"ظروف التأثير" محل ظروف التخفيف وملامح ترسيم سلوكات تمس الاستقلالية «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان»، القاعدة الفقهية التي استنبطت من الحديث النبوي الصحيح، تحمل في طياتها الكثير من المعاني، كما ترفع درجات اليقظة التي ينبغي التحلي بها بالنسبة إلى القضاة، إذ في وقت مجلس القضاء ينبغي أن يكون القاضي بعيدا عن أي تأثير على أحكامه، قريبا من الملف الموضوع أمامه ومعطياته. القرار الاستئنافي الصادر الخميس الماضي، من قبل محكمة الاستئناف بالرباط في قضية طفلة تيفلت، يطرح استفهامات عريضة حول مبدأين أساسيين، وطريقة التعامل فيها، وهما الاعتقال والحرية، فلم نسمع يوما عن تسريع تعيين ملف استئنافيا لتدارك الموقف من أجل الحكم بالبراءة لشخص مدان بالحبس أو السجن، إذ الحالات التي تكررت بالبيضاء أو الرباط كلها تتعلق بتسريع تعيين ملف مستأنف من أجل مضاعفة العقوبة، أو الزيادة فيها قبل انقضاء المدة وتمكن المتهم من مغادرة أسوار السجن. فرغم أن البراءة مبوأة في أسمى قانون في البلاد، وأصبحت قرينة دستورية منذ 2011، إلا أن الظاهر أن الاعتقال سيطر أكثر عليها، لدرجة أن سجوننا أصبحت اليوم موضوع حديث حول الاكتظاظ والغلو في الاعتقال، ووزراء عدلنا المتعاقبون ورئاسة النيابة العامة، كلهم أشاروا إلى المعضلة وفكروا في الحلول البديلة دون جدوى. قضية الطفلة التي أدمت قصتها قلوب المغاربة، أظهرت أيضا أن للشارع والعالم الأزرق نصيبا في قناعات القضاة وتكوين الوجدان، بل إنه أصبح مسيطرا ومؤثرا وقاضيا يسرب مداولات الأحكام قبل النطق بها، ويطعن في ما لم يعجبه منها "طعنات" لا تتحقق حتى في محاكم القانون الأعلى درجة، بل إن تأثيرهما أي الشارع والعالم الأزرق ويوتوب، أضحى أهم من مذكرات الدفاع ومرافعات رجالاته، وحتى من دفوع الشكل أو الموضوع، وهو ما ينذر بالخطر وينبه إلى مغبة السيطرة القبلية على الملفات وحقوق الناس أمام مجالس القضاء. اليوم، وبالسرعة التي تحققت في الملف، والنتيجة المضاعفة عشر مرات، أشر الحكم على ترسيم "القوة الفاعلة" لحملات المواقع الاجتماعية، والتي ستصبح لا محالة ملاذا للمظلومين والظالمين على السواء، سيما أن استعمالها بالتأثير على أفراد المجتمع واستقطابه للمساندة و»الجمجمة» والمشاركة وغيرها من مصطلحات رفع نسب المشاهدة، أصبح ذا جدوى ومفعولا قويين وسريعين. الحكم الاستئنافي ثمنته جمعيات المجتمع المدني، سيما المدافعة عن حقوق الطفل، ما يعني أنه ترجم ما تنشده من مطالب عدم الإفلات من العقاب والتشدد في مواجهة هذا النوع من الجرائم، فلن يختلف اثنان حول ذلك، لكن طريقة معالجة الملف والسرعة والعقوبة المضاعفة عشر مرات والطعن في "ظروف التخفيف" واعتبارها "إثما"، رغم أنها جزء من القانون، وجميع التشريعات تنص عليها كما تنص في الآن نفسه على نقيضها، أو ظروف التشديد، تثير الخوف اليوم على القضاء من "ظروف التأثير" وترسيم سلوكات غير صحية تمس الاستقلالية. المصطفى صفر