشيد والوزير الأول أحمد عصمان ليقول للشعب إنه قرر قبول الاستفتاء حول الصحراء.قال في ذلك الخطاب "حتى لا أطيل انتظارك في الموضوع الذي سأتطرق إليه أريد أن أقول لك بادئ ذي بدء، أن موضوع هذا الخطاب هو أننا قررنا أن نجري استفتاء. وتعلمون أن الاستفتاء هو أسمى تعبير عن الإرادة الوطنية، ذلك أن الدستور ينص على أن الاستفتاء يلزم الجميع بمن فيهم ملك المغرب، فالاستفتاء هو أسمى تعبير وأسمى تفسير للإرادة الشعبية، حتى تصبح قانونا محترما. فما هو موضع هذا الاستفتاء؟ كما تعلم شعبي العزيز، فإن ملف المغرب معروض الآن على هيأة الأمم المتحدة، وذلك لتنظم هذه الهيأة الدولية الاستفتاء في أقاليمنا الصحراوية. وفكرة الاستفتاء ظلت تخامرني منذ القدم".فهل وقع الحسن الثاني في التناقض بين قبول الاستفتاء وإدارة الشأن العام في الأقاليم الصحراوية.وفي الخطاب المذكور، قال الملك الراحل الحسن الثاني، حينما رفعنا ملفنا إلى هيأة الأمم المتحدة أصبحنا نجري اتصالات مع الأمين العام للنظر في إجراء هذا الاستفتاء وما زلنا منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ننتظر العمليات الأولية لتنظيم ذلك الاستفتاء. وقد ظهر لنا جليا أن خصومنا الظاهرين وغير الظاهرين لم يؤمنوا في أي وقت من الأوقات بالاستفتاء. فحتى في الوقت الذي كانوا يطالبون به وكان المغرب يرفضه كانوا لا يؤمنون بالاستفتاء، لأن جل أولئك الخصوم كانوا أنفسهم في بلدهم لا يعيشون تحت ظل استفتاء أو مشاورة فقد كانوا كلهم مع الحزب الوحيد بحيث لا يؤمنون ولا يمارسون المشورة وأخذ الرأي والأخذ والعطاء.فتشككوا من أول وهلة في ما يخص طريقة الاستفتاء الديمقراطية والشعبية، ولا زالوا إلى حد الآن يضعون لنا العراقيل، وسارت بهم الوقاحة – لا أقول أعضاء الجمهورية المزعومة بل حلفاؤها – إلى أن طالبوا بخروج الجيش والإدارة وعشرات الآلاف من السكان المغاربة من الشمال الذين جاؤوا واستوطنوا بالصحراء. فرفضنا ذلك كله وقلنا لهيأة الأمم المتحدة وللأمين العام إذا كنا سنسحب جميعا، فسنقطع أسلاك الهاتف، ونفكك جميع وسائل المواصلات، ونردم جميع الآبار، ونأخذ معنا جمع السيارات ونسلح السكان، لأن حياة السكان الصحراويين، هي تحت أمانتنا ورعاتنا ومسؤوليتنا. فلا يجب أن نسمع فقط خصومنا وإذا بقينا دائما لا نأخذ بعين الاعتبار سوى ما قاله خصومنا دون أن ننصف الناس المرضيين مع وطنهم، سنكون حقيقة مجرمين في حق إخواننا الصحراويين.كان قبول الاستفتاء بمثابة تطبيق عملي للمثل القائل "مضطر أخاك لا بطل"، لكن الإكراه جعل من الحسن الثاني مراوغا خطيرا في الزمان والمكان، حيث أزعج الأمم المتحدة بتهديده بأن يأخذ كل ما جاء به سكان الشمال والإدارة المغربية وتسليح الصحراويين الوحدويين مقابل وجود صحراويين انفصاليين يحملون السلاح، لأن الدولة المغربية من مسؤوليتها حماية سكان الصحراء.لقد كان قبول الاستفتاء حول الصحراء سيفا ذا حدين. فمن جهة أسكت كل الألسن التي كانت تطالب بحل مشكل الصحراء بطريقة تقرير المصير، والاستفتاء نوع من أنواع تقرير المصير، لكن الجهة التي رأت في نفسها منهزمة عرقلت قضية الاستفتاء حتى أصبح مستحيلا اليوم.يمكن اعتبار مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية الذي تقدم به المغرب، هو الخلاصة التي تولدت عن مشروع الاستفتاء الذي اقتنع المنتظم الدولي بأنه أصبح مستحيلا.فبعد ثلاثين سنة من قبول الاستفتاء يمكن فهم الظروف الجيوسياسية التي حتمت على الملك الراحل الحسن الثاني قبوله، ويتبين مدى كاريزما الرجل الذي ناور في ظل مشروع خنق المغرب حتى خرج منه بمشروع هو الرابح الأول منه. إعداد: عبدالله الكوزي

قرارات ملك استثنائي : قبول الاستفتاء حول الصحراء سيف ذو حدين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دعـم مهرجـان مراكـش بـ11مليـون درهـم

من الملاعب إلى كراسي المسؤولية : بنسليمان فاز ببطولة فرنسا للشباب في القفز العلوي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات