كتاب جديد يتتبع الآلية الخطابية عبر تاريخ الفلسفة صدر حديثا للباحث محمد فنان كتاب اختار له عنوان "فلسفة الحجاج في التراث الغربي" مذيل بعنوان فرعي هو "بحث في الأنساق والإبدالات". وحاول فنان في هذا البحث تتبع أصول نظرية الحجاج، بدءا من مرحلة التأسيس لدى السوفسطائيين في اليونان القديمة، حيث كانت الممارسة الحجاجية فعلا مشاعا بين الناس، يتعلمونه بغاية الدفاع عن ملكياتهم وما يمكن أن يحتاج في حياتهم المعيشة أن يدافعوا عنه. وأبرز المؤلف أهم ما لحق الحدث الحجاجي الذي أسس له السوفسطائيون، وصاروا يدافعون عنه، وينشرونه بين الناس، وهو ما زاوله سقراط، الذي ذهب الكاتب إلى اعتباره أول أعداء الديموقراطية، بسحبه حق الكلام من عامة الشعب، وجعله حكرا على فئة المثقفين. واعتبر فنان أن هذه الفئة كانت تؤسس لثقافة النظام الحاكم الذي ثار على سابقه، مما فرض عليه ضرورة إزاحة كل ما يتصل بثقافته، وآليات التفكير الخاضعة لها، في سبيل تكريس ثقافة جديدة تنتمي لهذا النظام، وترسخ ما يخدمه من معارف، مما انتهى بالنسق الفكري السقراطي والأفلاطوني معه إلى مهاجمة التصور السفسطائي والقضاء على ثقافته الخطابية. وواصل المؤلف تتبعه لخط تطور الحجاج والخطابة معتبرا أن أرسطو زاد من حدة احتكار الحق في الكلام الخطابي من ناحيته الدفاعية، فبعدما كان حقا جماعيا مع السوفسطائيين، رفعه سقراط وأفلاطون إلى طبقة النخبة المثقفة الحاكمة، ليصير مع أرسطو قابعا وسط جدران المحاكم، يخاطب به مجلس الشيوخ ومعهم القضاة والمستشارون، وقد كان يتوجه به الخطيب إلى كافة الشعب، وهو ما رأى فيه المؤلف نوعا من الإقصاء، وبالتالي الحرمان من الحق في التفكير أولا، ثم الكلام في ما بعد. وخصص الباحث أحد فصول الكتاب لعرض أهم الأسس المرجعية التي تقوم عليها الممارسة الحجاجية الأرسطية، والتصور الأرسطي للخطاب الحجاجي، مع الوقوف عند أقسام الخطابة الأساسية كما تصورها أرسطو. كما تطرق محمد فنان لأبرز امتدادات الفعل الحجاجي في العالم المعاصر، وما عرفه هذا الفعل من ارتداد، فقد أظهر صاحب الكتاب أن الممارسة الحجاجية تعرضت للأفول حين تحولت إلى تمارين جافة يتم تعلّمها وتدريب النشىء عليها مما استدعى، بعد حين من الدهر، إقامة ثورة معرفية تعيد الاعتبار للممارسة الحجاجية. عزيز المجدوب