أزمـة صامتـة

الحسيني قال إن فرنسا تخفي وجهها وتدفع دولا إلى اتخاذ قرارات مناهضة للمغرب قدم محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية، بعض التفسيرات لفتور العلاقات الفرنسية المغربية. وأوضح الحسيني في حوار مع "الصباح" أن هناك أسبابا لعدم اتخاذ فرنسا موقفا واضحا وصريحا من قضية الصحراء المغربية على غرار دول أوربية أخرى وأمريكا، مشيرا إلى أن فرنسا لم تعد تنظر بعين الرضى إلى الامتداد القوي الذي حققه المغرب، أولا في افريقيا الغربية، إذ استطاع أن يصبح المستثمر الأول بين البلدان الإفريقية في المنطقة، وعلى الصعيد الإفريقي بصفة عامة، قبل أن ينتقل للإجابة عن أسئلة أخرى. في مايلي التفاصيل: أجرت الحوار: إيمان رضيف < ليست المرة الأولى التي يقع فيها نوع من الفتور في العلاقات الفرنسية المغربية، باعتبار أنها تتميز بالكثير من التشابك والتعقيدات المرتبطة بالتركة الاستعمارية من جهة، ومن جهة أخرى، بالروابط التي ظلت مستمرة ممثل الفرنكفونية والتبعية الثقافية والاقتصادية. فقد ظلت فرنسا مدة طويلة، تعتبر المغرب، ورغم أنه حصل على الاستقلال، محكومابـ"الاستعمار الجديد" حسب تعبير البعض، والذي يجعله في الكثير من الأحوال، غير قادر على التوفر على الوسائل الذاتية للانطلاق نحو رتبة أعلى، وأن يصبح دولة صاعدة، وبذلك سيبقى "مسخرا" لخدمة مصالح فرنسا، حتى على الصعيد الخارجي. < بعبارة أخرى، فإذا أراد المغرب أن ينشأ صناعات معينة في الداخل، فستكون بتزكية من فرنسا وبتأطيرها من أجل خدمة مصالحها. فهذا النوع من الشعور الذي ظل يرافق مسيرة العلاقات بين المغرب وفرنسا، عرف اهتزازات وأزمات قوية، من بينها أزمة خلال فترة الستينات أي خلال مقتل المهدي بنبركة، والذي ترك الكثير من الإشكالات في ما يتعلق بالعلاقات. ويتفق الجميع اليوم، أن الأمر يتعلق بأزمة صامتة وليست معلنة، فالأثر الوحيد الذي ظهر لهذه الأزمة، وطغى على السطح، هو موضوع التأشيرات. ففي الوقت الذي كان فيه الكثيرون يعتقدون أن خفض عدد التأشيرات سيكون بطريقة حسابية، وأن الأمر سيتعلق بالأشخاص الذين ليست لهم ضمانات لمغادرة التراب الفرنسي في ظروف عادية، أو الأشخاص الذين يطلبون التجمع العائلي، دون أن تتوفر فيهم شروط، اتضح أن السلطات الفرنسية تطبق مبدأ جديدا يطول حتى المهنيين والأطباء والمحامين والمهندسين وحتى الوزراء سابقين، وبالتالي تبين أن الأمر يتعلق بقرار سياسي اتخذ على عدة مستويات ما دفع البعض إلى طرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الفرنسية المغربية، في ظل هذه الوضعية، خاصة أن الرئيس الفرنسي بادر إلى زيارة الجزائر . < أعتقد الجميع أن فرنسا ستكون بعد الولايات المتحدة الأمريكية، سباقة إلى الاعتراف بمغربية الصحراء وبسيادة المغرب عليها، لكن هذا ما لم يحدث، واتضح أن سياسة الكواليس بين فرنسا وباقي الدول الأوربية، تمر في اتجاهات أخرى، إذ أن فرنسا لم ترد الظهور في موقف معارض للمصالح المغربية، لذلك دفعت ألمانيا للمطالبة بعقد مجلس الأمن مباشرة، بعد توقيع الاتفاق الأمريكي المغربي. كما لاحظنا أن إسبانيا كانت تتجه صوب اتخاذ القرار نفسه، وكأن فرنسا تخفي وجهها وتدفع بتلك الدول إلى اتخاذ القرارات. اليوم طبعت ألمانيا علاقاتها مع المغرب بشكل قوي، واعتبر أن مقترح الحكم الذاتي هو وسيلة جيدة لإنهاء النزاع، وإسبانيا اعتبرته الاقتراح الأكثر جدية ومصداقية وواقعية، وبالتالي تبنت، تقريبا، قرار قبول السيادة المغربية على الصحراء، في حين أن فرنسا مازالت تلتزم الصمت. < هناك من يقول إن أسباب هذه الوضعية، لها علاقة بعدم رضى فرنسا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية السباقة لاتخاذ هذا الموقف، باعتبار أن فرنسا معروفة بمساندتها للمغرب في ما يتعلق بمجلس الأمن، واتخاذ مواقف صارمة ضد أعداء الوحدة الترابية، لذلك لم ترد فرنسا تدخل الطرف الثالث ليحرك العملية بدلا منها. لكن أكثر من ذلك، يعتبر ملاحظون أن الرئيس الفرنسي، ألحق بديوانه بعد الانتخابات الأخيرة، مجموعة من الشباب الاشتراكيين الذين لهم مرجعيات ماركسية لينينية، وهو ما يمكن أن يثير بعض الخلل والتوتر في العلاقات بين المغرب وفرنسا. وبين الأسباب الرئيسية، رغبة المغرب في "الطيران" بكل حرية بعيدا عن التكييف الفرنسي. < لم تعد فرنسا راضية عن الامتداد القوي الذي حققه المغرب، أولا في إفريقيا الغربية، إذ استطاع أن يصبح المستثمر الأول بين الدول الإفريقية في المنطقة، وحتى على صعيد إفريقيا بصفة عامة، بعد انطلاقه نحو شرقها والدول الانجلوفونية، وأصبح المستثمر الثاني في إفريقيا بعد جنوب افريقيا. كما أن حضور المغرب في افريقيا لم يعد متربطا بوصاية فرنسية أو أوربية، ولكنه يسير في استقلالية تامة، ومعتمدا على أذرعه الاقتصادية القوية، وعلى رأسها المكتب الشريف للفوسفاط، ومعامله الكبرى التي أنجزت مع نيجيريا وإثيوبيافي ما يتعلق بتكرير الفوسفاط وإنتاج الأسمدة، وأيضا أذرعته الأخرى، مثل الخطوط الملكية المغربية والتي تعتبر ناشطة قوية في إفريقيا والشيء ذاته بالنسبة إلى البنوك المغربية وغيرها. < بالنسبة إلى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يرتبط اتفاق "ابرهام" بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكنه كان يرتبط، أيضا، بعملية الدفع بالتنمية، ليس بالنسبة إلى الصحراء فحسب، لكن بالنسبة إلى منطقة إفريقيا الغربية، سيما عندما جاء ممثلو الرئيس الأمريكي من أجل توقيع الاتفاق ووضع الوثائق والذين كان من بينهم رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية، علما أن أمريكا أعطت أيضا وعدا بأن تخصص 5 ملايير دولار، لتحفيز التنمية في هذه المنطقة. الطاقة < بالتأكيد، سيما أن الحرب الروسية الأوكرانية غيرت خريطة الطاقة بشكل جذري، إذ أن كل ما تتزود به أوربا أي ما يعادل 40 في المائة من احتياجاتها، سيتوقف، علما أن دولا أوربية التزمت بتخفيض نسبة الطاقة، ما ستكون له تأثيرات كثيرة، علما أن الغاز السائل يتطلب تحويله إمكانيات كبيرة، كما أن هناك إشكالات أخرى في ما يتعلق بإمكانية تمديد خطوط أخرى، باعتبار أن الخط الوحيد الذي تمتلكه الجزائر ويربطها بتلك الدول، يمر من اسبانيا. كما أن الغاز المسال الذي تنقله الولايات المتحدة عبر السفن لا يغطي احتياجاتها، وبالتالي تحاول الدول الأوربية بوسائلها الخاصة، تغطية احتياجاتها، وهو ما تستفيد منه الجزائر. في سطور - من مواليد مكناس في 1951 - حاصل على الدكتوراه في الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط - نائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات - رئيس منتدى 21 للحوار والتنمية - خبير في العلاقات الدولية - مستشار قانوني للعديد من المؤسسات الوطنية والدولية - له العديد من المؤلفات من بينها "سياسة الوفاق… أسبابها ومظاهرها ومضاعفاتها" و"الوجيز في القانون الدولي الاقتصادي" و"المجتمع الدولي وسياسة التدخل"

أزمـة صامتـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال خمسيني اغتصب معاقة بتازة

تقارب إستراتيجي مزعج

مقالات ذات صلة