اشتغاله بالصحراء أهله لتقلد منصب المفتش العام لجهاز الدرك ظل الاشتغال إلى جانب الجنرال مصطفى الحمداوي صعبا، بالنسبة للذين جاوروه في الجهاز. وكان يتخذ قرارات جريئة ولا يتسامح مع العناصر الخاضعة لإمرته. عرف عنه تأييده لقرارات العزل الصادرة عن حسني بنسليمان القائد السابق للجهاز، وأيضا الحالي محمد حرمو. يعتبر الجنرال مصطفى الحمداوي المفتش العام للدرك الملكي، الذي توفي قبل شهرين، من الشخصيات الأمنية التي تركت بصمتها وسط هذا الجهاز. ظل عنوانا للصرامة بمختلف القيادات الجهوية التي ترأسها، وأهلته هذه الصرامة لتولي المفتش العام للدرك الملكي قبل حوالي ثماني سنوات، قادما إليها من القيادة الجهوية بسطات. ظل ابن الجرف بإقليم الرشيدية يحرص على عدم الابتسامة في وجه العناصر الخاضعة لإمرته، وكان لا يتوانى، كلما عقدت اجتماعات على مستوى عال، في الدفاع عن قراراته وأفكاره بعزل المنتسبين إلى الجهاز، إذا أوقفوا في قضايا ماسة بمؤسسة الدرك الملكي. مهمة بالصحراء منذ بداية اشتغاله كلف الجنرال الحمداوي بقيادة الدرك الملكي بالعيون، أظهر فيها كفاءة في تسيير الجهاز بهذه المدينة، وعرف عنه التنسيق مع مختلف المكونات الأمنية والقضائية بعاصمة الصحراء المغربية. «كان يحل بمطار الحسن الأول ليلا لتفقد عناصره» يقول ضابط اشتغل بالمطار، حيث كان المسؤول الدركي بالعيون يتفقد بين الفينة والأخرى هذا المنشأة الحساسة، ويوصي العناصر الخاضعة له، بحسن السلوك والتعامل الجيد مع الأجانب، معتبرا أن صورة البلد تنطلق من المطار. وأصبحت هذه العادة ملتصقة بالحمداوي، بعد تعيينه مفتشا عاما للدرك الملكي بالقيادة العليا للجهاز بالرباط، حيث ظل بمثابة المخاطب مع رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كلما استدعى الأمر ذلك، ليكون واحدا من الذين يدافعون عن وجهة نظرهم أمام السلطات القضائية. الكلمات التي كان يلقيها في لقاءاته تلك كانت تظهر للعديد من القضاة أنه يضبط المسطرة الجنائية عن ظهر قلب، ولا يجد حرجا في الرد على مختلف الهيآت القضائية والدستورية، بالنصوص والقوانين كلما تطلب الأمر ذلك، فوجد فيه الجنرال حرمو قناة التواصل مع مختلف المتدخلين في جهاز القضاء. قرارات جريئة يحكي دركي اشتغل إلى جانب الجنرال حينما كان قائدا جهويا بسطات، أنه ذات مرة اندلع نزاع في الاختصاص الترابي بين الأمن الوطني والدرك لملكي بعاصمة الشاوية، واحتدم هذا الجدل بعيدا عن دوائر القرار العليا في الجهازين بالرباط، فعمل القائد الجهوي على حجز مركبة أمنية مخالفة، وأمر بإدخالها إلى مقر القيادة الجهوية، قبل أن يتدخل مسؤولون كبار، وجرى حل الخلاف، دون أن يؤثر على صورة مسؤولي الجهازين على المستوى المركزي. ومن ضمن القرارات أيضا عدم موافقته على متابعة مجموعة من الدركيين، سبق أن قدمت المديرية العامة للأمن الوطني، تقريرا في شأن وجود شبهات تورطهم في شبكة للتهريب الدولي للمخدرات، حيث أخذ الكلمة أمام الجنرال السابق حسني بنسليمان، باللغة الفرنسية، وأكد أنه يصعب تطبيق المسطرة بموجب استنتاجات جهاز أمني آخر، مضيفا أن فتح الباب لهذا المقترح سيثير مشاكل بين الجهازين الأمنيين، على مستوى القيادات الجهوية وولايات الأمن على الصعيد الوطني، وتريثت القيادة العليا في اتخاذ قرار إحالة العناصر الخاضعة لإمرتها على القضاء، لكن بمجيء الجنرال حرمو، قام بإحالة التقارير الأمنية والخبرات التقنية المرفقة بها على الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية من أجل البحث فيها، وهو ما عرف بعد ذلك بقضية الضباط السامين للدرك، الذين أحيلوا على العدالة. معارضته عودة الدركيين للعمل سبق للجنرال حسني بنسليمان أن اقترح عودة الدركيين الحائزين على أحكام نهائية بالبراءة لصفوف الجهاز، وطلب جردا نهائيا لهذه الفئة، لرأب الصدع مع محاكم إدارية، وأثناء عقد اجتماع مع المفتش العام الحمداوي، عارض المقترح، مقدما إحصائيات مهمة عن هذه الفئة، ليؤكد لرئيسه المباشر أن فتح المجال سيتسبب في وقفات احتجاجية الجهاز في غنى عنها. عبد الحليم لعريبي