وصفه والده بالذكي ورأسه الأصلع يخفي تعطشا لغزو القارات لا يختلف وليد الركراكي، مدرب المنتخب المغربي، عن فرسان حروب الأساطير القديمة، إذ يمتطي حصان "التحدي"، ويتسلح برمح "الدهاء"، ويكسب قلوب كتيبته بالخطب الحماسية، إذ غزا ب"تكتيكه الكروي" إفريقيا، مع الوداد الرياضي، وحين اطمأن لانتصاراته محليا وقاريا، عبر البحر لقهر معاقل الأقوياء في أوربا وأمريكا. انجاز: خالد العطاوي يسخر وليد الركراكي من التحديات، وحين نال لقب "راس لافوكا" لم يغضب، بل جعل اللقب مفتاح نجاحه، فسمح للاعبين بالتبرك به، حتى تزداد الألفة بينهم، علما أنهم يدركون أن الرأس نفسه، ليس إلا كرة بلورية لها سحر التفوق والذكاء الخارق في ترويض "الحارقين" (منتخب كرواتيا)، وهزم "الشياطين الحمر" (منتخب بلجيكا)، وسحق "الحمر" (منتخب كندا)، وحرق سفن منتخب "لاروخا". وصف محمد الركراكي، ابنه وليد بالذكي، لكن عددا من مجايليه يرون فيه المدرب الأكثر إثارة للجدل، فأينما حل يصنع الحدث بلكنته المغربية الممزوجة بالفرنسية، وبالنسبة إلى آخرين فإنه المدرب والمدافع الوسيم الذي يتميز بلمسة تدريبية استثنائية داخل سماء الدوحة. يمتلك الركراكي، وراء ابتسامته الفريدة في الندوات الصحافية، رؤية خاصة به في التعامل، ولمسة سحرية خاصة لإدارة غرفة ملابس بحنكة تسمح له بالتأقلم بسهولة مع اللاعبين، فالمدرب المولود في 1975، في منطقة كوربي إيسون الفرنسية، تعود أصوله إلى الفنيدق، ومنها، ربما، استمد أسلوبه في الحياة، قبل أن تبدأ مسيرته مع كرة القدم، إذ استهل مساره الكروي في بداية السن 22، بعد أن اكتشف موهبته المدرب رودي غارسيا، الذي حمل ألوان فريقه "كوربي إيسون" في أول محطة له. اعترف الركراكي مرة أنه مهووس ب"البلوغرانا" (فريق برشلونة)، وعاشق لأداء ليو ميسي، ما جعله يختار نادي راسينغ دوباري ثاني محطاته، ثم انتقل إلى تولوز الفرنسي، حيث سطع نجمه، كما لعب يف الدوري الإسباني. ورغم ما عاناه، إلا أنه لقب بالمدافع الأنيق. قبل تدريبه المنتخب، شارك الركراكي المنتخب نفسه في إنجازاته، إذ تذوق طعم الفوز في كأس إفريقيا 2004 بتونس، حين نجح أسود الأطلس في بلوغ النهائي ضد البلد المضيف، وبعدها حصد الميدالية الفضية. وقتها كان الركراكي محور دفاع التشكيلة، التي كان يقودها المدرب بادو الزاكي، ونجح في حماية شباك المنتخب من هجمات أقوى الفرق الإفريقية وقتها. اختار الركراكي التدريب بعد اعتزاله اللعب في 2012، وخاض تكوينا لمدة خمس سنوات بأحد مدارس التدريب بفرنسا، قبل أن يبدأ مساره التدريبي بالفتح الرباطي ثم الوداد الرياضي، واللذين حقق معهما إنجازات كبيرة، ليتم تعيينه بعد ذلك مدربا للمنتخب الوطني. كانت محطة الوداد نقطة تحول في مسيرة "الداهية"، بسبب الموسم الناجح الذي قضاه مع النادي، إذ نجح في قيادة الفريق إلى التتويج بلقبي البطولة ودوري أبطال إفريقيا، إلى جانب التأهل للمباراة النهائية لبطولة كأس العرش، إضافة إلى تحقيقه لقبي البطولة والكأس مع نادي الفتح الرباطي، الذي دربه قبلها لست سنوات. أنهى الركراكي صفحة الأندية، ثم تحدى الجميع حين تولى تدريب المنتخب المغربي في فترة حساسة، بدأها باستدعاء زياش ومزراوي وحمد لله المغضوب عليهم من المدرب السابق، ثم أجرى مباراتين وديتين، حيث نجح في تقديم أداء متميز خلالهما، وحقق المغرب فوزا بثنائية ضد منتخب الشيلي، وتعادل مع نظيره الباراغوياني. لم تنته رحلة الركراكي في عالم الكرة ، بل ابتدأت للتو، فهو يعشق الغموض وإثارة الجدل، وخرجاته الإعلامية التي تجعله في موقف انتقاد من العديد من الأشخاص تؤكد أنه محارب من طينة الفرسان في حروب الأساطير القديمة سلاحه الروح القتالية ومبدؤه الانتصار. "فيفا" يحتفي بـ "راس لافوكا" احتفت "الفيفا" بوليد الركراكي، إذ استغلت قوله في ندوة صحافية سبقت مباراة بلجيكا :"عنداكم يسحاب ليكم هاد راس لافوكا كيضحك عليكم"، لتضعه وسما في حسابها الرسمي عبر "تويتر"، كما نشرت صورته وهو يعطي تعليماته خلال مباراة بلجيكا، معلقة على المشهد بصورة تحمل قطعة من الفاكهة. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، انخراط حساب "الفيفا" في إطلاق لقب "راس لافوكا" على الركراكي. وأوردت "الفيفا" إحصائيات عن الركراكي، إذ أشارت إلى أن أول فريق دربه تمثل في فريق اتحاد الفتح الرياضي، مشيرة إلى أنه عمل مساعد مدرب في المنتخب في الفترة بين عامي 2012 و2013، وكانت أول تجربة تدريبية له، وعندما تمت إقالة المدرب رشيد الطاوسي في أكتوبر 2013 تم إنهاء عقده أيضا، قبل أن يعود بعدها في 2022 ليصبح المدرب الرسمي. وحقق الركراكي، حسب "الفيفا"، البطولة موسم 2015-2016 مع فريق اتحاد الفتح الرياضي، ولقب كأس العرش المغربي في 2014 مع الفريق نفسه، كما فاز مع الدحيل القطري بالدوري القطري في موسم 2019-2020، وتوج مع الوداد البيضاوي بلقب البطولة ودوري أبطال أفريقيا في 2022. وأشار موقع "الفيفا" إلى أبرز إنجازات الركراكي لاعبا، إذ حقق لقب دوري الدرجة الثانية الفرنسي مع فريق أجاكسيو، كما احتل المركز الثاني مع منتخب المغرب في كأس الأمم الأفريقية في 2004. أما أول مباراة قادها مدربا للمنتخب، فكانت المباراة الودية التي فاز بها المغرب على مدغشقر في 21 شتنبر 2022 بهدف لصفر، بعد إقالة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش. ويعتمد الركراكي، حسب "الفيفا"، على الرسم التكتيكي 4-2-3-1. أما أطول فترة قضاها مدربا، فكانت مع فريق اتحاد الفتح الرباطي، منذ فاتح يوليوز 2014 حتى 22 يناير 2020، قبل أن ينتقل لتدريب الدحيل القطري. "الدارجة" في الندوات الصحافية وصف عدد من وسائل الإعلام العربية الركراكي بأنه طموح وواقعي، لكن بعفوية مصحوبة برؤية استشرافية، إذ يقول الركراكي بلغته الدارجة "شوفو بغيتونا نربحو ديرو الثقة فينا وزينو نيتكم، راه لزينتو نيتكم الكرة تدخل للمرمى وفي حالة العكس لن ننتصر، عونونا بالنية ونكونو قلب واحد، وغادي تشوفو". ويؤمن الركراكي بأن الثقة في اللاعبين والنية الحسنة في الإيمان بحظوظهم في التأهل أساس النجاح، ما اعتبرته وسائل إعلام "حكمة وتعقلا وواقعية استند إليها في عمله المرهق والمحبب له في الوقت نفسه، مع ما ينتظره في وقت الضيق، مع إيقاع مختلف عن سلفه البوسني وحيد خليلوزيتش، لكي يصل إلى سقف طموحات المغاربة". وتتمثل القاعدة التي تعزز موقع الركراكي في العبرة بالخواتيم والنتائج خلال مدة وجيزة استطاع فيها التأقلم مع الوضعية الجديدة وإثبات أنه أهل للمسؤولية، فهو مدرب محنك بمواصفات عالمية، وواقعي ومقاتل شرس نقل تجربته وحماسه إلى عناصر المنتخب الوطني، مركزا على التجديد في الأسلوب والمنهجية في التعامل مع اللاعبين والظرفية التي تمليها اللعبة.