fbpx
خاص

خصاص السيولة … حقيقة الأزمة

الظرفية دفعت الأسر إلى سحب مدخراتها والبنك المركزي يتدخل لضخ الملايير في السوق المالي

دفعت الأزمات المتتالية التي يعرفها العالم بسبب الجائحة والصراعات الجيوسياسية، خاصة الصراع الروسي الأوكراني، وما نتج عن ذلك من أزمات اقتصادية، عددا من الأشخاص إلى سحب مدخراتهم من البنوك والاحتفاظ بها لديهم، لمواجهة أي طوارئ، ما تسبب في أزمة سيولة لدى المؤسسات البنكية، بفعل ارتفاع التعامل نقدا “كاش”. ويضطر البنك المركزي إلى التدخل أسبوعيا في السوق المالي لضخ السيولة والاستجابة لطلبات البنوك، من خلال تقديم تسبيقات مالية كل أسبوع لتغطية الاحتياجات.
وأدى شح السيولة لدى البنوك إلى إحجامها عن اقتناء سندات الخزينة، التي تعد المصدر الرئيسي للتمويل العمومي، ما دفع بنك المغرب إلى التدخل، أخيرا، في السوق الثانوي لاقتناء السندات الموجودة في حوزة البنوك، لتمكينها من هامش سيولة لاقتناء سندات خزينة جديدة، ما يعكس الأزمة المالية التي يعرفها المغرب.
“الصباح” تقدم مصادر موارد البنوك والأسباب التي أدت إلى الخصاص في السيولة.

إنجاز: عبد الواحد كنفاوي

مورد البنوك الرئيسي
تمثل ودائع الزبناء 66 في المائة من إجمالي الودائع، ما يجعلها أهم مورد مالي للبنوك، وتظل الحسابات تحت الطلب أهم مورد بالنسبة إلى المؤسسات البنكية، لأن البنوك لا تؤدي عنها أي فوائد لأصحابها، ما يجعلها موارد بالمجان، تعيد إقراضها بفوائد.
وتشير معطيات بنك المغرب إلى أن الودائع تحت الطلب تجاوزت 511 مليار درهم. وتصل حسابات الادخار إلى 120 مليار درهم. وناهزت القيمة الإجمالية للودائع لأجل 172 مليار درهم.
وتمثل ودائع مقاولات القطاعين العام والخاص أحد المصادر المالية للمؤسسات المالية، إذ وصلت إلى 186 مليار درهم. وتناهز ودائع الهيآت المالية لدى البنوك، خاصة شركات التأمينات وهيآت التوظيف الجماعي للقيم المنقولة 30 مليار درهم. وتمثل موارد شركات التأمين المودعة لدى البنوك 13 في المائة من إجمالي ودائع الهيآت المالية.
بالمقابل لا تتعدى الأموال الذاتية للمؤسسات البنكية نسبة 8.6 في المائة من إجمالي الموارد المتاحة لها، إذ لا تتعدى قيمتها الإجمالية 94 مليارا و232 مليون درهم.

الاقتراض
تعمد البنوك إلى الاقتراض سواء من خلال السوق الداخلي أو الخارجي من أجل تلبية حاجياتها من السيولة، إذ تصل نسبة القروض المحصل عليها من مؤسسات الاقتراض 11.9 في المائة من إجمالي الموارد البنكية، ما يناهز 129 مليارا و882 مليون درهم، 97 مليار درهم منها عبارة عن قروض بالدرهم، في حين تمثل القروض بالعملة الصعبة 25 في المائة من المجموع.
وتمثل سندات الاقتراض 8.2 في المائة من إجمالي موارد البنوك بقيمة تصل إلى 89 مليارا و844 مليون درهم.

ودائع تتحول إلى قروض
تعمل البنوك على توسيع قاعدة زبنائها بإقرار عدد من العروض التحفيزية، وهكذا تتمكن من تعبئة موارد مالية مهمة، إما على شكل ودائع تؤدي لأصحابها فوائد عليها أو حسابات تحت الطلب، التي لا تؤدي عنها المؤسسات البنكية أي فوائد، فهي، إذن، مواد تحصل عليها بالمجان.
وتعيد البنوك توظيف هذه الأموال والموارد التي لديها في منح قروض مقابل فوائد أو بتوظيفها في سندات الخزينة والأسواق المالية، ما يمكنها من تحقيق هامش ربح هام، إذ أدت، خلال 2021 على سبيل المثال، 10 ملايير درهم لأصحاب الودائع لأجل، واستخلصت 37.8 مليارا من الفوائد على القروض، ما مكنها من تحقيق صافي أرباح وصل إلى 27.8 مليار درهم.
وبالرجوع إلى تقرير بنك المغرب نجد أن الأموال الذاتية لم تتجاوز، خلال الفترة ذاتها، 109 ملايير درهم، في حين وزعت البنوك 775 مليار درهم من القروض.

بداية الأزمة
شنت الضرائب والجمارك حملة، خلال السنوات الأخيرة على المتهربين والمتملصين من أداء مستحقات الدولة، استخدمت فيها كل الوسائل القانونية المتاحة، خاصة مسطرة الإشعار للغير الحائز، التي يتم، بمقتضاها، الحجز على الحسابات البنكية للأشخاص المعنيين لتحصيل الديون العمومية. وتمكنت الإدارات المكلفة بالتحصيل من رفع الموارد المالية للخزينة، لكنها أدت في نهاية الأمر إلى تجفيف خزائن البنوك من السيولة، إذ عمد المتهربون من أداء مستحقات الدولة إلى سحب أموالهم وإيداعها في أماكن خارج القنوات البنكية، كما ارتفع حجم التعاملات التي تؤدى نقدا، ما أدى إلى ارتفاع عمليات سحب النقود من البنوك، ليتفاقم حجز السيولة.

تراجع الودائع
أكدت معطيات بنك المغرب أن الودائع لأجل سجلت تراجعا بناقص 12.2 في المائة في حجم الودائع لأجل، علما أن الودائع تحت الطلب تعد المورد الأهم للسيولة بالنسبة إلى البنوك، بالنظر إلى أنها لا تؤدي أي فوائد لأصحابها، وتمثل أزيد من ثلثي الموارد لدى البنوك.
وأكدت معطيات بنك المغرب ارتفاع حجم النقود التي تروج خارج القنوات البنكية، إذ تجاوزت القيمة الإجمالية للتعاملات نقدا، مع متم السنة الماضية، 344 مليار درهم، بزيادة بنسبة 7 في المائة، مقارنة مع حجمها خلال 2021.
وساهمت الحملة التي شنتها الضرائب والجمارك، إضافة إلى تشديد المراقبة والإجراءات الاحترازية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بشكل كبير، في أزمة السيولة التي تعانيها البنوك، إذ أصبح عدد من الأشخاص الذاتيين والمعنويين يتفادون التعامل بوسائل الأداء المكتوبة، مثل الشيك والتحويلات البنكية والكمبيالات بسبب تشديد المراقبة على التحويلات المالية، في إطار الإجراءات المتخذة لمحاربة تبييض الأموال، ما جعل عددا منهم يفضلون التعامل نقدا.

تحفيزات بتأثير محدود
دفعت أزمة السيولة الحكومة إلى اعتماد كل ما من شأنه أن ينعش خزائن البنوك، بعدما تأكد أن المقاربة، التي اعتمدت من أجل ملاحقة المتهربين من أداء مستحقات الدولة كانت لها عواقب وخيمة على الاقتصاد، إذ في غياب السيولة لا يمكن للبنوك أن تلعب دورها الأساسي المتمثل في تمويل الاقتصاد.
وتقرر منح عفو للأشخاص الذين يتوفرون على أموال يودعونها خارج القنوات البنكية، شرط أن يتم التصريح بها وأداء 5 في المائة فقط من المبلغ وإيداع الرصيد في أحد البنوك، التي ستتكفل بتحصيل مبلغ المساهمة الإبرائية، ويهم القرار، أيضا، الأشخاص الذين صدرت في حقهم إشعارات بالحجز على حساباتهم في إطار مسطرة الإشعار للغير الحائز، واضطروا إلى التعامل نقدا لتفادي الحجز على المبالغ المحصل عليها إذا حولوها إلى حساباتهم، واضطروا إلى عدم التصريح بها لدى إدارات الضرائب، ما جعلهم في وضعية تهرب ضريبي. ويعتبر أداء هذه المساهمة بمثابة إبراء من أداء الضريبة على الدخل وكذا الذعائر والغرامات والزيادات المتعلقة بها. ولا يشترط أن يدلي الشخص الراغب في الاستفادة من العفو بما يثبت مصادر هذه الأموال.
كما شمل العفو، أيضا، أصحاب الممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج، التي لم يتم التصريح بها لمكتب الصرف وإدارات الضرائب، ويهم هذا الإجراء الأشخاص الذاتيين والاعتباريين المتوفرين على إقامة أو مقر اجتماعي أو موطن ضريبي بالمغرب. ويشترط للاستفادة من العفو أداء نسبة مساهمة إبرائية في حدود 10 في المائة من قيمة اقتناء الممتلكات العقارية بالخارج أو اكتتاب أو اقتناء الأصول المالية والقيم المنقولة وغيرها من سندات رأس المال أو الديون المنشأة بالخارج، و5 في المائة من مبلغ الموجودات النقدية بالعملة المرجعة للمغرب والمودعة في حسابات بالعملة الأجنبية أو بالدرهم القابل للتحويل، و2 في المائة من مبلغ السيولة بالعملة المرجعة للمغرب والمباعة في سوق الصرف بالمغرب. ويتعين على الراغبين في الاستفادة من هذه الإجراءات أن يجلبوا السيولة إلى المغرب، وبيع نسبة 25 في المائة منها في سوق الصرف بالمغرب، مقابل الدرهم مع إمكانية إيداع الباقي في حسابات بالعملة، أو بالدرهم القابل للتحويل لدى بنوك بالمغرب.

الثقة المفقودة
لكن كل هذه الإجراءات المعتمدة لتشجيع إعادة الأوراق والقطع النقدية إلى البنوك لم تفلح في تحقيق أهدافها، إذ استمر المواطنون في تفضيل الاحتفاظ بالسيولة لديهم، عوض إيداعها في حساباتهم البنكية.
وتعكس هذه المعطيات أن الثقة ما تزال مفقودة، رغم الإجراءات التي تضمنها قانون المالية، خاصة المتعلقة بالعفو عن الأشخاص الذين يتوفرون على مدخرات نقدية خارج القنوات البنكية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.