حكام الجزائر يرعون الاقتتال في لحمادة بحثا عن نسخة جديدة من "بوليساريو" بقلم: الفاضل الرقيبي أصبحت جماعة غالي والمحيطين به، من زبانيته القبلية وبعض رواد الثكنات الجزائرية ليلا، يعلمون يقينا أن أيامهم في المخيمات باتت معدودة. فمع مطلع كل يوم، يفقدون مربعا من نفوذهم وتأثيرهم على عقول الناس، فالأزمة الحاصلة على مستوى إدارة "بوليساريو" وعلاقتها المتوترة مع مكاتب الأمن العسكري في القطاع العسكري الجزائري بتندوف، جعلت منها أضحوكة ومحط سخرية بين السكان، إذ يجد معظم القادة غير المحسوبين على جماعة غالي صعوبة في إخراج سلعهم، وتعطلت معظم مصالحهم الاستثمارية في بعض دول الجوار، ولعلها خطة مدروسة من الأقوياء الجدد لأجل إضعاف خصومهم، ومحاولة تطويقهم، والحد من تحركاتهم في المخيم، خصوصا أن معظم المليشيات القبلية يتم تمويلها عن طريق تلك الأنشطة التجارية، أي تجارة المحروقات والمخدرات، مع الجماعات المسلحة بالساحل، الذي يعج بالأحداث المتسارعة مع تصاعد نفوذ جماعة التوحيد والجهاد، التي ينتمي إليها العديد من شباب المخيمات، وهو ما سهل نسج علاقات واسعة مع بعض أبناء عمومتهم من قيادات "بوليساريو". ولا تقتصر مآلات الأزمة السياسية في محيط القصر الأصفر على التضييق على خصوم غالي وسالم لبصير، بل تتعداه إلى حد إبعادهم تماما عن المشهد السياسي والاجتماعي، فخطري أدوه، الذي كان الوجه الإعلامي للحركة، طيلة سبع سنوات، اختفى تماما عن الأنظار، ومنع من الظهور على التلفزيون الجزائري، الذي كان يخصص له ساعات طويلة من أجل الترويج لوجهة نظر "بوليساريو" في ملف الصحراء، باعتباره رئيسا للوفد المفاوض لدى الأمم المتحدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عبد القادر طالب عمر، الذي طلب تأشيرة لنجله من أجل المغادرة نحو فرنسا منذ شهرين تقريبا، ولم يتلق ردا حتى اللحظة، بالإضافة إلى تسليط غالي لذبابه الإلكتروني لشن هجوم شرس عليه من خلال اتهامه بتحريض أبناء عمومته من أولاد دليم في مخيم الداخلة، لأجل الاصطدام مع الجيش الجزائري، وحرق سيارات تابعة لدرك "بوليساريو". ولم يختلف الوضع عند عبيدة الشيخ وبابية الشيعة وإبراهيم أحمد محمود بيد الله (كريكاو) الذي سحقه سالم لبصير وأعاده إلى مربع البداية، بعد أن أخرجه من القصر الأصفر وحوله من أبرز الفاعلين في الملف الأمني إلى مدير لمركز الدراسات الإستراتيجية غير الموجود أساسا. وتتوسع تبعات الأزمة السياسية إلى أبعد من ذلك، لتصل إلى حركة الأموال من وإلى الرابوني، إذ كلف غالي ابن عمه المحجوب صليحه ونجله التراد بتولي الإشراف على كل أموال "بوليساريو" داخل البنوك الجزائرية، مستبعدا نجلي القيادي محمد لمين أحمد مولاي أحمد وبومدين اللذين كانا يسيطران على هذا الملف منذ 2007، غير أن خروج والدهم من عباءة إبراهيم غالي أفقدهم هذا المنصب الحساس، فوالدهم دعم، بصفة غير مباشرة، البشير مصطفى السيد ضد غالي في المؤتمر الأخير، ما جعل زعيم "بوليساريو" يبعده عن القصر الأصفر بتعيينه رئيسا لما يسمى المجلس الاستشاري الذي لا دور له في صناعة قرار الحركة. أما مآلات هذه الأزمة السياسية التي يعيشها الرابوني، فإنها خطيرة جدا على مستقبل "بوليساريو"، المتهالك أصلا، والذي فقد جزءا كبيرا من آلته الدعائية بعد العملية الأمنية في الكركارات، وانطلاق فصل جديد في ملف الصحراء، الذي يكاد يحسم على المستوى العملي، ما دفع بعض المراقبين داخل المخيم إلى التصريح، خلال إفطارات رمضان، بأن حكام الجزائر هم من يرعون هذا الاقتتال الحاصل على أرض لحمادة، بهدف إضعاف ما تبقى من جيل التأسيس، لصالح مجموعة القيادات، التي تم إعدادها داخل المدارس العسكرية الجزائرية لإطلاق نسخة جديدة من "بوليساريو"، بقيادة جيل ولد فوق الأراضي الجزائرية ولا يعرف عن الصحراء سوى الاسم.