يجب وضع خطة عمل قطاعية شاملة تهم كافة الشرائح حسب السن والجنس وأماكن قيام التسول (2/2) يعد التسول ظاهرة دولية لم تسلم منها أي رقعة في العالم. فالتسول كان موجودا من قبل بزوغ الإسلام، إلى درجة أن الأب قد يقتل ولده خشية إملاق. وبعد مجيء الإسلام برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين وأشرف المرسلين، بيّن أن الإسلام يذمّ التسول ويحثّ على كسب اليد ويحبذ التصدق، لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَا يَزالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم". جعل المشرع في الوسيلة الرابعة، إذن مالك أو شاغل مسكن يمكّن من ولوجه أو ولوج أحد ملحقاته يحول دون قيام الجريمة، وهو ما يدفعنا للقول بأنه يمكن طلب الإذن قبل الولوج إلى المسكن مثلا للتسول، للتملص من العقاب الذي قد يطول المتسول. أما الوسيلة الأخيرة، المتمثلة في التسول جماعة، فهذه الحالة طالها استثناء يخوّل الإعفاء من العقوبة إذا تعلق الأمر بتجمع الزوج وزوجته أو الأب والأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما. وهي الحالات الأكثر شيوعا. وبالتالي، يمكن أنه يفهم الأمر على أنه دعوة صريحة للتسول رفقة العائلة أو مرافقة الأشخاص في وضعية عجز أو عمى لعدم التعرض لمتابعة قانونية، وبالتالي الجزاء المقابل لها. وتطرق المشرع المغربي في الفصل 330 لتيسير الأب أو الأم أو الوصي أو المقدم أو الكافل أو المشغل، وعلى العموم كل من له سلطة على طفل أو من كان يقوم برعايته التسول ولو بدون مقابل، الطفل أو اليتيم المكفول أو الطفل المهمل الخاضع للكفالة أو المتعلم الذي تقل سنه عن ثماني عشرة سنة إلى متشرد أو متشردين أو متسول أو متسولين وعاقبهم بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين. وهي الحالة التي تصدى لها المشرّع في القانون 27-14 لمكافحة الاتجار بالبشر، حيث جعل من بين الصور التي يمكن أن تتخذها هذه الجريمة، الاستغلال في التسول ووصفها بالجناية كما جاء في الفصل 448-1 من القانون الجنائي. هذا الأخير، حدّد أركانها في فعل يكون بتجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، وبواسطة وسيلة تفسد الرضى كالتهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصوص على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال . وفي الفقرة الثالثة من الفصل ذاته، حدد صور الاستغلال في إحدى عشرة صورة، جعل من بينها التسول وقيّد تحقق الاستغلال بسلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك وهو ما يتحقّق في استغلال الأقارب لذويهم في التسول، بحيث يبررون عدم قيام الجريمة بأنهم يعيلونهم ويمكنونهم من كافة احتياجاتهم اليومية. وجريمة الاتجار بالبشر تعتبر ثالث أكبر جريمة من حيث عائداتها، كما يشكّل الاستغلال في التسول ثاني أكبر صورة تتخذها هذه الجريمة بالمغرب، حيث بلغ عدد ضحاياها خلال خمس سنوات الأخيرة 101 ضحية موزعة على الشكل الآتي: 5 حالات سنة 2017 و43 حالة سنة 2018 و8 حالات سنة 2019 و7 حالات سنة 2020 و38 حالة سنة 2021. وشدد القانون الجنائي العقوبة على مرتكب جريمة التسول صورة من صور الاتجار بالبشر لتصل 10 سنوات أو 20 سنة أو 30 سنة إلى غاية السجن المؤبد، حسب خطورة الضرر الذي لحق الضحية ودرجة قرابتها مع المتاجر وصغر سنها. وتبعا لما سلف ذكره ومن وجهة نظرنا، يبقى التسول ظاهرة خطيرة، بالنظر لما تسبّبه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا. وأيضا، يمكنها أن تتمثل في صور عديدة ربما قد تشكل بعضها جنحا ضبطية، أو قد ترتقي لفعل يتسم بخطورة شديدة فتوصف بالجناية. غير أنه لا يمكن التعامل معها وفق مقاربة قانونية صرفة، بل يجب وضع خطة عمل بين قطاعية شاملة وتهم كافة الشرائح حسب السن والجنس وأماكن قيام التسول (مكان عام، مكان خاص أو فضاء رقمي) وتكون ذات محاور اجتماعية واقتصادية، من شأنها اقتراح حلول مستدامة للحيلولة دون لجوء المواطنين للتسول. وهي المبادرة التي اتخذتها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بإشراك كافة الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين، من خلال خطة عمل حماية الأطفال من الاستغلال في التسول في تجربة نموذجية شملت الرباط وسلا وتمارة متم 2019 ، والتي كانت لها نتائج ملموسة على المستوى الترابي، رغم اقتصارها على فئة الأطفال فقط. * دكتور في الحقوق