البراءة من التزوير تهز تطوان

طال عقودا عدلية للسطو على عقار وتظلم رفع لمسؤولين من قرار قضائي استنجد ورثة بالقضاء لاستعادة عقارهم، بعد أن تم الترامي عليه من قبل قريب لهم بتواطؤ مع عدلين، إذ أنجز رسم شراء أرض وتلاعب عمدا في مساحتها. ورغم اقتناع قاضي التحقيق بتورط المتهمين بجناية التزوير في وثائق رسمية، إلا أنه خلال عرض القضية على غرفة الجنايات الابتدائية تم إسقاط المتابعة عنهم. يوسف الجوهري (تطوان) التمس دفاع أحد المتضررين من قرار جنائي في ملتمس موجه إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية "السهر على تطبيق القانون في القضية" التي كانت موضوع قرار صادر عن غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 27 شتنبر 2022، في الملف الجنائي عدد (212/2609/2021). تلاعب وتزوير تعود وقائع هذه القضية، إلى تاريخ 11 دجنبر 2019، لما تقدم عبد الإله الزكيك وإخوته بشكاية مباشرة لدى قاضي التحقيق، يعرضون فيها أن المشتكى به عمد بتاريخ 12 ماي 2013، إلى إنجاز رسم شراء من إخوته، بشأن نصيبهم في جميع القطعة الأرضية الواقعة بمزارع دار "بنقريش" بولاية تطوان، تسمى "افديدن خندق" على أساس أن مساحتها 9706 مترا مربعا، مستندين على رسم إحصاء المتروك، والذي بمقارنته مع رسم الشراء، يتبين بأن مساحة الأرض التي شملها البيع في الرسم الأول، هي 5 مراجع أي 5000 متر مربع، في حين أصبحت تلك المساحة برسم الشراء 9709 أمتار مربعة، إذ تبين أن المساحة المضافة في الرسم، والتي تتجاوز 4000 متر مربع تعود لأرض ورثوها عن والدهم. وأضاف المشتكون أن ما حصل من تزوير، إنما تم بتواطؤ واتفاق بين العدلين اللذين شهدا في رسم الشراء والمشتكى بهم، والتمسوا فتح تحقيق مع المشتكى بهم، ومتابعتهم من أجل محاولة السطو على عقارهم والتزوير في محرر رسمي طبقا للفصلين 351 و 356 من القانون الجنائي . متابعة قاضي التحقيق استمع قاضي التحقيق إلى طرفي الشكاية، وأصدر بتاريخ 19 أبريل2021 أمرا يقضي بمتابعة خمسة أشخاص بجناية "التزوير في محرر رسمي" طبقا لمقتضيات الفصول 351 و353 و354 من القانون الجنائي، وإحالتهم جميعا على غرفة الجنايات الابتدائية لمحاكمتهم طبقا للقانون . وجاء في تعليل أمر قاضي التحقيق أن العدلين، ضمنا برسم الشراء مساحة تقارب ضعف المساحة التي وردت برسم الإحصاء، وهو سلوك مؤثر لا محالة على السلامة القانونية للوثيقة المنجزة، ويكيف تصرف العدلين طبقا لصورة التزوير التي تحصل عن طريق إثبات عدلي الإشهاد لصحة وقائع يعلمان أنها غير صحيحة، وفقا للفصل 353 من القانون الجنائي، وبالنسبة لباقي المتهمين يكيف الفعل بـ"تحريف الوقائع في محرر رسمي أعد وخصص لإثباتها وفقا للفصل 354 من القانون نفسه"، وأن ما ادعي من قبل العدلين، بأن ما جاء برسم الشراء بخصوص البيان المتعلق بالمساحة، إنما اعتمد فيه على تصميم طبوغرافي، تم الإدلاء به إبان تلقي الشهادة، فهو ادعاء ليس بالملف ما يثبته، ما دام لم يتم التنصيص عليه في رسم الشراء، وأن أي تغيير يتعلق بالمساحة، لا يجب أن يكون فيها فرق كبير جدا، ولو تم الاستناد في تبرير ذلك التغيير على رسم ملحق بتصحيح المساحة، أو حتى على تصميم هندسي، بل وحتى ولو تم الاعتماد في تحديد تلك المساحة على حدود القطعة الأرضية، لا على مساحتها بالرسم موضوع التصحيح، حيث إنه إذا كانت العبرة بالحدود لا بالمساحة ،فذلك عندما لا يكون الفرق كبيرا جدا بين المساحة المبيوعة والمساحة الحقيقية. تعليل الحكم لكن بعد إحالة القضية على غرفة الجنايات الابتدائية أصدرت بتاريخ 27 شتتبر 2022 قرارا يقضي بعدم مؤاخذة المتهمين بما نسب إليهم والتصريح ببراءتهم. وبررت المحكمة في تعليلها أنه "يتعين ذكر الحدود بكل ضبط وبصفة واضحة، إما بذكر ما يدل عليها من الأشياء الطبيعية أو الحادثة، بحيث لا يمكن التردد فيها ولا يسوغ للعدول أن يقتصروا على الإشارة إلى حدود في رسوم سابقة أو قديمة ... ، وأن ما أنجزه العدلان بمناسبة تحرير الوثيقة المطعون فيها بالتزوير، والتي تندرج في إطار تلقي الشهادة الأصلية، كانت في إطار الضوابط القانونية لممارسة التوثيق العدلي، وأن ما ضمن بها تم وفق إرادة المتعاقدين، إذ أنه لا يكفي العقاب أن يكون الشخص قد غير الحقيقة في محرر، بل يجب أن يكون التغيير متعلقا بجوهر المحرر أو بشيء من البيانات التي أعد العقد لإثباتها". واعتبرت المحكمة أنه "يمكن الجزم أن الوثيقة العدلية سليمة من الناحية القانونية في حدود ما تلقاه العدلان من معلومات مباشرة من المتعاقدين"، وأن "الركن المادي والمعنوي لجريمة التزوير المنصوص عليها في الفصلين 351 و353 من القانون الجنائي غير قائم في نازلة الحال"، وبذلك، فإن التغيير الذي أحدثه المتهمون برسم الشراء بعد تصحيح المساحة لا ينهض دليلا كافيا على ارتكاب المتهمين لجريمة التزوير موضوع المتابعة، إذ أن العبرة بالحدود لا بالمساحة. تـــظـــلــــم وفي أسباب التظلم المرفوع إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أول أمس (الحميس)، أكد دفاع المتظلمين أن المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية نصت على أنه "إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة». ولما كان الأمر يتعلق بواقعة يتوقف إثباتها على حجة جارية عليها أحكام القانون المدني، فإنه كان يتعين على المحكمة الاستناد على القاعدة، بأن الأرض تعرف بالحدود لا بالمساحة، هي قاعدة لا يؤخذ بها على إطلاقها، بل هناك استثناءات، ترد عليها كما في حالة كان الفرق في المساحة شاسع، وهو الاستثناء الذي أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها. كما أن التحجج بأن الاختلاف في تقدير المرجع من حيث المساحة، تبقى مسألة تقنية وفنية، هو تعليل يخالف العرف كمصدر بديل للتشريع في غياب قاعدة قانونية واجبة التطبيق، والذي حدد مساحة المرجع الواحد ما بين 900 متر مربع وألف . كما أن الاستدلال بالمقتضيات المنظمة لخطة العدالة وكذلك المنشور الوزاري عدد 14714 لسنة 1959، الذي ينص على كيفية تأسيس الوثيقة العدلية وتحريرها في فصله الرابع الفقرة الثالثة، على أنه يتعين ذكر الحدود بكل ضبط وبصفة واضحة، فهي مقتضيات تلزم العدول بالإشارة لحدود القطعة الأرضية دون مساحتها، التي كان يتعين عليهما الإحجام عن تحديدها بالأرقام بالنظر لتثبتهما سلفا من مساحتها عرفا من خلال رسم الإحصاء، وأن الدفع من طرف العدل باستناده على تصميم طوبوغرافي ورسم تصحيح المساحة، هو دفع لا يمكن الاعتداد به بالنظر لثبوت إنجاز الوثيقتين المذكورتين في وقت لاحق لرسم الشراء . العبرة بالحدود أوضح يونس بوخبزة، محام بهيأة طنجة، إن القضية تتعلق بواقعة تطبق بشأنها حجة، تسري عليها أحكام القانون المدني المقيدة لحرية القاضي الجنائي في الإثبات، والمنصوص عليها في المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية، والمتمثلة تحديدا في قاعدة العبرة بالحدود لا بالمساحة، وهو ما أكدته، حسب قوله، محكمة النقض في العديد من قراراتها، أي عدم جواز الأخذ بها على إطلاقها في حال ما إذا كان فرق المساحة كبيرا جدا، كما هو الحال في القضية موضوع النقاش. وأضاف المحامي، أن قاضي التحقيق، خلال مرحلة البحث التمهيدي والتفصيلي، أكد على هذه النقطة القانونية، أي العبرة بالحدود لا بالمساحة، في التعليل الذي صاغه للأمر القاضي بالمتابعة والإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية، والمثير، يؤكد المحامي بوخبزة، أن غرفة الجنايات الابتدائية، أقرت بها ضمنيا لما اعتبرت بأن الاختلاف في تقدير المرجع من حيث المساحة، هي مسألة تقنية وفنية، لا يمكن احتسابها وفق العرف، وإنما من قبل تقني طبوغرافي مختص. كما تثير القضية أيضا، يضيف المحامي، مسألة قانونية أخرى تتمثل في ما إذا كان مخولا للعدلين تجاوز المقتضيات المنظمة لخطة العدالة وللمنشور الوزاري عدد 14714 لسنة 1959، الذي ينص على كيفية تأسيس الوثيقة الرسمية، بتحديد مساحة القطعة الأرضية بالأرقام وفق المصرح به شفويا أمامهما من قبل المتعاقدين ومضاعفة للمساحة الواردة بالرسوم الأصلية المحددة للمساحة، وفق المرجع كوحدة قياس عرفية، وبالرغم من تثبتهما سلفا من أن قياس المرجع يناهز مساحة تتراوح بين 900 متر مربع وألف، على أبعد تقدير. تعطيل العقوبات يحرض على ارتكاب الجريمة أبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي غضبهم على قضية الترامي على ملك الغير، والتي وصلت حسب بعضهم إلى مستوى الظاهرة منذ السنوات الأخيرة بالمغرب، مبرزين أنه مادامت هناك ثغرات قانونية وصدور أحكام مخففة تصل في مناسبات إلى البراءة، فإن هذا القضاء سيشهد تقاطر قضايا عديدة في هذا النوع من الجرائم. ولتفادي السطو على العقار، دعا معلق صاحب أي ملك عقاري أن يأخذ كل الاحتياطات، حتى لا يتعرض للاحتيال على ما يملكه، خاصة الأملاك التي لم يقتسمها الورثة في وقتها. في حين علق آخر يحمل اسم "مهيدو" بالقول "إن ظاهرة سرقة ملك الغير والاستيلاء على العقارات لا توجد إلا عندنا في المغرب"، مضيفا بنبرة غاضبة، "واش هادي بلاد لي غير كاتغبر واحد شويا على العقار ولا المملوك، كاتجي تلقا النصابة دايرين عليه ومزورين كلشي، موجدين غير إمتا يطيرو عليه! ما يمكنش هاد السيبة والتخلف لي كانشوفوه". أما الحل للقضاء على هذه الظاهرة، حسب عمر، وهو تفعيل الأصل التشريعي "كل ما بني على باطل فهو باطل"، في أي قضية ثبت وجود استيلاء على عقار الغير، إذ حسب قوله، يجب أتوماتيكيا أن يأمر القاضي بإرجاعه إلى أصحابه ويأمر للضحية بتعويض يؤديه الجناة، هذا دون العقوبة التي يستحقونها طبقا للقانون. من جهتها، أوضحت معلقة تحمل اسم هاجر، أن الاستيلاء على عقارات الغير يكون بتواطؤ أهل اختصاص، من بينهم عدول وموثقون وشبكة تتلاعب بعقارات المواطنين، والسبب في نظرها، هو تساهل في تفعيل القانون وتعطيل العقوبات. من جهة أخرى، دعا معلق آخر، إلى تفعيل القانون الصيني، باعتباره الحل الوحيد الذي يجب تطبيقه على المتورطين وكل من نهب مال الشعب، أي يشنق أمام مرأى العالم، لأن التساهل مع المتهمين لن يجدي نفعا. وبالنسبة إلى معلق اختار اسم أحمد، فالإنصاف والعدل يزيدان من ثقة المواطن بمؤسساته، والعكس صحيح، لهذا "نريد سماع صدور أحكام مشددة لإزالة الشك ولطمأنة قلوب المواطنين، كما نريد سماع زجر الفاسدين".

البراءة من التزوير تهز تطوان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفساد لا يموت

الوزاني... قائد حروب الموثقين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات