ضحاياه مثقفون وأمنيون وعقوبات مخففة تزيد من تنامي الظاهرة الجميع يمكن أن يقع ضحية النصب بالسماوي، فخلال الاطلاع على ملفات بعض القضايا، يشعر المرء بالحيرة، إذ من بين الضحايا مثقفون يخوضون معارك فكرية لتنوير المجتمع، وضباط شرطة قضائية، وقعوا ضحية "سحر" وسهلوا مأمورية متهم بالمغادرة من الباب الواسع. اختلف مهتمون في ما يتعرض له الضحايا، منهم من يرى أنه تمارس عليهم طقوس من السحر، وهو مذكور في القرآن لا يمكن إنكاره، في حين يرى آخرون أن محترفي هذا النوع من النصب متخصصون في التنويم المغناطيسي، ما يحول الضحية إلى دمية يمكن التحكم فيها. الملاحظ أنه رغم خطورة النصب بالسماوي، إلا أن العقوبة المنصوص عليها في القانون تبقى مخففة، رغم الأضرار المادية والنفسية الخطيرة التي يتعرض لها الضحايا، وتصل إلى حد فقدانهم ممتلكاتهم بجرة قلم. م. ل سقوط مثقفين في الفخ أديبة وموثقة ضمن الضحايا والمتهمون يسلبون العقول جرائم النصب والاحتيال التي ترتكب بالطريقة المعروفة باللسان العامي "السماوي"، لم يصطد فيها الضحايا البسطاء من ذوي المستويات التعليمية الدنيا أو الأميين منهم، بل على العكس من ذلك، فإن السوابق المسجلة في خانة هذه الجرائم، أظهرت وقوع ذوي مستويات تعليمية عليا في شرك هذه العينة من النصابين. فالمشتبه فيهم يعمدون إلى أساليب خادعة تشل عقل الشخص المستهدف وتجعله خاضعا للأوامر التي تطلب منه، إذ لا يستفيق من غفوته، إلا بعد فوات الأوان... أغلب الأهداف التي تشكل ضحايا لمحترفي هذا النوع من النصب، هم النساء، بدءا من العاملات إلى المثقفات من ذوات المستويات العليا، إذ سبق لأديبة معروفة، كانت تشغل مهمة مديرة لإحدى أكبر الثانويات بالبيضاء، أن سقطت ضحية لعصابة «السماوي»، فرغم الثقافة وما راكمته من علوم، وجدت نفسها منصاعة لمتهمين اعترضا سبيلها صدفة وجلباها ببضع كلمات إلى أن استوقفت فكان لهما ما أرادا. الغريب في الأمر أن الأديبة بعد أن ولجت منزلها وأخرجت لهما بضعة أموال، عاودا إرجاع المال لها معتبرين نفسيهما أنهما يطهرانها، ومحذرين الضحية من ما ستؤول إليه وضعيتها إن هي لم تفعل ما سيطلبانه منها، واستمرا في سلب عقلها إلى أن رافقتهما إلى البنك وسحبت مبلغا ماليا مهما، ثم مدته إليهما بعد أن ظلا يترصدان خطواتها وينتظرانها بعيدا عن الوكالة البنكية، قبل أن يختفيا عن الأنظار مباشرة بعد تسلمهما المبلغ، عندها فقط أفاقت من غفوتها وأدركت أنها كانت ضحية نصب، لتقرر وضع شكاية في الموضوع. ويسقط المشتبه في تعاطيهم الاحتيال بـ"السماوي»، الموظفات والعاملات على السواء، كما يعمدون في بعض الأحيان إلى توزيع الأدوار وجمع معلومات عن المستهدفة واستغلال تلك المعلومات في الإيقاع بها، نظير ما وقع لموثقة، إذ أنها سقطت في حبال نصب بالملايير، شارك فيه رجل يتحدر من تونس، وامرأة من السودان، تقمصت دور المعالجة الروحانية. ومع مرور الوقت أصبحت الموثقة دمية في يد المرأة السودانية، إذ أخبرتها بكل تفاصيل حياتها الخاصة، وأنبأتها بأنها حامل، وأن حملها سيتعرض لمكروه، وغيرها من التهديدات المبطنة التي جعلت الموثقة تنساق إلى مطالب المرأة مجبرة، وتضع يدها في ودائع الزبناء، لتسقط في المحظور، إذ لم تدرك أنها كانت مغفلة إلا بعد أن وجدت نفسها أمام عناصر الشرطة القضائية، مساءلة عن أموال الودائع. المصطفى صفر "الطلاميس" ضد أمنيين بالرباط أفراد البحث أخلوا سبيل المتهم وبعدها طلبوا تحرير مذكرة بحث وتجار ذهب احتجوا عليهم بين الفينة والأخرى تهتز مدن على وقع جرائم نصب واحتيال، يزعم ضحاياها ممارسة طقوس الشعوذة عليهم من قبل محترفين في التنبؤ بعلم الغيب واحتراف التكهن، فيجدون في نهاية المطاف أنفسهم تحت تأثير فن للخطابة يتقنه هؤلاء من أجل سلب البسطاء حليهم ومجوهراتهم. لكن من القصص المثيرة تأثير نصاب محترف على أمنيين بالشرطة القضائية بالرباط، بعدما أخلوا سبيله قبل ثلاث سنوات ونصف في ظروف غامضة، وبعد مغادرته مقر البناية الأمنية فطن المحققون للأمر، وطلب أفراد البحث ذاتهم من النيابة العامة التأشير لهم على إعادة تحرير مذكرة بحث في حقه بجنحة محاولة النصب، بعد احتجاج تجار للمجوهرات بالمدينة العتيقة. وفي تفاصيل القصة المثيرة، حضر المشعوذ من فكيك إلى سوق «السباط» بالمدينة العتيقة للعاصمة الإدارية للمملكة، وبحوزته كيلوغرامان من المجوهرات المختلفة بدون وصولات، وبعدها فطن تجار الحلي إلى تجريب طقوس السحر قصد النصب عليهم، فحاصروه بالسوق، وحضر عميد شرطة كان يقوم بحملة أمنية، فتسلم الظنين من الغاضبين، لينجز له محضرا للإيقاف والحجز، وأحاله على الفرقة الحضرية للشرطة القضائية بحي المحيط، قصد استكمال الأبحاث التمهيدية معه، لكن بعد وصول الموقوف إلى مقر التحقيق، اشتبه في ممارسته طقوسا على المحققين داخل مكاتبهم، حسب ما تدوول على نطاق واسع بالمنطقة الأمنية الأولى، إذ أخلوا سبيله في ظروف غامضة، بعدما أكد لهم أن المجوهرات المحجوزة تعود إلى زوجته، ما أثار سخطا وسط تجار الحلي الذين تقدموا بشكاية إلى المديرية العامة للأمن الوطني يطالبونها فيها بالتحقيق في النازلة للكشف عن ظروف وملابسات إطلاق سراح المشعوذ الذي له سوابق في مجال السطو على المجوهرات في ظروف غامضة عن طريق تقنية «السماوي»، بعدما أكد لهم مفتش شرطة، حسب قولهم، بأن رجال التحقيق لم يسلموا بدورهم من حيل النصاب، فأخلوا سبيله. واحتج الغاضبون على قائد الحملة الأمنية الذي تسلم منهم الظنين، لكنه أبعد عنه المسؤولية، بعدما استقبلهم وأكد لهم أنه قام بالإجراءات القانونية، وأحال الموقوف على مصلحة أمنية أخرى لاستكمال الأبحاث التمهيدية معه، مشددا على أنه لا يتحمل مسؤولية إخلاء سبيله، واضطرت فرقة الشرطة القضائية إلى توجيه طلب للنيابة العامة من أجل تحرير مذكرة بحث في حقه، بعدما اختفى عن الأنظار ولم يظهر له أثر، بعدما أغلق رقم هاتفه المحمول، واضعا مجموعة من الأمنيين في موقف محرج . وتبين أن المبحوث عنه لا يتوفر على وصولات المجوهرات المحجوزة، وأوهم الأمنيين أنها في ملكية زوجته، فربط ضابط الاتصال بالزوجة التي أكدت له ملكيتها للمحجوزات دون أن تتقدم أمام مصالح الضابطة القضائية أو يتم التحقق من هويتها الكاملة، وفقا لما تقتضيه المساطر القانونية المعمول بها، وهو ما اشتبه في استعمال النصاب لطقوس الشعوذة لتفادي تقديمه أمام العدالة لاستنطاقه في الاتهامات المنسوبة إليه بتهمة محاولة النصب عن طريق ممارسة طقوس الشعوذة واحتراف التكهن والتنبؤ بعلم الغيب. وجرت النازلة الأمنيين إلى المساءلة الإدارية، بعدما احتج تجار المدينة العتيقة على الضابطة القضائية، وطالبوا بتوضيح الأسباب وراء إخلاء سبيل النصاب دون اعتقاله، رغم ضبطه في حالة تلبس بمحاولة النصب عليهم. عبدالحليم لعريبي عجز العقوبة < تختلف الآراء حول عميلة النصب بـ"السماوي"، فرأي يراه عملية سحر وشعوذة لسرقة الناس أموالهم، ورأي آخر، يعتبره عملية تنويم مغناطيسي للضحية. ورغم اختلاف الآراء، إلا أن النتيجة واحدة، وهي أن الضحية يصبح مذهولا ومبهورا ومتوقفا عن التفكير، يرضخ بسهولة لطلبات النصاب، الذي يلعب دور "الشريف" صاحب البركة، مستغلا الموروث الثقافي الشعبي للمغاربة، الذين يؤمنون بالسحر والشعوذة، وبوجود قدرات الخارقة على إبطاله. لهذا الحل العقابي ليس وحده كافيا للتصدي للنصب بالسماوي، لأن انتشار الخرافة والاعتقاد بالسحر والشعوذة، يشكلان أرضية خصبة للمجرمين لاستغلال الضحايا، الذين يكونون على استعداد للوقوع ضحايا للنصب، لهذا يجب علينا كأفراد ومؤسسات العمل على محاربة الفكر الخرافي ونشر الوعي لتجنيب المجتمع من هؤلاء النصابين والدجالين. < تتم العملية بتخطيط بين المتهم الرئيسي "الشريف صاحب البركة"، وشخصين آخرين، أحدهما يلعب دور "الطياح"، أي الذي يستدرج الضحية عبر إيقافها في الشارع العام لسؤالها عن وجهة معينة، بعدها يلتحق بهما "الشريف" ثم الشريك الثالث الذي غالبا ما يكون امرأة، لتحفيز الضحية على الثقة في "الشريف" وتنفيذ أوامره دون مناقشة. ثم تصبح الضحية في حالة فقدان الوعي والتركيز، وعدم السيطرة على نفسها، فتقدم كل أموالها عن طواعية ودون مقاومة بحجة أن "الشريف" سيبطل السحر و"الثقاف" من تلك الأموال والحلي. < من الناحية القانونية، فإن طريقة النصب بالسماوي تدخل في خانة جرائم النصب التي نظمها المشرع في الفصل 540 من القانون الجنائي، وحدد لها عقوبة تصل إلى خمس سنوات سجنا. ويتلخص الركن المادي للجريمة، في إقناع "الشريف مول البركة"، الضحية عن طريق تأكيدات خادعة، مستغلا مظهره بكثافة شعر اللحية وجلباب تقليدي وتأكيد قدرته الخارقة لإبطال السحر الموضوع في المجوهرات والحلي والأموال، فتتم عملية تسليمه إياها بكل طواعية، بتحريض وإغراء من مشاركي "الشريف"، وبالتالي طبقا لهذا الفصل 540، تتم متابعة "الشريف" بالنصب فاعلا أصليا، ويتابع باقي المتهمين بالمشاركة، في النصب، وتتراوح العقوبة بين سنة إلى خمس سنوات سجنا وغرامة من 500 درهم إلى 5000 درهم، ما لم تكن الجريمة مقرونة بظرف تشديد. إلا أن ما يثير الانتباه، أن العقوبة لوحدها، عاجزة عن تحقيق الردع المطلوب، لأن هذا النوع من الجرائم يخلف أضرارا مادية ونفسية جسيمة على الضحايا، الذي يفقدون كل أموالهم ، في ظرف زمني وجيز بعد أن قضوا سنوات طويلة في ادخارها، لهذا على المشرع وضع عقوبات بديلة تحقق الردع في حق محترفي النصب بالسماوي. أجرى الحوار : مصطفى لطفي * محام بهيأة الرباط