التغطية الاجتماعية… تحديات السنوات العجاف

إكراهات تعبئة الموارد الضرورية تقتضي الإسراع بإصلاح المقاصة وتفعيل آليات الاستهداف تتواصل السنوات العجاف في وقت يحتاج فيه المغرب إلى وتيرة نمو عالية للناتج الداخلي الإجمالي، تمكن من تحقيق زيادة ملحوظة في الموارد الضريبية لتعبئة الاعتمادات المالية اللازمة لتمويل المشاريع الاجتماعية، وعلى رأسها تعميم التغطية الصحية، التي ستتطلب، حسب تقييم الحكومة، 51 مليارا سنويا، تتوزع بين 28 مليار درهم ستتم تعبئتها من مساهمات المنخرطين، في حين أن ميزانية الدولة يتعين أن تتحمل المبلغ المتبقي، أي 23 مليار درهم، ما يمثل مبلغا كبيرا وتحديا حقيقيا، بالنظر إلى وضعية المالية العمومية الحالية والوضع الاقتصادي الحالي، ويفرض مباشرة إصلاحات هيكلية لتوفير هوامش مالية، لتمويل برامج التغطية الاجتماعية. عبد الواحد كنفاوي معدل نمو لا يسعف أثرت سنتان متتاليتان من الجفاف على أداء الاقتصاد الوطني، إذ لم تتجاوز نسبة النمو 1.3 في المائة، خلال 2022، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، بعد ارتفاع بـ 8 في المائة في 2021، إثر تراجع نسبة نمو الأنشطة غير الفلاحية من 6.3 في المائة إلى 3، وتقلص القيمة المضافة الفلاحية بـ 12.9 في المائة، عوض ارتفاع بـ 19.5 في المائة خلال 2021. وتوقع بنك المغرب ألا تتجاوز نسبة النمو، خلال السنة الجارية، 2.4 في المائة، بفعل زيادة طفيفة للقيمة المضافة الفلاحية في حدود 1.6 في المائة، استنادا إلى محصول متوقع من الحبوب يصل إلى 55 مليونا و100 ألف قنطار، وتراجع نمو الأنشطة غير الفلاحية إلى 2.5 في المائة. وتوقع البنك المركزي أن يتحسن النمو، خلال السنة المقبلة، ليصل معدله إلى 3.3 في المائة، على اعتبار نمو القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 5.5 في المائة، إثر تحقيق محصول حبوب بـ 70 مليون قنطار، ونمو الأنشطة غير الفلاحية بنسبة 3.2 في المائة. ولا يتجاوز متوسط نسبة النمو، خلال أربع سنوات الأخيرة، 2 في المائة، علما أن بنك المغرب يتوقع نسبة نمو، خلال السنة الجارية، في حدود 2.4 في المائة، ما يمثل مستوى ضعيفا لا يمكن من تحقيق موارد جبائية بالقدر المطلوب لضمان الموارد المالية الضرورية لتمويل تنزيل التغطية الاجتماعية، ما يفرض البحث عن وسائل مبتكرة ومباشرة الإصلاحات الضرورية لتغيير الأوضاع. مستوى دخل ضعيف يساهم تحقيق معدلات نمو مرتفعة في توفير فرص شغل وتحسين الدخل الفردي للسكان، لكن تسجيل نسب نمو ضعيفة يؤدي، بالمقابل، إلى فقدان مناصب الشغل وارتفاع في معدلات البطالة. وأفاد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن الاقتصاد الوطني فقد، خلال الفصل الأول من السنة الجارية، ما لا يقل عن 280 ألف منصب شغل، 247 ألفا منها في القطاع الفلاحي، وغادر 196 ألف شخص سوق الشغل، ما انعكس على معدل النشاط، أي نسبة السكان النشيطين مقارنة مع العدد الإجمالي للسكان، الذي تقلص من 44.5 إلى 43.1، كما عرف معدل البطالة ارتفاعا، خلال الفترة ذاتها، لينتقل من 12.1 في المائة إلى 12.9. ويؤدي ضعف النمو وتراجع معدل التشغيل وضياع مناصب الشغل إلى التأثير على قدرة شريحة كبيرة من المواطنين على المساهمة في صناديق التغطية الاجتماعية، ما يفرض على ميزانية الدولة تكاليف باهظة تتطلب تعبئة موارد مالية وبشرية كبيرة لتنزيل ورش التغطية الاجتماعية في الآجال المحددة. وأشار والي بنك المغرب، خلال تدخله في اللقاء الدولي الذي احتضنته الصخيرات حول الحماية الاجتماعية، إلى أن المغرب يعتبر، حسب تصنيف البنك الدولي، من ضمن الشطر الأدنى للبلدان ذات الدخل المتوسط، بدخل إجمالي للفرد في حدود 3350 دولارا في السنة، ما يناهز 279 دولارا في الشهر (حوالي 2800 درهم في الشهر)، ما يعتبر دخلا ضعيفا، ويطرح على الحكومة تحديات كبرى في تنزيل ورش التغطية الاجتماعية. خصاص في العرض الصحي رغم المجهود المالي المبذول لتأهيل المنظومة الصحية، برفع ميزانية التسيير والاستثمار للوزارة إلى ما يناهز 29 مليار درهم، خلال السنة الجارية، فإن تحديات تعميم التغطية الصحية تتطلب موارد مالية وبشرية تتجاوز بكثير الغلاف المالي المخصص لوزارة الصحة، إذ أن العرض الحالي يعاني عجزا كبيرا، بالمقارنة مع المعايير المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية، التي تشير إلى أن نفقات وزارة الصحة يجب أن تمثل 9 في المائة من النفقات العامة للميزانية العامة للدولة. ورغم رفع ميزانية الوزارة، فإنها لا تمثل سوى 6.60 في المائة من النفقات الإجمالية للميزانية العامة (النفقات العادية والفوائد والعمولات المتعلقة بالدين العمومي ونفقات الاستثمار)، الأمر الذي يفرض رفع ميزانية وزارة الصحة إلى 39 مليار درهم، استنادا إلى نفقات الميزانية خلال السنة الجارية، للوصول إلى مؤشر منظمة الصحة العالمية، ما يتطلب خمس سنوات بمعدل زيادة ملياري درهم سنويا، وهي المدة التي تتجاوز بكثير الأجل الذي حددته الحكومة لتعميم التغطية الصحية. بالموازاة مع ذلك، فإن تأهيل العرض الصحي يتطلب توفير 165 طبيبا لكل 100 ألف نسمة، في حين أن العدد الإجمالي للأطباء بالقطاعين العام والخاص لا يتجاوز، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، 25 ألف طبيب، أي 71 طبيبا لكل 100 ألف نسمة، ما يمثل أقل من نصف المعدل العالمي. ويتعين للاستجابة إلى المعايير الدولية، بهذا الشأن، أن يرتفع عدد الأطباء إلى 57 ألفا و750 طبيبا وطبيبة، أي إضافة 32 ألفا و750 طبيبا للعدد الحالي، ما يتطلب أزيد من 20 سنة، بالنظر إلى عدد خريجي كليات الطب في كل سنة. في السياق ذاته، تتطلب ملاءمة العرض الصحي مع المعايير الدولية ضمان أزيد من 10 أسرة لكل ألف نسمة، في حين أن عدد الأسرة المتوفرة، حاليا، بالمستشفيات العمومية، وفق إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، لا يتجاوز 25 ألفا و385 سريرا، ما يمثل 0.72 سرير لكل ألف نسمة، أي أقل من عشر المتوسط العالمي. بلعيش: 14 مليار درهم لا تكفي اعتبر عبد المجيد بلعيش، محلل الأسواق الدوائية وخبير في اقتصاد الأدوية، في تصريح لـ"الصباح"، أن المبلغ الذي حددته الحكومة في 14 مليار درهم لتمويل ورش تعميم التغطية الصحية لن يكون كافيا، بالنظر إلى أن الحديث في السابق كان يهم توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية لتصل إلى 22 مليون نسمة، قبل أن يتقرر تعميمها على جميع السكان، ما يعني أن هناك ما لا يقل عن 26 مليون شخص سيلتحقون بالمنظومة، مع ما يعني ذلك من تكاليف إضافية، خاصة أن عددا منهم لا يستطيعون المساهمة في المنظومة، ما يعني أن الدولة هي التي ستتحمل تكاليف علاجهم. وأكد أن الحاجيات ستتضاعف بأزيد من ثلاث مرات، مع ما يفرضه ذلك من تحديات في ما يتعلق بتوفير القدرات الاستيعابية والموارد المالية والبشرية لاستيعاب ملايين المستفيدين الجدد من التغطية الصحية. وأشار، بهذا الصدد، إلى أن نفقات المغاربة على الأدوية تجاوزت، حاليا، 22 مليار درهم، ما يعني أنها سترتفع أكثر مع تعميم التغطية الصحية، إضافة إلى تكاليف العلاج والاستشفاء مع ما يعني ذلك من تكاليف إضافية لميزانية الدولة. وأكد أنه يتعين إعادة النظر في المقاربة المعتمدة، حاليا، لرفع هذه التحديات، من خلال تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة، التي توفر، حاليا، 3 ملايير درهم سنويا، إذ لو لم تكن تستهلك، فإن المبالغ التي يتحملها المواطن وأنظمة التأمين الصحي سترتفع بالمبلغ ذاته، ما يفرض تشجيع إنتاج واستعمال هذا الصنف من الأدوية. كما يتعين توفير الموارد البشرية المطلوبة لمواكبة ارتفاع الطلب على الخدمات العلاجية الناتج عن تعميم التغطية الصحية، علما أن هناك هجرة غير مسبوقة للأطباء إلى الخارج، إذ يغادر 700 طبيب سنويا المغرب، ويشمل النزيف، أيضا، الممرضين، في وقت تواجه المنظومة خصاصا كبيرا في الأطر الطبية. إصلاحات لتعبئة الموارد أكد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، خلال الندوة الصحافية التي أعقبت اجتماع مجلس البنك المركزي، أنه يتعين الإسراع في مباشرة إصلاحات المقاصة من أجل توفير الاعتمادات المالية الضرورية للمساهمة في تغطية تكاليف تعميم التغطية الصحية. واستعرض الجواهري سابقا، خلال كلمته في الملتقى الدولي حول الحماية الاجتماعية التي احتضنتها الصخيرات منذ سنة تقريبا، التحديات المطروحة أمام ورش تعميم التغطية الاجتماعية، والمتمثلة أساسا في تعبئة الموارد البشرية والمالية الضرورية وضمان الانسجام والتآزر المطلوبين لإنجاح هذا الورش المجتمعي الكبير. وأشار، في ما يتعلق بتعبئة الموارد المالية، إلى أن هناك عوامل عديدة تحد من الإمكانيات المتاحة لتوفير الاعتمادات، من أبرزها تقلص الوعاء الجبائي، وحجم القطاع غير المهيكل، والإعفاءات الضريبية، التي تمثل 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، إضافة إلى التهرب الضريبي والرشوة وغيرهما من الأسباب. وأكد أن هناك فارقا كبيرا بين الموارد الضريبية المحصلة فعليا، والإمكانيات المتاحة، مشيرا إلى دراسة أنجزها صندوق النقد الدولي تقيم هذا الفارق بحوالي 12.1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ما يناهز 160 مليار درهم سنويا، ما يمثل أكثر من ثلاث مرات الكلفة السنوية لتعميم التغطية الاجتماعية. واعتبر أن التغطية الصحية تعتبر أولوية الأولويات بعد القضية الوطنية، ما يفرض تخصيص كل الموارد البشرية والمالية واللوجستيكية الضرورية. كما يتعين تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لتحسين مستوى النمو والإمكانيات التي يتيحها ذلك على مستوى تعبئة الموارد.

التغطية الاجتماعية… تحديات السنوات العجاف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اكتشاف 44 موقعا أثريا بالرحامنة

"ثورة غضب" بمكتب الكهرباء

مقالات ذات صلة