الاتجار في البشر مأساة متواصلة

فضيحة بوتيي تؤكد استمرار معاناة النساء في أماكن العمل فتحت واقعة الاعتداءات الجنسية التي ارتكبتها جاك بوتيي المدير العام لمجموعة من الشركات الاستثمارية بعاصمة البوغاز، والمعتقل بفرنسا على خلفية متابعته بجرائم الاتجار بالبشر واغتصاب قاصر، والمشتكى به بالمغرب من قبل نساء ضحايا اعتداءات جنسية تقدمن بشكاوى في مواجهته أمام النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بطنجة، وفي مواجهة عدد من مسيري الشركات المملوكة له، (فتحت) ملف الاتجار في البشر في الشق المتعلق بالتحرش والاعتداء الجنسي من خلال استغلال السلطة والترهيب والإغواء، وهي أفعال مجرمة حسب القانون لكن الواقع يفيد غير ذلك. إنجاز: كريمة مصلي سبع شكايات قدمتها الضحايا في مواجهة عصابة التحرش الجنسي بطنجة والتي انتهت بمتابعة ثمانية متهمين، ستة منهم في حالة اعتقال من أجل الاتجار في البشر نتج عنه مرض نفسي والمشاركة في ذلك والتحرش الجنسي، من قبل زميل في العمل وعدم التبليغ عن جناية واستعمال الوعود والهبات لحمل الغير على الادلاء بتصريحات وإقرارات كاذبة، واستعمال الوعود والهبات لحمل الغير على الإدلاء بتصريحات كاذبة، والغريب أن مسؤولين في شركة المتهم الرئيسي بطنجة كانوا يسهلون استغلاله للضحايا، من خلال اختيار شابات في وضعية هشاشة تتراوح أعمارهن بين 18 سنة و24، لتوظيفهن بإحدى شركاته، ويلعبون دور الوساطة لإقناعهن بممارسة الجنس مع رئيسهن بطرق شاذة، إذ يكون مصير الرافضات الاستفزاز والضغط النفسي، قبل أن يتم الاستغناء عنهن وطردهن من العمل. الضحايا يخرجن للعلن رغم أن موضوعي التحرش الجنسي والاستغلال الجنسي، يدخلان ضمن الطابوهات التي يفترض عدم الإفصاح عنها، بل في أغلبها تتم محاسبة الضحية وكأنها المتهمة، خرجت بعض ضحايا ملف الاتجار في البشر الذي تشهد وقائعه طنجة، بعد اندلاع فضحية الاستغلال التي تورط فيها جاك بوتيي المدير العام، لمجموعة من الشركات الاستثمارية الفرنسية بالمغرب، ومساعدوه والذي اعتقل على فعل مشابه في فرنسا ماي الماضي. وأكدت مستخدمة سابقة بإحدى الشركات التابعة لبوتيي في طنجة أن تجربتها المهنية كانت قاسية، بل كانت أشبه بالعيش في جهنم، لأنها تعرضت للتضييق النفسي والجسدي من لدن المدير العام للمجموعة الفرنسية، مشيرة إلى أن الشركة كانت تستهدف صنفا محددا من النساء الشابات والطموحات بشكل ممنهج، من خلال مباريات التوظيف، إذ يتم استدعاء الشابات صغيرات السن، واللائي يعانين ظروفا مادية صعبة وإغرؤهن بإمكانية تقلد مناصب مهمة بالإضافة إلى منحهن أموالا كثيرة لتلبية رغبات المدير العام للمجموعة. تصريحات الضحايا أكدت أنه بعد رفع شكايات أصبحن يتعرضن للعديد من المضايقات وصلت حد التهديد والتشهير. قاصر وراء الإطاحة بالملياردير وقفت التحقيقات الأولية التي أجرتها شرطة باريس مع المليردير الفرنسي جاك بوتيي المتورط في احتجاز واغتصاب قاصر أجنبية، على أن الضحية قاصر من أصل مغاربي، استغلها رجل الأعمال لمدة قاربت خمس سنوات، وحاول التخلص منها بعد اختطافها وترحيلها إلى المغرب عبر شبكة إجرامية عالمية، لكن خطة بوتيي باءت بالفشل، بعدما تمكنت الفتاة من الوصول إلى الشرطة الفرنسية، لتنطلق رحلة البحث والتحري وتكشف عن جانب مظلم من حياة الملياردير، الذي كانت تستهويه الممارسات الشاذة واستغلال الفتيات القاصرات مقابل المال، والتخلي عنهن بعد فترة. متهمون في فرنسا بالإضافة إلى ما أسفرت عنه الأبحاث القضائية والتي مكنت من متابعة ثمانية أشخاص على خلفية الملف، شهدت فرنسا جملة اعتقالات في شأن بعض المتورطين في جرائم الفساد الأخلاقي، التي كان يقترفها الملياردير الفرنسي، إذ ارتفعت لائحة المتهمين في الملف إلى ثمانية أشخاص حسب صحيفة "لوموند"، التي أشارت إلى أن أحد المتهمين الرئيسيين يشتغل حارس أمن خاص، وهو ملاكم سابق، حيث وجه إليه القضاء تهما، تتعلق بالانتماء إلى خلية إجرامية وعدم التبليغ عن الاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى ضابط شرطة آخر من مركز "لا كورنوف" بضواحي باريس، متهم بالتواطؤ في أعمال الفساد وإفشاء الأسرار المهنية. كما يوجد أربعة ضباط شرطة آخرين رهن التحقيق الإداري، وفقا لمصادر إذاعة "آر تي إل" الفرنسية، التي أكدت أن الملاكم اتصل بضابط الشرطة بمركز "لا كورنوف" لمراقبة تحركات الضحية المغربية، التي كانت تهدد الملياردير الفرنسي بوضع شكاية لدى مصالح الأمن بباريس بعد تخلّيه عنها، وهو ما دفع ضابط الشرطة إلى الاستعانة ببعض زملائه للتحقق من وجود الضحية المغربية بمنزلها. الصمت للخوف < كانت ولا تزال الاعتداءات الجنسية ببلدنا وبباقي المجتمعات من المواضيع المحظورة (طابـــو)، لاعتبارات سوسيوثقافية ودينية وأحيانا سياسية. لكن الملاحظ في السنوات الأخيرة أننا بدأنا نلمس نوعا من الجرأة لدى الضحايا من أجل البوح والتبليغ عن هذه الاعتداءات، وربما يعود سبب ذلك إلى حصول وعي لدى الضحايا بأن الأفعال ارتكبت في حقهن وأنهن لسن مذنبات بل هن من تعرضن للضرر وللمس بكرامتهن وإنسانيتهن، وكذا تطور وعي نسبي لدى محيط الضحية من أجل مساندتها وليس اتهامها. وأشير كذلك الى مواكبة القوانين لهذه الأفعال الإجرامية وترتيب عقوبات مناسبة لخطورتها، إضافة إلى تسهيل وسائل التواصل الاطلاع على تجارب مجتمعات وأفراد واجهوا الاعتداءات الجنسية. ولا أنسى طبعا العمل الكبير في مجال التحسيس والمواكبة والترافع لجمعيات نسائية وحقوقية. وإذا كانت قضية رجل الأعمال الفرنسي جاك بوتيي المعتقل بباريس على خلفية ارتكابه لجرائم الاتجار بالبشر واغتصاب قاصر، كما تمت متابعة بعض المتهمين الآخرين بسبب جرائم الاتجار بالبشر أساسا سواء بفرنسا أو بالمغرب ارتباطا مع الملف نفسه، قد أعادت النقاش حول الاعتداءات الجنسية في أماكن العمل، فلأن هذه الاعتداءات هي واقع بل ظاهرة خطيرة تخلف ضررا كبيرا على الضحية نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، كما تؤثر سلبا على الأسرة ولها تكلفة باهظة على المجتمع والدولة. < في غالب الحالات تضطر الضحايا التزام الصمت للخوف ولعدم الثقة وللهشاشة الاجتماعية والنفسيــــة والفكرية ولرفض المجتمع أي نقاش حول كل ما يتعلق بالجنـــــس وبالاعتداءات الجنسية، اعتبارا للتمثلات الاجتماعية لهذه الظــــاهرة التي لا يمكن استيعابها وتحليلها إلا من خلال مقاربة سوسيولوجية لشكل قيم ومعاييــر السلوك الذي يتداخل فيه القيمي والديني والعادات والسياسي أحيانا. لكل هذه الاعتبارات تضطر الضحية للصمت وتحمل تبعات ومخلفات فعل جرمي جنسي قد يؤدي بها أحيانا إلى التفكير في الانتحار. ورغم التحول الذي عرفته الترسانة القانونية في ما يتعلق بردع الجرائم الجنسية وبما فيها قانون الاتجار بالبشر الذي تم وضعه طبقا للاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25/55 المؤرخ في 15 نونبر 2000 والتي فتح باب التوقيع عليها بمؤتمر باليرمو سنة 2000 وكذا البرتوكولات الملحقة بها، ورغم أن الإحصائيات تشير إلى ان أكثر من نصف ضحايا جرائم الاتجار بالبشر هم ضحايا الاستغلال الجنسي، إلا أن التعامل مع هذا القانون لا زال محدودا ويحتاج إلى إلمام كبير بمقتضياته وإلى جرأة لتفعيله وفي الإطار نفسه أصدر رئيس النيابة العامة منشورا يدعو من خلاله النيابات العامة إلى تكييف المتابعات في إطار الاتجار بالبشر عندما تتوفر العناصر التكوينية لهذه الجرائم التي تتجاوز أحيانا جناية الاغتصاب أو إعداد وكر للدعـارة أو غيرها. < تتركز أساسا جرائم الاستغلال الجنسي التي تدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر في أماكن العمل التي يتم فيها استغلال السلطة والنفوذ للمسؤول في حق الضحية التي غالبا ما تكون في وضعية هشاشة مما يسهل عملية استدراجها. وعلى العموم، فإن تطور الترسانة القانونية لمعاقبة الجرائم الجنسية خاصة قانون الاتجار بالبشر قد ساهم في نشر بعض الوعي بخطورة هذه الأفعال، إلا أن الواقع العملي يبين أن المسار لازال طويلا للحد فعليا من هذه الجرائم وهو ما يتطلب أساسا وضع مقتضيات إجرائية فعالة لحماية الضحايا، لأن هذه الحماية ستشجع الضحايا للبوح وكسر جدار الصمت، إضافة إلى وضع مقتضيات حازمة في جبر ضرر الضحايا. وبناء عليه، فإن الظاهرة تحتاج إلى مقاربة متكاملة ينخرط فيها عدة متدخلين وفاعلين سياسيين ومدنيين، كما تحتاج لدراسات سوسيولوجية لمواجهة التمثلات الاجتماعية التي تعيق تحرير كلمة الضحايا. وتبقى مسؤولية الحد من العنف الجنسي ملقاة على المجتمع ككل وعلى الفرد كذلك. * رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الضحايا محاكمة شعبية تحولت واقعة المتهم "جاك بوتيي"إلى قضية رأي عام، نظرا للوقع الذي خلفه افتضاح شبكته "جاك بوتيي» بطنجة والتي ذهب ضحيتها مغاربة يشتغلون بمقاولة رجل أعمال الفرنسي المعتقل بالعاصمة الفرنسية على خلفية ارتكابه جرائم خطيرة بفرنسا والمغرب، تتعلق بالاتجار بالبشر والتحرش الجنسي واغتصاب قاصر، على نفوس المتتبعين لخطورة الجرائم التي ارتكبت بالبلدين، بمساعدة مستخدمين له كانوا يقومون بدور الوساطة والضغط على الضحية المستهدفة لممارسة الجنس مع رئيس العمل مستغلين الضعف والحاجة اللذين تعانيهما لإجبارها على تلبية مكبوتاته تجنبا لتعرضها للطرد من العمل. ودخل نشطاء موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، على خط القضية، حيث تمت إقامة محاكمة شعبية لرجل الأعمال الفرنسي، الذي اختار الاستثمار في المغرب قبل الشروع في تنفيذ مخططه الإجرامي لاستغلال موظفات وعاملات في عمر الزهور. ومن بين التعاليق التي كشفت الاحتقان الذي يعيشه رواد العالم الأزرق، قول أحد النشطاء الفيسبوكيين إن المغاربة تعبوا من مثل تكرار مآسي استغلال العاملات والموظفات، من قبل أرباب العمل الأجانب الذين يسترخصون شرف المغربيات بسبب تواطؤ وسطاء وجدوا في الاشتغال لحساب شبكات الاتجار بالبشر والدعارة مشروعا للاغتناء السريع. من جهتها تساءلت إحدى الشابات وهي تتحدث بطريقة تعبر فيها عن حرقتها بالقول "واعباد الله واش غير اللي جا احكرنا ولا شنو، أ لهذه الدرجة صرنا مشتلا لاستغلال الظروف الاجتماعية للفتيات الصغيرات والعاملات الساعيات إلى إشباع نزوات مرضى نفسيين يرتدون صفة مستثمر؟ أين هي مراقبة مفتشي الشغل للوقوف على ما يجري، خاصة أن رب العمل كان يهدد الرافضات بالطرد ويسلبهن حقوقهن بعدم التعويض عن العطلة وغيرها من الحقوق". من جهتهم انتقد عدد من النشطاء والناشطات الفيسبوكيين، صمت الضحايا إلى درجة استغلالهن في ممارسات شاذة من قبل المتهم الرئيسي، متسائلين "هل التضحية بالشرف وقبول الإذعان لاعتداءات جنسية وممارسات شاذة يبررها الخوف من فقدان العمل، ألم يكن ممكنا تقديم شكاية ضد المتهم والوسطاء عوض الاستسلام، أم أن الطمع أعمى بصيرة من يرغبون في تسلق سلم الربح السريع".

الاتجار في البشر مأساة متواصلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المحروقات ... حقيقة الأسعار

إدانة رئيس جماعة باليوسفية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات