ظهرت منذ الشروع في تنزيل نصوص التطليق ودفعت إلى التدخل اصطدمت نصوص مدونة الأسرة بصخرة التفسيرات القضائية المتباينة، في سنواتها الأولى، ما أدى إلى تدخل وزراء العدل، في الفترة التي سبقت استقلال السلطة القضائية، ثم الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، لتوحيد الاجتهاد أو تقويم تفسيرات. وتعرضت نساء لظلم سوء التفسير، إذ وجدن أنفسهن أمام مساطر التطليق دون إرادتهن، وتحركت ضدهن مساطر بعد رفضهن السماح بتعدد أزواجهن، لتعاقبهن على ذلك وتواجههن بالتطليق الأوتوماتيكي، وفق تفسير قضاة لما تنص عليه المادة 43 من مدونة الأسرة، إذ أنه في حالة إلحاح الزوج على طلب الإذن بالتعدد، ورفضت الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق، فإن المحكمة تطبق تلقائيا مسطرة التطليق للشقاق. وصدرت وفق ذلك أحكام بالتطليق ضدا على رغبة الزوجة، وفق هذا النص. والغريب في الأمر أن ملفا مماثلا، تمسكت الزوجة فيه بعدم الموافقة لزوجها الذي له معها ابن، فوجدت نفسها أمام تناقضات صارخة، إذ رفضت الحضور إلى جلسة إبداء رأيها في تعدد زوجها، فوجهت لها الاستدعاء لحضور جلسة التطليق للشقاق، التي تتم تلقائيا بعد رفض التعدد، والأدهى أن الزوج عندما كان يمثل أمام قاضي التعدد، أدلى ببيانات حسابات بنكية تفيد أنه ميسور وأن بمقدوره إعالة أسرتين، لكن حين تقدم أمام قاضي التطليق أدلى بوثائق مخالفة تثبت أن دخله ضعيف. ورغم أن المشرع يشترط السبب الموضوعي للتعدد، فإن المحاكم اختلفت في تفسير السبب، كما اختلف في تفسير المرض الذي يمكن أن يسمح بالتعدد، أكثر من ذلك أن وقائع استعملت فيها معطيات شخصية تسلمها أزواج من أطباء، تفيد استئصال الرحم وغيرها من الأسرار المهنية، رغم أن المرض نفسه قد يكون ناتجا عن أعباء الأسرة التي تكبدتها المرأة ومشاكل الحياة الزوجية، إلا أنها تتحمل نتيجته لوحدها ويصبح دليلا ضدها للتعدد عليها أو تطليقها. واختلف قضاة المحكمة أيضا في الاستطاعة، إذ أن محاكم اشترطت توفير سكن مستقل للزوجة الجديدة، فيما أخرى لم تعر الأمر اهتماما، وسمحت ضمنا بالتعدد وباستعمال بيت الزوجية نفسه. وتبقى أهم نقط سجلت في التطليق القضائي، أن المدونة ورغم أنها حددت أنواعا من التطليق، وهي الشقاق والضرر أو الإخلال بعقد الزواج وعدم الإنفاق والعيب والغيبة والإيلاء والهجر، فإن التطليق للشقاق سيطر على باقي الأنواع الأخرى، ويتم اللجوء إليه تلقائيا، لضمان النتيجة، سيما أنه لا يشترط أدلة أو شهودا أو غير ذلك، مما يحتج به طرف ضد آخر، وتهدم العلاقات الزوجية بمجرد وضع المقال الافتتاحي المعنون بطلب تطليق للشقاق، إذ حتى جلسات الصلح والطريقة التي تتم بها، تزيد من الشنآن، سيما بالنظر إلى المبالغ التي كان يحكم بها لطالبة التطليق للشقاق، في إطار ما يسمى بالمتعة، قبل أن يراجع اجتهاد قضائي ذلك. المصطفى صفر