الاعتداء على الأمنيين… “الضسارة”

أحدها كلف شرطيا حياته وصرامة للقطع مع الظاهرة ومواطنون يطلقون حملات تضامن تنامت في الفترة الأخيرة ظاهرة الاعتداء على أمنيين أثناء مزاولة مهامهم من قبل جانحين. وخلف اعتداء مأساة بعد وفاة شرطي بالخمسيات متأثرا بطعنة خلال عملية أمنية. القواسم المشتركة بين هذه الاعتداءات أنها تمت علانية وأمام المارة الذين اكتفى بعضهم بتصوير المشهد. لوحظ أن المعتدين يستعرضون عضلاتهم، وعيونهم تحمل الشر وحقدا دفينا على رجال الأمن، دون مراعاة تضحياتهم ليل نهار من أجل حماية المواطنين وممتلكاتهم. إنجاز : مصطفى لطفي حدثان خففا من صدمة المغاربة بظاهرة الاعتداء على رجال الأمن، إدانة معتد على شرطيين بالحسيمة بثلاث سنوات حبسا نافذا في ظرف قياسي، ما خلف ارتياحا كبيرا لدى الجميع، وظهور «هاشتاغ» على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت فيه جميع أطياف الشعب المغربي، تضامنها مع جهاز الأمن، وطالبت بردع كل من سولت له نفسه الإساءة إليه. «السيبة» لم يستفق المغاربة من صدمة وفاة شرطي بالخميسات بعد طعنه من قبل جانح عربد بالشارع العام بسكين، حتى كانوا أمام صدمات أخرى، أولاها انتشار مقطع فيديو لشاب في حالة هيجان يهاجم شرطيي مرور بالحسيمة بآلة راضة، أمام أنظار المارة الذين اكتفوا بالتنافس على تصويره من جميع الزوايا، وبعدها بفترة وجيزة، تم بث فيديو آخر من البيضاء، يظهر فيه شخص يهاجم شرطي مرور بقضيب حديدي، في حين يسارع شريكه إلى جر دراجة نارية تبين أنها مسروقة. والمثير أيضا في هذا المشهد، أن الجميع لم يقدم الدعم لرجل الأمن. هذه الاعتداءات لم تكن حكرا على جانحين، بل اعتدت زوجة فنان شعبي شهير بالقنيطرة على رجال الشرطة لتحرير ابنها من الاعتقال، إذ كالت لهم السب والشتم وحاولت ضرب أحدهم، الذي تعامل ببرودة أعصاب واحترافية مع غضبها، قبل إدانتها بعقوبة حبسية. ردت المديرية العامة للأمن الوطني بشكل صارم على تلك الاعتداءات، بداية باستنفار عناصرها لاعتقال المتورطين وتفعيل القانون في حقهم مهما كانت مكانتهم الاجتماعية، وانتصابها طرفا مدنيا أمام القضاء، على نقيض حقب سابقة كان الشرطي الضحية يجد نفسه وحيدا ودون مساندة للحصول على حكم قضائي يعيد الاعتبار له. أسباب الظاهرة في عقود سابقة كان الاعتداء على رجل أمن من سابع المستحيلات، فمجرد إبداء مقاومة ولو يبسيطة في حقه، تكلف صاحبها الكثير أثناء وضعه في الحراسة النظرية وبعد عرضه على القضاء. كانت لرجال الأمن هيبة خاصة، يكفي مرور سيارة الشرطة ليتفرق الجميع. صحيح أن هذه الفترة كانت مشوبة بخروقات حقوقية كبيرة وشطط يصل إلى حد التعسف في الاعتقال، لكن قرار المغرب قطع مع هذه الحقبة وعزز المزيد من الحريات والحقوق والضرب بصرامة مع كل استغلال معيب للسلطة، سيفتح الباب أمام فئات لاستغلال هذه القفزة الحقوقية للانتقام، عبر تلفيق تهم كيدية لعناصر الأمن، والدخول في مواجهات معها بحجة عدم قانونية بعض عملياتها، بناء على تأويل مغلوط للقانون وفهم سطحي لبعض المساطر القضائية. كانت البداية خلال متابعة أمنيين بالبيضاء بتهمة تعذيب معتقل، فاستغل جانحون هذه القضية لابتزاز رجال الشرطة لتفادي تفعيل القانون خوفا من المتابعة، كما حدث لشرطيين بمنطقة ابن امسيك بالبيضاء قبل سنوات، عندما اعتقلوا جانحا عربد بالشارع العام وهدد المارة بأسلحة بيضاء، وأثناء وضعه في المعقل شرع في ضرب رأسه مع الجدران إلى أن أصيب بجرح بالغ واتهم معتقليه بتعذيبه. وجد الأمنيون أنفسهم مهددين بالاعتقال وفقدان وظيفتهم مقابل تهمة باطلة معززة بشهادة طبية، لولا أحد أقارب المتهم الذي أقر بالحقيقة، فرفع حبل العقوبة عن أعناقهم. أسباب أخرى تحرض على تعنيف الأمنيين، وهي ظاهرة «عائلات الفشوش». أناس بسبب مركزهم الاجتماعي وثروتهم يتوهمون أنهم فوق القانون، يهددون كل رجل أمن حاول تطبيق القانون، بعلاقاتهم النافذة وقدرتهم على طرده من عمله باتصال واحد مع مسؤول كبير في الدولة. في البداية، تحاشى رجال الشرطة هذه الفئة، وتغاضوا عن تجاوزاتها خوفا على وظيفتهم، لكن الأمور تغيرت بشكل جذري بعد تعيين عبد اللطيف الحموشي على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، إذ كان لواقعة تحرير مخالفة سير في حق قريبة المدير العام للأمن، وتقبلها الأمر بصدر رحب، بل هي التي أصرت على تفعيل القانون، رسالة أن الجميع سواسية أمام القانون، ومن ثم صارت المتابعة القضائية تطارد «أولاد الفشوش» إذا تمردوا على رجال الأمن أو تجرأ أحدهم على تهديدهم. المديرية العامة ... سند الضحايا يقر محمد أكضيض، خبير في الشؤون الأمنية، بتزايد موجة العنف ضد رجال الأمن، سيما أن أخبار هذه الاعتداءات تعد مادة دسمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تحظى باهتمام خلية التواصل التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، التي صارت مؤسسة وطنية مفتوحة على الجميع، عبر إصدار بلاغات في شأنها. وأكد الخبير أن تعنيف الأمنيين ظاهرة عالمية وليست حكرا على المغرب، وأن مثل هذه الأحداث تشهدها بلدان متقدمة، محددا أسبابها في الهدر المدرسي وأيضا الاحتقان الذي يشهده المجتمع، وانحراف الشباب، ما حولهم إلى «ذئاب مفترسة» لا تحترم القانون والمؤسسات وتؤمن بشريعة الغاب. ورغم هذا التسيب، يشدد أكضيض، على أن المديرية العامة للأمن الوطني، لها عزم وإرادة قوية لتطبيق القانون وزجر المخالفين، مهما كانت مكانتهم في المجتمع، والدليل إحالة العديد من «أولاد الفشوش» على القضاء. ونبه الخبير إلى مسألة مثيرة وهي أن الاعتداءات طالت فقط عناصر شرطة المرور، وليس أفراد الشرطة القضائية بكل تخصصاتهم، والسبب يعود إلى فروقات في التكوين وطبيعة التخصص المهني، فعناصر الشرطة القضائية تحظى بتدريب وتكوين خاص على مواجهة كل أنواع الجرائم بشكل احترافي وتقني، ما يجعل الجانحين يترددون في الاعتداء عليها, إلا في حالات نادرة، أما شرطي المرور، فمهمته هي تنظيم المرور وزجر مخالفاته. وأكد اكضيض أن ما يحسب للمديرية العامة للأمن الوطني حاليا، أنها تتفاعل بسرعة كبيرة مع أي اعتداء يتعرض له رجال الأمن، بل تنتصب طرفا مدنيا أمام القضاء، دون إغفال عبارات التنويه والتمكين من الترقية الاستثنائية في حالات خاصة. كما تدخل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية على الخط لرعاية الأمني الضحية وعلاجه ومصاحبته اجتماعيا، لكن رغم تلك المجهودات الكبيرة، يظل القانون الجنائي عاجزا عن توفير حماية أكبر لرجال الأمن. عقوبات غير كافية يرى مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، أن ظاهرة الاعتداء على الأمنيين أصبحت تؤرق بال مؤسسات الدولة، لأنها تمس بهيبتها والاحترام الواجب لها، فإذا كان رجل الشرطة، المكلف بحماية المواطنين يتعرض لاعتداء، فكيف للمواطن أن يشعر بالأمن والاطمئنان؟، فهذا يكون سببا في تراجع الثقة في رجال الشرطة الذين لم يستطيعوا حماية أنفسهم. وأسباب الظاهرة تظل متعددة، أبرزها ما هو نفسي تعلق بشخص المعتدي الذي يكون في حالة غير طبيعية، بسبب المخدرات والأقراص المهلوسة والخمور، إضافة إلى ضعف تكوين الشرطي في فنون الدفاع عن النفس، وعدم تمكينه من وسائل الدفاع عن النفس كالعصا الإلكترونية، كما هو معمول به في بلدان متقدمة. وأكد العبودي أن القانون الجنائي رغم تشديده العقوبة، والتي تصل إلى الإعدام في حال وفاة الشرطي ضحية الاعتداء، إلا أن الآلية القانونية غير كافية لمعالجة هذه الظاهرة، بل يجب على معاهد التكوين تدريس أفراد الشرطة فنون القتال، والاهتمام بلياقتهم البدنية، كما يجب إعادة بناء الثقة بين المواطن وجهاز الأمن لتفادي هذا الشنآن الذي يتطور إلى اعتداء مستقبلا، عبر توفير جميع مؤسسات الدولة للمناخ المناسب لتهذيب المواطنين ودفعهم إلى التخلي عن العنف، سواء مع بعضهم البعض أو مع موظفي الدولة. *محام بهيأة الرباط ترند تضامن مطلق مع الأمن همت موجة الغضب مواقع التواصل الاجتماعي، وأجمع روادها على أن الاعتداء على رجال الأمن، هو إساءة للمؤسسة الأمنية وضرب للأمن العام، محملين المسؤولية إلى الجهل والفهم السيء للحريات وحقوق الإنسان. علق شخص يحمل لقب «غريب، على ذلك بالقول «هذا كله راجع لحقوق الإنسان التي ليست بمقاسنا وما زلنا لم نبلغ من الوعي والتعلم إلى درجة تحقيق هذا القانون، والسلطة تدفع ثمن تطبيق حقوق الإنسان على بعض أشباه البشر». أما شاب فدعا إلى تشديد العقوبة، إذ جاء في تعليقه «لا للعنف ضد رجال الأمن، بكل أطيافهم لأن هذه الحالات تعتبر عصيانا مدنيا وتحديا للقانون والمشرع، لذا وجب الزجر بأقصى العقوبات كما يجب على رجال الأمن تطبيق القانون بسلاسة، نظرا لما يشهده المواطن من ضغوطات». أما تعليق آخر فاعتبر الاعتداء نوعا من الإرهاب، إذ جاء فيه « السبب حين يستفيد ذوو السوابق من حقوق الإنسان، ويستهلكون المخدرات بشتى أنواعها، والسجون تصبح فنادق خمسة نجوم للمجرمين، والعقوبات الخفيفة أو المعدومة، فلو كان هذا الجاني أو المجرم يعاقب عقابا رادعا أو مضاعفات حسب عدد تكراره الجريمة لما أصبحنا نشاهد هذه السيبة وهذا الإرهاب، لذا وجب أن تسقط تلك الحقوق الإنسانية على كل من مس بحقوق الغير، و تشديد العقوبات وإلا سوف نصبح كالمكسيك أو البرازيل أو الإكوادور». تعليق صغير، لخص فيه صاحبه الواقعة بالقول «الجهل مع الحرية يعطي مجتمعا فوضويا». من جهة ثانيا، حمل شاب المسؤولية للعمل الحقوقي، بطرح سؤال «كيف الآن تطلب من الشرطي أن يعمل عمله مع المجرمين والأشرار، وجمعيات حقوق الإنسان تتربص له وتنتظر أي هفوة أو كلمة أو فعل يصدر منه لتندد به وتتابعه قضائيا، هل الشرطي إنسان أم لا ؟!»

الاعتداء على الأمنيين… “الضسارة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

طعون في تعيينات بالجامعات

اعتقال رئيس جماعة ببولمان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات