تعليم بلا “نية”

حين نتأمل منجز المنتخب الوطني في مونديال قطر 2022، تقفز إلى أذهاننا خلاصة أساسية، هي أن كل استحقاقاتنا ونقاط قوتنا ونجاحاتنا تأتي من خارج منظومة التعليم والتكوين والتربية الوطنية، وكل مآسينا وأعطابنا وعيوبنا وإخفاقاتنا تأتي من هذا القطاع على وجه التحديد. قد يكون هذا الاستنتاج قاسيا (نوعا ما)، لكنه لا يبتعد كثيرا عن الواقع، ونحن نتأمل مسلسلا منهكا من الإصلاحات والمناظرات والمؤتمرات واللجان والمجالس والبرامج والمخططات التي تسير بنا من قاع إلى قاع، وتضعنا في موقف حرج أمام الدول والأمم في مؤشرات التنمية، وقياسات التعلم والتلقين والجودة. في بعض الأحيان، يجب أن نتحدث بمرارة، لعل بعض المسؤولين يستيقظون من سباتهم، وينتبهون إلى أن ما يحدث في هذا القطاع منذ عقود، جريمة ضد أجيال من المغاربة وضد المستقبل، وأيضا ضد المساواة والعدل والكرامة وتهديد لكيان المواطنة وتعزيز لنظام الفوارق، إذ تتمكن قلة من المغاربة يتوفرون على إمكانيات من تعليم جيد ومندرج في العصر برؤية واضحة، بينما يحكم على الأغلبية بسنوات في زنازين نظام تعليمي عمومي بلا أفق. فلا أحد ينظر، اليوم، بعين الرضى إلى المدرسة العمومية المغربية، بمن فيهم الوزراء ومسؤولون في الحكومة ورؤساء مجالس عليا للتعليم والتكوين والتربية، إذ يملك كل واحد من هؤلاء معطيات وأرقاما ومؤشرات يندى لها الجبين، آخرها الدراسة المنجزة بإشراف الوزير الحالي نفسه (شكيب بنموسى، رئيس لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد)، التي عرضت ما يمكن وصفه بالفضيحة. والواقع أن المغاربة لا يحتاجون إلى دراسات أو استطلاعات جديدة، أو مناظرات، كي يعرفوا أن آخر مكان يفكر التلميذ في الذهاب إليه هو المدرسة العمومية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأستاذ والإداري والتقني، وحتى ذاك الرجل المسكين الذي يقف أمام الباب. لقد وصلت المدرسة العمومية إلى وضعية تدعو إلى الشفقة، بل يمكن الجزم أنها أصبحت جثة ينصح بدفنها قبل أن تتعفن، ثم ننظم جنازة بكاء ولطم جماعي على ملايير الدراهم والإمكانيات والتسهيلات والامتيازات والصفقات الخرافية التي منحت لهذا القطاع منذ سنوات، دون طائل. وعوض أن نتوقف جميعا من أجل التقييم الموضوعي، ونضع أصابعنا على الأعطاب، ونجد الحلول الجذرية، انبثقت العبقرية المغربية على خارطة طريق جديدة، نتوقع لها الفشل منذ الآن، لسبب بسيط هو أن الراكب خرج من الخيمة مائلا، وسيكون سقوطه في منتصف الطريق مسألة وقت فقط. قلناها مرارا وتكرارا، ونعيدها اليوم بمرارة أكبر، إن ما يحتاج إليه التعليم العمومي، ليس الإمكانيات فقط والأهداف والدعامات والمبادئ، وما إلى ذلك من "إنشاء" ولغو، بل يحتاج إلى إرادة سياسية، أي هل نريد فعلا تعليما منتجا وبجودة عالية، أم تعليما متخلفا يبقي الحال كما هو عليه؟ في انتظار الجواب، يمكنكم الاستئناس بخارطة طريق مواطن مغربي يتقلد منصب مدرب الفريق الوطني. خارطة طريق من كلمتين اثنتين لا غير: "ديرو النية". فـ"ديرو النية" في التعليم يا عباد الله. وارحموا أبناء شعب في الأرض يرحمكم من في السماء.

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

مطار تطوان يسجل أعلى معدل استرجاع وطنيا

تلاعبات بتمويلات صندوق الحسن الثاني

مقالات ذات صلة