الرئيس التونسي دمر ثوابت الدبلوماسية ولم يسع إلى تسهيل الحوار بين بلدان المغرب العربي الكبير بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني(*) استقبال الرئيس التونسي سعيد قيس لزعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي للمشاركة في قمة طوكيو للتنمية الافريقية "تيكاد" أثار عدة تفاعلات وردود وطنية وإقليمية ودولية، نظرا لجسامة التصرف ولتعارضه مع الأعراف الدولية وحسن العلاقات بين الدول التي تنبني على أسس الالتزام بالحياد واحترام الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هذا التصرف الغبي والذي يمكن اعتباره بالتصرف المتهور وغير المسؤول والغريب وغير المقبول من دولة عربية شقيقة، افتقد رئيسها للرؤية المتبصرة للعمل الدبلوماسي ولمبادئ وأبجديات العلاقات الدولية المتعارف عليها عالميا. بداية فتور دبلوماسي وفي هذا الإطار، تجدر بنا الإشارة إلى أن العلاقات المغربية التونسية، كانت إيجابية على كافة المستويات، اتسمت منذ نظام زين العابدين بنعلي إلى فترة حكم منصف المرزوقي، بالتعاون والتفاهم حول كثير من الملفات التي تعني المغرب، وعلى رأسها ملف الصحراء واتحاد المغرب الكبير. غير أنه في فترة الفقيد قايد باجي السبسي دخلت العلاقة بين البلدين مرحلة فتور دبلوماسي، باقتراب تونس من الجزائر، من خلال التنسيق الأمني والسياسي بين البلدين بدرجة عالية غير مسبوقة. وقد سبق للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أن أشار إلى التقارب بين نظام السبسي والنظام الجزائري، هذا مع العلم أن السبسي كانت تربطه علاقات وثيقة مع الرئيس الجزائري السابق، قبل أن يصل إلى سدة الحكم في بلاده. ففي 2013، استقبله بوتفليقة في قصر المرادية بالعاصمة الجزائر، بصفته رئيسا لحزب "نداء تونس" المعارض، كما أنه بعد انتخابه رئيسا لتونس، اختار الباجي قائد السبسي أن تكون الجزائر أول محطة خارجية له، وعلى الرغم من ذلك نهج الرئيس السبسي سياسة الحياد حول نزاع الصحراء. وعلى عكس الرئيس التونسي الراحل بورقيبة الذي كان موقفه مساندا لمغربية الصحراء، حيث حاول أكثر من مرة إقناع الرئيس الجزائري الراحل بومدين بالموافقة على استرجاع المغرب للصحراء، لكن دون جدوى، فإن الرئيس قائد السبسي أخذ موقفا حياديا تجاه النزاع ، أكثر من ذلك كان النظام التونسي متحيزا أحيانا للموقف الجزائري إرضاء له، وهذا ما تفسره تصرفات مسؤولين تونسيين، فمثلا، سبق أن ألغى رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد الزيارة التي كان من المقرر القيام بها إلى المغرب في فبراير 2016 حتى لا يضطر إلى حضور مؤتمر منعقد في مدينة الداخلة. بعدها بأسابيع، استخدم تعبير "الصحراء الغربية" في مؤتمر صحفي منعقد بتونس، عوض الصحراء المغربية، وأيضا رفض رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، في يونيو 2017، في لقاء القمة المغربية التونسية مع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، اعتماد فقرة تهم مغربية الصحراء في البيان الختامي. مبادرات ملكية جدير بالإشارة الى أن جلالة الملك محمد السادس قام بمبادرات عديدة من أجل تمتين العلاقات المغربية التونسية، كزيارته إلى تونس في ماي 2014 والتي توجت بالتوقيع على 23 وثيقة قانونية، و إعطاء تعليماته لإقامة مستشفى ميداني مغربي متكامل بمنطقة "راس جدير" بالجنوب التونسي لدعم الجهود التونسية في إيواء ومساعدة اللاجئين الليبيين ومن جنسيات أخرى. كما عبر المغرب عن استعداده لوضع تجربته في مجال العدالة الانتقالية وتقديم المساعدة اللازمة لتونس، خاصة في ما يتعلق بهيإة الإنصاف والمصالحة التي تعد نموذجا فريدا يحتذى به على صعيد العالم العربي. فضلا عن مبادرات أخرى تعبر عن حسن نية المغرب في توطيد العلاقات الثنائية. وقد كان المغرب يراهن، بعد وفاة قائد السبسي، على مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين وفرصة جديدة لاستشراف الآفاق المستقبلية للتعاون الثنائي وتذليل العقبات وتقارب وجهات النظر، من أجل الوصول إلى موقف موحد بخصوص مغربية الصحراء، وليس موقفا تونسيا محايدا أو متحيزا أحيانا، و أيضا الإسهام بصورة فعالة في بناء صرح اتحاد المغرب العربي الذي يظل من أولويات السياسة الخارجية المغربية ، باعتباره خيارا إستراتيجيا لا محيد عنه. وبمناسبة انتخاب الرئيس الجديد سعيد قيس، كان المغرب ينتظر من دولة تونس في ظل سياسة هذا الرئيس تحقيق نوع من التوازن في علاقتها بكل من الجزائر والمغرب، أي أن يكون هناك القدر نفسه من المسافة تجاههما. وهي قاعدة ترسخت عبر ممارسة الدبلوماسية التونسية . كما سعت الدبلوماسية المغربية إلى لعب دور مهم في هذا الإطار لتقريب وجهات النظر وفتح صفحة جديدة، حتى لا تترك المجال للجزائر وحدها لاحتكار علاقتها مع تونس والتأثير في قراراتها الاستراتيجية، لكن ارتماء الرئيس التونسي في أحضان الجزائر حال دون ذلك. استقبال خارج الشرعية الدولية أما الذي أفاض الكأس، هو استقبال الرئيس التونسي لزعيم كيان غير معترف به من قبل الأمم المتحدة، مما يعد تصرفا مخالفا للشرعية الدولية وموقفا عدائيا للمملكة المغربية، التي ما فتئت تدافع عن الوحدة الوطنية لتونس والاستقرار والأمن فيها، ويتعارض مع الروابط التاريخية والأخوية بين البلدين. هذا الموقف المبهم، الذي يمكن تفسيره مؤشرا للاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية، لا يعبر عن الإرادة الحرة للشعب التونسي وجل القيادات السياسية والمدنية والنخب الثقافية بتونس. إن تونس ظلت لعقود تسير على الحياد في هذا الملف، وهي تعرف حساسيته لدى المغرب، ولم تختر في أي مرحلة سابقة، سواء في عهد الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة أو الرئيسين الراحلين زين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي، أن تقف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، وهو ما مكنها من لعب دور نشط وفعال في التأسيس لاتحاد المغرب العربي عام 1989، وكانت حلقة الوصل بين مختلف الدول المغاربية. تونس في قبضة الجزائر دولة تونس أصبحت في قبضة الجزائر، التي تمنحها إعانات للتخفيف من أزمتها الاقتصادية الخانقة، وتدعم بقاء الرئيس قيس على كرسي الرئاسة، بوسائلها المعلنة وغير المعلنة، وبالتالي لن يكون موقف الرئيس التونسي مستقلا عن دولة الجزائر. ومما ساهم في تعميق الأزمة، بلاغ وزارة خارجية تونس ردا على بلاغ وزارة الخارجية المغربية والذي تضمن عبارات التعنت والتحدي والمعاملة بالمثل بخصوص استدعاء السفير التونسي للتشاور، في وقت كان ينتظر اعتذار الرئاسة التونسية عن خطئها الفادح والمتهور. ويستنتج من هذا البلاغ أن الرئيس التونسي سيظل متشبثا بموقفه الداعم لجبهة البوليساريو ضدا على إرادة الشعب التونسي، وضدا أيضا على المواقف الرسمية للحكومات التونسية المتعاقبة الداعمة للقضية العادلة للمملكة المغربية، و بالتالي فإن الأزمة الدبلوماسية بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية ستتجه إلى التصعيد، وستعرف العلاقات المغربية التونسية نوعا من التوتر قد يصل إلى القطيعة في الأيام المقبلة، ما لم تغير دولة تونس من موقفها العدائي والمتعارض مع الشرعية الدولية بخصوص ملف الصحراء. ومهما يكن، فإن تونس هي الخاسر الوحيد مما حصل اليوم، إذ لن تستفيد من زيارة غالي واستقباله رسميا، أمام احتجاج عدد من الدول الافريقية، وحتى اليابان، ثم إن الرئيس التونسي دمر ثوابت الدبلوماسية التونسية ولم يسع إلى تسهيل الحوار بين بلدان المغرب العربي الكبير، خاصة بين المغرب والجزائر، لجمع الشمل وتجاوز الخلافات لمصلحة الشعوب ومستقبل المنطقة، بل إنه سعى إلى القضاء على حلم شعوب المنطقة: اتحاد المغرب الكبير. (*) مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية