تورطوا في قضايا رشوة والمجتمع أضحى ينظر إليهم بعين الريبة والتوجس "أقسم بالله العظيم أن أمارس مهامي بحياد وتجرد وإخلاص وتفان، وأن أحافظ على صفات الوقار والكرامة، وعلى سر المداولات، بما يصون هيبة القضاء واستقلاله، وأن ألتزم بالتطبيق العادل للقانون، وأن أسلك في ذلك مسلك القاضي النزيه"، قسم يؤديه الملحق القضائي بمجرد تخرجه وحين استلام ظهير التعيين في سلك القضاء، وهو بمثابة خارطة الطريق في تدبير العمل في مؤسسة يعهد إليها تطبيق العدل والفصل في النزاعات وإحقاق الحقوق، دون محاباة، في احتكام إلى القانون. القسم الذي هو بمثابة رقيب على القضاة، يتم الدوس عليه من قبل بعضهم. وعوض تحقيق الحق وإعمال القانون تحل الرشوة والفساد محله، لينتهي الأمر ببعض المفسدين في الجهاز إما بالعزل أو المتابعة الجنائية، إذا كان الخطأ المرتكب جسيما. قضايا كثيرة تورط فيها قضاة خالفوا الضمير والواجب، وشكلوا، وإن على قلتهم، تلك "الحوتة لي كتخنز الشواري"، بعد أن أضحى المجتمع ينظر إليهم بعين من الريبة والتوجس. القضايا التي تورط فيها قضاة بالرشوة وانتهت في المحاكم وإن على قلتها، أحدثت نوعا من الشرخ، "فالفقيه لي نتسناو براكتو دخل للجامع ببلغتو"، وعاث فسادا، وشكلت بعض تلك الملفات نقطة استفهام خاصة بالنظر إلى المتابعين فيها من قضاة، فبعد أسابيع قليلة من الفضيحة التي شهدتها استئنافية بني ملال، في نهاية يونيو الماضي، والتي كان بطلها رئيس غرفة الجنايات الاستئنافية باستئنافية بني ملال، الذي ضبط متلبسا برشوة قدرت بـ 15 مليونا نظير تخفيف الحكم، وهي القضية التي انتهت به في سجن العرجات، بعد أن قرر قاضي التحقيق متابعته في حالة اعتقال، اندلعت فضيحة ثانية بمحاكم العاصمة الاقتصادية فضيحة مماثلة أطاحت بأربعة قضاة، ثلاثة منهم بالمحكمة الزجرية وبصفة أدق في النيابة العامة والرابع مستشار بمحكمة الاستئناف، بعد الأبحاث التي أشرفت عليها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بناء على تعليمات الوكيل العام لاستئنافية البيضاء في شأن البحث والتحقيق في قضايا رشاو لسماسرة، أظهرت التسجيلات الهاتفية تورط قضاة معهم في تلك العمليات، إما بصفة مباشرة أو عن طريق التدخل لدى زملائهم. ملف قضاة البيضاء لا يحمل في طياته فقط الرشوة بل هناك جانب ثان يتهم فيه احد وكلاء الملك بالمحكمة الزجرية الابتدائية بالبيضاء، وهو البغاء والفساد واستغلال المنصب في ذلك وداخل حرمة المحكمة، وهي ممارسات شبيهة بتلك التي أوقعت نائب وكيل الملك بالمحكمة ذاتها منذ سنتين مضت وانتهت به في السجن والإدانة لمدة خمس سنوات. هيبة الجهاز الفساد الذي ينخر الجسم القضائي، وإن كان بحالات قليلة، إلا أن ذلك يثير العديد من علامات الاستفهام بالنظر إلى شخصية المتابعين فيها وما كانوا يدعونه من نزاهة واستقامة، غير أن الواقع كان غير ذلك، وهو ما فتئ محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يؤكد بشأنه على ضرورة التصدي لكل مظاهر الفساد داخل الجسم القضائي، بإعمال المقتضيات المنصوص عليها قانونا ورفع مستوى الأخلاق القضائية بما يحفظ شرف القضاء وكرامته ومنسوب وقاره ويصون الاستقلالية والحياد والتجرد ويعزز الشفافية والنزاهة، على اعتبار أن الأخلاقيات القضائية تعتبر التزاما قانونيا على عاتق القضاة ومخالفتها تؤدي إلى المساءلة التأديبية. واعتبر الرئيس المنتدب أن ذلك التصدي ينبني على تقوية الإطار القانوني والإجرائي للمساءلة التأديبية، بالسعي إلى مراجعة الإطار القانوني للمسطرة التأديبية المضمنة في القانون التنظيمي للمجلس والمتسمة بالطول والتعقيد، ومراجعة الإطار القانوني لتوقيف القضاة المتورطين في قضايا مخلة بالنزاهة والشرف، والسعي إلى تعديل القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة لتوفير الآليات التي تمكن المجلس من إصدار قرارات بإعادة تكوين القضاة في المواد التي يرتكبون فيها أخطاء مهنية، وتفعيل مسطرة تتبع ومراقبة ثروات القضاة والتصريح بممتلكاتهم. ويرى المتتبعون أن استقلال السلطة القضائية، ليس امتيازا للقضاة ليعيثوا فسادا، وإنما هو سيف رقابة يتطلب منهم الكثير من الحرص للحفاظ على هيبة الجهاز وعلى ثقة المتقاضين وعلى سمو الرسالة، ويبقى العنصر الأساس في المقام الأول هو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في توجيهاته السامية، ألا وهو الضمير المسؤول بكل حمولاته الأخلاقية. كريمة مصلي