اعتماد الرقمنة ومكاتب أمامية للقطع مع "السماسرة" وتسريع الإجراءات لصالح المرتفقين "اعمل بهدوء ودع نجاحك يتحدث عنك"...حكمة يمكن استعارتها لوصف المجهودات المبذولة بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية، التي شهدت إصلاحات جوهرية وتغييرات جذرية بفضاء العدالة، سعيا إلى تجويد خدمات القضاء، وهو ما وقفت عليه "الصباح" خلال زيارتها الميدانية. إنجاز : محمد بها / تصوير (عبد اللطيف مفيق) لا بد لزائر ابتدائية المحمدية، أن يثير انتباهه وجود تدابير تنظيمية محكمة لتيسير ولوج المواطنين إلى المرفق القضائي، بعد أن شرع رئيس المحكمة في تنزيل مشروعه الخاص لإعادة هيكلة المحكمة الابتدائية، على مستوى الرقمنة واللوجيستيك، من جدران ومكاتب وقاعة جلسات وحديقة وتزيين المحيط الخارجي للمرفق القضائي، حتى تكون المحكمة في حلة جديدة وفي ظروف مواتية للموظفين والمرتفقين. المكاتب الأمامية...محاكم مصغرة في إطار محاربة سماسرة المحاكم والفضوليين وتحقيق الأمن القضائي وتخليق الحياة العامة في المرفق القضائي، اهتدى خالد خلقي رئيس المحكمة الابتدائية بالمحمدية، إلى إنشاء مكاتب أمامية أو ما يصطلح عليها ب"مكاتب الواجهة"، التي هي اختزال للمحكمة إلكترونيا في مكتب واحد يقسم إلى عدة شبابيك. وتعنى هذه المكاتب باستقبال وتوجيه المتقاضين والمرتفقين وتقديم معلومات عن الملف في إبانه، وإحصاء الزوار وإعداد قاعدة بيانات من هؤلاء المرتفقين حتى يتسنى استغلالها في التطهير والقضاء على الفضوليين والسماسرة. ومن الخدمات التي تقدمها المكاتب الأمامية، الخدمة عبر الشبكة العنكبوتية، كما قسمت هذه المكاتب الأمامية إلى عدة شبابيك، خصص شباك منها للسجل العدلي وآخر للسجل التجاري وثالث لتقديم المقالات الافتتاحية للدعوى، وشباك خاص بالنيابة العامة لتتبع مآل الشكايات والمحاضر وشباك خاص كمكتب للضبط. ومن أجل تسريع وتيرة قضاء مصالح المحامين والمرتفقين، تم تخصيص أربعة شبابيك لإيداع الرسوم القضائية، اثنان خاصان بالمحامين وآخران خاصان بالعموم. ومن مميزات المكاتب الأمامية التي اعتمدتها المحكمة الابتدائية بالمحمدية، فتح الملفات إلكترونيا، إذ تقدم المقالات بعد استخلاصها وتستخرج عبر النظام المعلوماتي الآلي، بل إن الاستدعاء يخرج آليا ويتم تعيين المقرر. الرقمنة لتبسيط المساطر شهدت المحكمة الابتدائية بالمحمدية، تطوير ورش الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، بعد أن تم تخصيص فضاء للانتظار خاص بالمرتفقين، واعتماد نداء آلي لضبط وتنظيم المناداة على المرتفقين لتجنب الفوضى التي يمكن أن تنشأ عن أشخاص لا يحترمون الصفوف. ويكفي الضغط على زر السجل العدلي أو السجل التجاري أو النيابة العامة أو الصندوق أو مكتب الضبط، حتى يتسلم المرتفق ورقة بها رقمه الخاص ويجلس في مكانه، في انتظار المناداة عليه آليا. ومن بين الخدمات عن بعد التي تم اعتمادها، الموقع الإلكتروني الخاص بابتدائية المحمدية، الذي يتميز بأنه سريع التصفح والانسياب في الحصول على المعلومات والارتباط بموقع "غوغل" وهو ما يجعل المرتفق في غنى عن القدوم مرة أخرى إلى المحكمة، في حين أن ما تبقى من المكاتب الخلفية خصص لبعض الأمور الدقيقة جدا، إذ تهدف الخدمات الإلكترونية إلى تيسير ظروف الخدمات وتجويدها وتسريع الإجراءات، بما يخدم مصالح المرتفقين. ومواصلة لورش تحديث الخدمات بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية، حرص رئيسها على إدخال التكنولوجيا الحديثة، عبر اعتماد الرسائل الإلكترونية في جميع التوجيهات والكتب المصلحية والرئاسية، لتصفية الملفات العالقة وتحقيق النجاعة القضائية. قرارات مهمة من بين الإجراءات التي قرر خالد خلقي، رئيس المحكمة الابتدائية بالمحمدية، تنزيلها، إعادة جدول جلسات يراعي ضبط نظامها، من حيث الشُعب والتوقيت وضخ دماء جديدة في بعض الشعب من أجل تحقيق النجاعة القضائية. وتقرر أيضا التسريع في البت في جميع القضايا المزمنة، وهو ما أدى إلى ظهور نتائج إيجابية ملموسة على أرض الواقع، فضلا عن إعادة فرض الانضباط في بعض الشعب التي كانت تعرف ارتباكا وعدة صعوبات، من قبيل شعبة التحقيق والأحداث. أما في يخص نواب رئيس المحكمة، فقد تم تفعيل تعيينات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بتعيين قاض وقاضيتين للقيام بهذه المهام، وهو ما يتلاءم ومقاربة النوع. وتقررت إعادة هيكلة كتابة الضبط وفق مقاربة تشاركية ومعقلنة وحديثة، إذ حينما يتم الحديث عن الأجل المعقول للبت في القضايا، نجح جهاز كتابة الضبط في تنفيذ أوامر رؤساء الغرف في حينها، والسهر على تتبع تنفيذ الأوامر القضائية من أجل البت في قضية معينة وفق وقت وجيز وتسليم نسخة من القرار إلى المستفيد من الحكم أو المتقاضين داخل أجل معقول. وتم اعتماد تنسيق وثيق بين رئاسة المحكمة ووكيلة الملك، وهو التعاون الذي يهدف إلى تنزيل برنامج تحسين وتطوير النجاعة القضائية لخدمة المتقاضين والمرتفقين، تفعيلا لشعار "القضاء في خدمة المواطن" الذي يصادفه الزائر بعد تجاوز المكاتب الأمامية. تغييرات جذرية بادرت المحكمة الابتدائية بالمحمدية إلى تقوية شعبة الأوامر المختلفة وشعبة الاستعجالي وتذييل الأحكام الأجنبية القاضية بالطلاق بالصيغة التنفيذية، فضلا عن إعادة تنظيم قسم التنفيذي المدني الجبري وتنزيل جميع تطبيقاته التنفيذية من تبليغ وتنفيذ وبيع بالمزاد العلني، مرورا بشعب الجنحي العادي والتلبسي وجنح السير وحوادث السير وشعب الأحداث والتحقيق. ومن التغييرات المهمة التي شهدتها ابتدائية المحمدية، إعطاء أهمية لقضاء الأسرة عن طريق هيكلة قسم قضاء الأسرة وفق ضوابط تعرفها جميع محاكم المملكة، كما تم الإقرار بالتنزيل الأمثل لوحدة التبليغ والتحصيل. حصيلة مشرفة بالاطلاع على النشاط العام للمحكمة الابتدائية بالمحمدية لـ2022، يتضح أن هناك نجاعة قضائية مهمة تصل إلى 106 في المائة بالنسبة إلى مجموع القضايا المدنية فيم يخص المحكوم من المسجل، و101 في المائة بخصوص مجموع القضايا الجنحية في ما يهم المحكوم من المسجل، و102 في المائة بالنسبة إلى قضايا الأسرة بالنسبة إلى المحكوم من الرائج. واستطاعت المحكمة الابتدائية تحطيم رقم قياسي، حيث تم تسجيل 84 ألفا و876 قضية، وحكم منها 83 ألفا و44. تنظيم محكم يكفي زائر المحكمة الابتدائية للمحمدية التنقل بين فضاءاتها حتى يقف بنفسه على التنظيم المحكم، الذي يميز سير جلساتها، وكذا الهدوء الذي يطبع أروقتها، إذ يحرص الموظفون والعاملون على تقديم شروحات ومساعدات لكل مرتفق مرتبك، أو يسأل عن توقيت انطلاق جلسة ما، وهو ما يؤكد أن المحكمة تحرص على التطبيق السليم للخدمة الإدارية وجودتها، على مدار الأسبوع. وصفة النجاح زائر المحكمة الابتدائية بالمحمدية وسابر أغوارها من المختصين في القانون وأهل الميدان القضائي والحقوقي، لا بد أن يتساءل عن العوامل التي ساهمت في هذه التغييرات الجذرية التي عرفها فضاء العدالة بمدينة الزهور، وهو ما استسقت بشأنه "الصباح"، عددا من المتدخلين، حيث تبين أن الوصفة التي اعتمدها خالد خلقي رئيس المحكمة الابتدائية للمحمدية، تتجلى في التركيز على العنصر البشري من قضاة وكتاب ضبط ومحامين وموظفين ومفوضين قضائيين وغيرهم، لتشكيل فريق عمل يدخل به مغامرة الإصلاح. وعكس النظرة التقليدية المترسخة في أذهان المرتفقين أن المسؤول القضائي يعتكف في برجه العاجي، مكتفيا بإصدار الأوامر لمباشرة المهام اليومية، فإن الواقع يكشف عكس ذلك، بعد أن حرص رئيس المحكمة الابتدائية للمحمدية على الاشتغال من الميدان لإرشاد وتأطير وتوجيه القضاة والموظفين وعاملات النظافة وحراس الأمن والأمن الخاص والإنصات لهمومهم ومعاناتهم وأخذ رأيهم في المعيقات التي تحد من جودة الأداء، وفي الوقت نفسه تبني الصرامة والتتبع الدقيق، بالقيام بجولات يومية بأروقة المرفق القضائي لمعاينة مدى الالتزام بكافة الإجراءات الإدارية، وتتبع السير العادي داخل المحكمة، والتأكد من خدمة المرتفقين على أكمل وجه. محاربة "السماسرة" عاينت "الصباح" كيف تمكنت المحكمة الابتدائية بالمحمدية من تنقية الجلسات ومحاربة "السماسرة" والفضوليين، الذين كانوا يتربصون بالمتقاضين والمرتفقين، عن طريق الإجراءات التنظيمية المحكمة للراغبين في ولوج فضاء العدالة وكذا المساطر والإجراءات المبسطة، وهو ما أدى إلى قطع الطريق على "تجار الأزمات" وتضييق الخناق والمنافذ عليهم. وشهدت المحكمة الابتدائية بالمحمدية تضييقا على "سماسرة" المحاكم الذين كانوا يدخلون المحكمة في ثوب مرتفقين يرغبون في متابعة الجلسات العمومية، أو الذين كانوا يتخذون من المقاهي المجاورة مقرا لهم، لاصطياد الضحايا من المتقاضين المغلوبين على أمرهم. وفي إطار المحافظة على علنية الجلسات، تم السماح لأقرباء المتقاضين وجيرانهم ولكل من يلتزم بالضوابط القانونية بمتابعة، جلسة المحاكمة، لكن مع الحرص على حماية المرفق العمومي من كل دخيل و"سمسار" يريد تلطيخ سمعة القضاء والعدالة والموظفين والقضاة. فضاء للتوعية تحولت المحكمة الابتدائية بالمحمدية من فضاء للرهبة والزجر، إلى رحاب للعلم والتثقيف والتفاعل مع قضايا المجتمع، عن طريق تنظيم مجموعة من الأنشطة الموازية، من بينها ندوات قانونية حول المواضيع التي تهم المواطنين. وترسيخا لثقافة الاعتراف، تم الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة الذي تم فيه تكريم وكيلة جلالة الملك بالمحكمة ذاتها، والقاضيات والمحاميات والموظفات وعاملات النظافة. وليس هذا فحسب، إذ كانت المحكمة الابتدائية بالمحمدية، على موعد مع تكريم ثلاثة قضاة من الدرجة الاستثنائية، ترسيخا منها لثقافة الاعتراف وتشجيعا للمكرمين لإكمال مسيرة أداء رسالتهم النبيلة كما عُرف عنهم، بعد أن حظي بالتكريم كل من المصطفى رزقي، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومحمد العلام، مستشار بمحكمة النقض، ومحمد خضروب، قاض بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم، اعترافا بما أسدوه من خدمات جليلة في سبيل تحقيق العدالة وخدمة المواطنين.