رسائل إلى بن طريف البرغواطي 12 استبق تأهيل ابنه للملك في شبابه لمواجهة القادم في كتابه "سبع رسائل إلى صالح بن طريف" يحاول الباحث والأديب شعيب حليفي إعادة كتابة تاريخ أربعة قرون ضائعة من التاريخ الرسمي المغربي، والتي تُعرف بإمارة برغواطة، ببلاد تامسنا، بمثابة رواية أخرى لما جرى انطلاقا من العودة إلى كل المصادر المعلومة. الكتاب محاولة لإعادة تركيب تاريخ في حكاية متحررة من حقائق "زائفة" بقيت طويلا، باعتبارها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية، أو عن أي سلطة خارجية.في هذه الحلقات نسافر مع صاحب "مساءات الشوق" في متنه التاريخي والأدبي، وهو يخاطب شخصية تاريخية لفها الغموض وكثرت حولها الأقاويل. إعداد: عزيز المجدوب اسمعْ يا صالح.. لعلّك تتذكر ما يغفل عنه هذا الحكي: صالح بن طريف المصمودي المزداد حوالي سنة 708 والمختفي ابتداء من سنة 788م في غيبة إرادية ذات بُعد سياسي وثقافي، اجتمع أهل تامسنا "وأقروا بفضله واعترفوا بولايته فقدموه على أنفسهم وصدروا عن رأسه في جميع أمورهم ووقفوا عند أمره ونهيه"(الأنيس المطرب- 130). وهو عالم وحاكم ذو حنكة سياسية وحكمة ومعرفة جعلته يؤسس لإمارة في لحظة تاريخية صعبة ومعقدة حتى سُمي بصالح المؤمنين، وكان مُدركا لأهمية العلم فنشره وترجم القرآن بلسان قومه وبسط معانيه للعامة في تامسنا وشرع الشرائع، وترك التقاليد قائمة ما لم تتعارض مع نص مكتوب، ولعله استطاع أن يفهم شرط اللحظة والمجتمع والحاجة إلى صوغ مذهب فقهي متكامل يتصل بتقاليد وعادات الأمازيغ، ويعمل على دمج ما كان متحركا وملائما من مبادئ الخوارج الصفرية، وما راكمته القدرية والواصلية من تعاليم، بالإضافة إلى مذاهب الشيعة الإمامية، وتأملات الزهاد والنساك والصوفية(موقف الخلافة العباسية)، فكان إسلاما مغربيا لا يحيد عن المبادئ، ولا ينكمش في عصبية، وإنما هو إبداع مغربي حي، ثوري ومتفاعل. حَكمَ صالح بن طريف قرابة خمسة عقود (47 سنة) في بلاد تامسنا، التي كان أغلبها من المصامدة وما تبقى من قبائل أمازيغية متنوعة عاشت في أمن ورغد، لتكون تامسنا من البأس والقوة ما جعلها في مأمن من الحروب والفتن. انتبه إلى ذكاء إلياس، ابنه من بين كل أبنائه، فهيأه للحكم وجعله قريبا منه، ولما رأى نضجه وقدرته أوصاه وأعلن أنه خرج إلى الشرق الذي كان ملتهبا بالصراعات، فأذاع المريدون والأصحاب أنه سيعود مع الملك السابع من ملوكهم لينشر العدل، وتلك إشارة رمزية من معارف عصره التي كانت تملأ الوجدان ضد اليأس والخوف والاستسلام، ولعل بصيرة صالح بن طريف وعلاقاته المشرقية التي كان يحتفظ بها أطلعته على ما يجري وما يُتوقع، فاختار استباق تأهيل ابنه للمُلك في شبابه لمواجهة القادم، ولعله أيضا رحل لرسم ترتيباتٍ من هناك أو اختيار الخلوة مع ذكريات تركها قبل أزيد من ستة عقود حينما كان بالعراق. لماذا قال إسماعيل بن الأحمر الغرناطي، المستقرُّ بفاس مع والده في كنف السلطان أبي الحسن المريني، بأن وفاتكَ وقبرك بغابة غيقة بتادلا؟ من أين جاء بهذا الخبر وهو في القرن الرابع عشر الميلادي؟ (بيوتات فاس: ص27).