fbpx
خاص

‭”‬إيكس‭ ‬ليبان‭”… ‬من‭ ‬الخيمة‭ ‬خرج‭ “‬مرهون‭”‬

كواليس‭ ‬مفاوضات‭ ‬رهنت‭ ‬مستقبل‭ ‬المغرب‭ ‬وأدخلت‭ ‬الاستعمار‭ ‬من‭ ‬النافذة

أعادت‭ ‬الأزمة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الصامتة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا،‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والتي‭ ‬أرخت‭ ‬العقود‭ ‬الطويلة‭ ‬للاستعمار‭ ‬بظلالها‭ ‬عليها‭. ‬فالطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬ظل‭ ‬دائما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬عل،‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يتخلص‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬المحتل،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الوصاية‭ ‬وتكريس‭ ‬التبعية‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬تثبيتها‭ ‬لحظة‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاستقلال‭ ‬منذ‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأولى‭ ‬لتصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬بشروط‭ ‬المستعمر‭ ‬وبما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحه‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخاص‭ ‬تستعيد‭ “‬الصباح‭” ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬كواليس‭ ‬مفاوضات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬وتطورات‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬أعقبتها‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬محاولة‭ ‬رهن‭ ‬مستقبل‭ ‬الطرف‭ ‬المغربي‭ ‬بنظيره‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬وعاد‭ ‬من‭ ‬النافذة‭.‬

إعداد‭: ‬عزيز‭ ‬المجدوب

جاءت‭ ‬مفاوضات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬نتيجة‭ ‬اشتداد‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬بالمغرب‭ ‬بعد‭ ‬نفي‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬عقب‭ ‬الفراغ‭ ‬المؤسساتي‭ ‬الحاصل،‭ ‬إثر‭ ‬رفض‭ ‬المغاربة‭ ‬الاعتراف‭ ‬ببديله‭ ‬ابن‭ ‬عرفة،‭ ‬فرضخت‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬لمبدأ‭ ‬قبول‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬المغربية‭ ‬والممثلة‭ ‬للتوجه‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أبنائه‭ ‬وتوجيهه‭ ‬نحو‭ ‬الاستقلال‭. ‬

كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬حينها‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬وقع‭ ‬الضربات‭ ‬والهزائم‭ ‬التي‭ ‬انهالت‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬منها‭ ‬الهزيمة‭ ‬بمعركة‭ “‬ديان‭ ‬بيان‭ ‬فو‭” ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1954،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأشهر‭ ‬اندلعت‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اشتداد‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فحاولت‭ ‬فرنسا‭ ‬التخلص‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المستعمرات‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تثقل‭ ‬كاهلها‭ ‬وتستنزفها‭ ‬عسكريا،‭ ‬فسعت‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬بعضها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحالتين‭ ‬التونسية‭ ‬والمغربية،‭ ‬لكن‭ ‬بشروطها‭ ‬وبما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭.‬

انطلقت‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬غشت‭ ‬1955،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬22‭ ‬و27‭ ‬منه،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الوفد‭ ‬المغربي‭ ‬متجانسا‭ ‬في‭ ‬مكوناته‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬كانت‭ ‬مقصودة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬حتى‭ ‬تسير‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬فرنسا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬المغربي‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬حسبانه‭ ‬أن‭ ‬نظيره‭ ‬الفرنسي‭ ‬كان‭ ‬يفاوض‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬ضعف‭ ‬وأنه‭ ‬يناور‭ ‬للخروج‭ ‬بثمن‭ ‬وبمقابل‭ ‬محدد‭.‬

خروج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬وعودة‭ ‬من‭ ‬النافذة

لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬المقابل‭ ‬سوى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬والعودة‭ ‬من‭ ‬النافذة‭ ‬عبر‭ ‬تكريس‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬واللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬مقابل‭ ‬استقلال‭ ‬سياسي‭ ‬محجم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ستوضحه‭ ‬الأيام‭ ‬والسنوات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭.‬

وكان‭ ‬الوفد‭ ‬الفرنسي‭ ‬المفوض‭ ‬الذي‭ ‬حضر‭ ‬مناقشات‭ ‬إيكس‭ ‬ليبان‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬إدغار‭ ‬فور‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬وبيناي،‭ ‬وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬والجنرال‭ ‬كوينغ‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬وروبيرت‭ ‬شومان‭ ‬وبيير‭ ‬جولي‭. ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الوفد‭ ‬المغربي‭ ‬يتشكل‭ ‬من‭ ‬41‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مبارك‭ ‬البكاي،‭ ‬والحاج‭ ‬الفاطمي‭ ‬بنسليمان‭ ‬والحاج‭ ‬محمد‭ ‬المقري‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ممثلي‭ ‬الأحزاب‭: ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭ ‬ومحمد‭ ‬اليزيدي‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬والمهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬بن‭ ‬جلون‭ ‬وأحمد‭ ‬بن‭ ‬سودة‭ ‬وعبد‭ ‬الهادي‭ ‬بوطالب‭ ‬ومحمد‭ ‬الشرقاوي‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الشورى‭ ‬والاستقلال‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬وجد‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬كجواد‭ ‬الصقلي‭ ‬وحميد‭ ‬الباكستاني‭ ‬وآخرين‭.‬

كان‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬يتوقع‭ ‬مسبقا‭ ‬شرط‭ ‬الوفد‭ ‬المغربي‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬تنحية‭ ‬السلطان‭ ‬المزور‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عرفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬نية‭ ‬الفرنسيين‭ ‬إعادة‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬إلى‭ ‬عرشه،‭ ‬لأنه‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬وقف‭ ‬ضد‭ ‬مصالحهم‭ ‬وتعنت‭ ‬في‭ ‬الخضوع‭ ‬لهم‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬كانت‭ ‬تقارير‭ ‬الإقامة‭ ‬العامة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عن‭ ‬اشتداد‭ ‬عمليات‭ ‬المقاومة‭ ‬تعكس‭ ‬اندهاشا‭ ‬فرنسيا‭ ‬من‭ ‬تعلق‭ ‬المغاربة‭ ‬بشخص‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مذكرات‭ ‬المقيم‭ ‬العام‭ ‬جيلبير‭ ‬غرانفال‭. 

وكان‭ ‬المخطط‭ ‬الذي‭ ‬خرجت‭ ‬به‭ ‬مفاوضات‭ ‬إيكس‭ ‬ليبان‭ ‬ينتظر‭ ‬لكسب‭ ‬الشرعية‭ ‬القانونية،‭ ‬المصادقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سلطان‭ ‬المغرب‭ ‬الشرعي‭. ‬فمادام‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬معاهدة‭ ‬الحماية‭ ‬مع‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬سنة‭ ‬1912،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الاستقلال‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭. ‬

ففي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬التقى‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬شتنبر‭ ‬1955‭ ‬وفد‭ ‬فرنسي‭ ‬مفوض‭ ‬يضم‭ ‬الجنرال‭ ‬كاترو‭ ‬وهنري‭ ‬يريسو،‭ ‬الوفد‭ ‬المغربي‭ ‬المشكل‭ ‬من‭ ‬مولاي‭ ‬حسن‭ ‬بن‭ ‬إدريس‭ ‬ومبارك‭ ‬البكاي‭ ‬والفاطمي‭ ‬بن‭ ‬سليمان‭ ‬وعبد‭ ‬الهادي‭ ‬بوطالب‭ ‬وعمر‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬وعبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭. ‬وجاء‭ ‬هذان‭ ‬الوفدان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إبلاغ‭ ‬السلطان‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬الطرفان‭ ‬المتفاوضان‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬التعليمات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬اتباعها‭. ‬ولعب‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬آنذاك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬من‭ ‬المخطط،‭ ‬وهو‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬المخطط‭ ‬مع‭ ‬التحفظ‭ ‬بإعلان‭ ‬ضرورة‭ ‬الانتظار‭ ‬مؤقتا‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬عودة‭ ‬السلطان‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الوجه‭ ‬المقابل‭ ‬للتحديد‭ ‬الرسمي‭ ‬لمفاوضات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬يقول‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬مغرب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬رهنت‭ ‬مستقبل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استقلال‭ ‬شكلي‭ ‬وغير‭ ‬تام‭.‬

ارتكزت‭ ‬شروط‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬أساسية‭ ‬وهي‭ ‬إمكانية‭ ‬منح‭ ‬الاستقلال‭ ‬للمغرب‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬وبما‭ ‬يضمن‭ ‬مصالح‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والشركات‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وكذلك‭ ‬تشكيل‭ ‬مجلس‭ ‬وصاية‭ ‬على‭ ‬العرش‭ ‬يعين‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬انتقالية‭ ‬لاستكمال‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭.‬

مناورات

وتسارعت‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬تعيين‭ ‬مجلس‭ ‬وصاية‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬أكتوبر‭ ‬1955،‭  ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أفراد‭ ‬بمثابة‭ “‬حفظة‭ ‬العرش‭” ‬وهم‭ ‬الوزير‭ ‬محمد‭ ‬المقري‭ ‬وامبارك‭ ‬البكاي‭ ‬والقايد‭ ‬الطاهر‭ ‬أوعسو‭ ‬والباشا‭ ‬الصبيحي‭.‬

هذا‭ ‬المجلس‭ ‬عين‭ ‬الفاطمي‭ ‬بنسليمان‭ (‬عم‭ ‬الجنرال‭ ‬حسني‭ ‬بنسليمان‭) ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للحكومة‭ ‬مغربية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬سيكمل‭ ‬المفاوضات‭ ‬حول‭ ‬الاستقلال‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تجهض‭ ‬العملية‭ ‬مناورة‭ ‬من‭ ‬الباشا‭ ‬التهامي‭ ‬الكلاوي‭ ‬فتم‭ ‬حل‭ ‬مجلس‭ ‬الوصاية‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬نونبر،‭ ‬وبعدها‭ ‬بثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬وقع‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬منفاه‭ ‬بمدغشقر‭ ‬اتفاقية‭ “‬لاسيل‭ ‬سان‭ ‬كلو‭” ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬للاستقلال‭ ‬لكنها‭ ‬تضمنت‭ ‬البنود‭ ‬المكرسة‭ ‬للتبعية‭.‬

الخطابي‭: ‬فخ‭ ‬منصوب

لم‭ ‬يكن‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬والمقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬راضيين‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬اكس‭ ‬ليبان‭ ‬التي‭ ‬اعتبروها‭ ‬مجرد‭ ‬خدعة‭ ‬لتجميل‭ ‬وجه‭ ‬الاستعمار‭ ‬وتكريسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعوان‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬العالم‭ ‬المغربي‭ ‬المهدي‭ ‬المنجرة‭ ‬مفاوضات‭ ‬اكس‭ ‬ليبان‭ ‬بأنها‭ ” ‬أكبر‭ ‬خيانة‭” ‬للوطن‭.‬

ومن‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬المصرية،‭ ‬جاء‭ ‬صوت‭ ‬الزعيم‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطابي‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬نشرتها‭ ‬صحيفة‭ “‬كفاح‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭” ‬يوم‭ ‬7‭ ‬يناير‭ ‬1956‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ “‬وقد‭ ‬اقتدت‭ ‬جماعة‭ ‬الرباط‭ ‬بجماعة‭ ‬تونس‭ ‬المستسلمة‭ ‬فأبرزت‭ ‬اتفاقية‭ ‬اكس‭ ‬ليبان‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬العمل‭ ‬والتنفيذ،‭ ‬وأخذت‭ ‬تناور‭ ‬وتدلس‭ ‬وتغري‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬بالكلام‭ ‬المعسول‭.‬

‭ ‬وأضاف‭ “‬وهي‭ ‬سائرة‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬نفسه‭ ‬لاتفاقية‭ ‬تونس‭ ‬وستطالب‭ ‬المناضلين‭ ‬بإلقاء‭ ‬السلاح،‭ ‬بعدما‭ ‬طلبت‭ ‬منهم‭ ‬الهدوء‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬المفاوضة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الهدوء،‭ ‬والهدوء‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بإلقاء‭ ‬السلاح‭ ‬وتسليمه‭ ‬لهذه‭ ‬الجماعة‭ ‬الرباطية‭ ‬الجالسة‭ ‬على‭ ‬عروشها‭ ‬حين‭ ‬يتفرغ‭ ‬الأعداء‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭. ‬فحذار‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الفخ‭ ‬المنصوب،‭ ‬وإننا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬سوف‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬والنضال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬كلها‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬فرنسي‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬المستعمرين‭”.‬

بنبركة‭: ‬خطأ‭ ‬قاتل

صنف‭ ‬المناضل‭ ‬والزعيم‭ ‬الاتحادي‭ ‬الراحل‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬مفاوضات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬ضمن‭ “‬ثلاثة‭ ‬أخطاء‭ ‬قاتلة‭” ‬خلال‭ ‬لحظة‭ “‬نقد‭ ‬ذاتي‭” ‬قام‭ ‬بها‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬بعد‭ ‬مشاركته‭ ‬ضمن‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ممثلا‭ ‬آنذاك‭ ‬لحزب‭ ‬الاستقلال‭.‬

وقال‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ “‬الاختيار‭ ‬الثوري‭” ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تقرير‭ ‬قدمه‭ ‬للكتابة‭ ‬العامة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬استعدادا‭ ‬لمؤتمره‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬1962،‭ ‬إن‭ ‬مفاوضات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬تمت‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬تطور‭ ‬طرحت‭ ‬فيها‭ ‬موضوعيا‭ ‬قضايا‭ ‬جوهرية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬التحرر‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬المنفى‭ ‬اتفاقية‭ “‬لاسيل‭ ‬سان‭ ‬كلو‭” ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬نتيجة‭ ‬لمباحثات‭ “‬إيكس‭ ‬ليبان‭” ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭.‬

وهنا‭ ‬يتساءل‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ “‬فهل‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الخصم‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬خبرة‭ ‬منا،‭ ‬فأدرك‭ ‬قبلنا‭ ‬المغزى‭ ‬العميق‭ ‬للأحداث؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬حركة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني،‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬من‭ ‬مسيريها،‭ ‬الأغراض‭ ‬الأساسية‭ ‬للاستعمار؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬نتول‭ ‬توضيح‭ ‬هذه‭ ‬الأغراض‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬مسائل؟‭”.‬

ويتابع‭ “‬لقد‭ ‬منحتنا‭ ‬الظروف‭ ‬التاريخية‭ ‬الوسائل‭ ‬الكفيلة‭ ‬لكي‭ ‬نقوم‭ ‬بدور‭ ‬التوضيح‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تفرضه‭ ‬علينا‭ ‬مهمتنا‭ ‬الثورية‭. ‬فهل‭ ‬قمنا‭ ‬بتقديم‭ ‬هذه‭ ‬التسوية‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬مع‭ ‬المستعمر‭ ‬كأنها‭ ‬حل‭ ‬وسط،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬ربحنا‭ ‬بمقتضاه،‭ ‬ولكننا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬سجلنا‭ ‬خسرانا‭ ‬مؤقتا‭”.‬

وتوقف‭ ‬الزعيم‭ ‬الاتحادي‭ ‬عند‭ “‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬على‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الثورية‭ ‬لحركتنا‭ ‬الوطنية‭” ‬موضحا‭  ‬أنه‭ “‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬المفاجئ‭ ‬للسياسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬اقتران‭ ‬الحركتين‭ ‬التحريريتين،‭ ‬الجزائرية‭ ‬والمغربية،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ستترتب‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬نتائج‭. ‬وأيضا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الصدفة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬المناضلون‭ ‬يدركون‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الرمز‭ ‬المعنى‭ ‬العميق‭ ‬للنضال‭ ‬الوطني،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬فهم‭ ‬المستعمرون‭ ‬المعنى‭ ‬العاطفي‭ ‬لإرجاع‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬منفاه،‭ ‬ونحن‭ ‬اليوم‭ ‬إذا‭ ‬حللنا‭ ‬هذه‭ ‬المطابقات‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬عليها،‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بلغت‭ ‬منتهى‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬كنا‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬عن‭ ‬تصوره‭.‬

ويضيف‭ “‬نعم‭ ‬لقد‭ ‬بدأت‭ ‬تنضج‭ ‬المعالم‭ ‬الميكيافيلية‭ ‬لهذه‭ ‬السياسة‭ ‬عندما‭ ‬شرع‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬مجموع‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬1956‭ ‬أخذت‭ ‬خيبة‭ ‬المرارة‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناضلين،‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬قادة‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬وجيش‭ ‬التحرير،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬الشعور‭ ‬الحدسي‭ ‬أن‭ ‬سير‭ ‬الثورة‭ ‬قد‭ ‬توقف‭”.‬


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.