الملكية في المغرب ليست محط مساءلة

غياب حزب مهيمن يجعل المجتمع يعيش على إيقاع انقسامي تتصارع داخل بنيته مختلف الوحدات الأحداث التي تعرفها تونس ومصر والجزائر واليمن تؤشر على موجة الاحتقان الاجتماعي غير المسبوق في هذه البلدان، والتي تحولت إلى أزمة شرعية هذه الأنظمة السياسية، ما جعل الدول المغاربية الأخرى، تتخوف من انتقال عدوى الثورة إليها. عاش المغرب على إيقاع الاحتجاجات منذ سنوات، دون أن توضع معها شرعية النظام السياسي محط مساءلة، والسبب في ذلك، حسب عدد من الباحثين، يكمن في اختلاف بنية النظام السياسي المغربي وتركيبته الاجتماعية عن نظيرتها في المجتمعات العربية الأخرى. طبيعة الحكم العسكري في تونس أبعدت المواطنين عن المشاركة في تدبير الشأن العام بل ومن الحق في الاحتجاج السلمي باعتباره القناة المصرفة للعنف والمنفسة عن المكبوتات الاجتماعية، في حين أن شرعية الملكية وتجذرها التاريخي في المغرب تجعلها بعيدة عن المساءلة مقابل ما يحدث اليوم في النظامين التونسي والمصري، والجزائري أيضا، ففي هذه البلدان يكون الاحتجاج مرادفا للتمرد على السلطة الحاكمة لأنه سلوك يعبر الشعب من خلاله عن رغبة جامحة في الانعتاق من الحصار المفروض عليه، فتونس كانت دولة «بوليسية» قزمت دور المعارضة والنقابات في تأطير الاحتجاجات ولعب دور صد هجمات الشارع، كما يقول الباحثون في العلوم السياسية، إذ أن قوة الوسائط ، من احزاب سياسية فاعلة ومجتمع مدني نشط وخلاق ونقابات مؤطرة للمطالب الاجتماعية، يفضي إلى «أنسنة» وتليين الاحتجاجات فتغدو داعمة للنظام بدلا من أن تتحول إلى عوامل إنسلاحه عن قواعده الاجتماعية المؤسسة لشرعيته السياسية. شهد المغرب هزات اجتماعية قوية بلغت أوجها في عهد الراحل الحسن الثاني، فكانت أحداث 1965 بالدار البيضاء بسبب مطالبة المغاربة بحقهم في التعليم وسرعان ما تحول هذا المطلب إلى شعارات سياسية منددة بالنظام، واستعملت قوات الأمن والجيش الرصاص لقمع المتظاهرين، أما أحداث 1981 فشكلت انتفاضة الخبز باميتاز، بسبب الزيادات الصاروخية في المواد الأساسية، إلا أنها عكست عمق أزمة النظام السياسي، وهو ما ترجمه الاستعمال النفرط للقوة الذي انتهى إلى سقوط عشرات الضحايا.تكرر المشهد في محطات تاريخية أخرى، بدءا بأحداث 1984 في الشمال و1990 بفاس ثم أحداث صفرو وسيدي إيفني في سنة 2007، إلا أن ما كان يجمع كل هذه الأحداث هو أنها لم تحد عن بعدها الاجتماعي الصرف، ولم تصل إلى مستوى مساءلة شرعية النظام، خاصة أن المد الحقوقي في المغرب منذ منتصف التسعينات جعل السلوك الاحتجاجي قاعدة اساسية ألفها المغاربة في تبليغ رسائلهم ضد السلطة والحكومة، فمنذ سنة 1996، يؤكد الباحث ادريس بنعلي، لم يعد أحد يطرح شرعية الحكم، كما أن اتساع هامش الحريات وانخراط العهد الجديد في تجربة هيأة الانصاف والمصالحة التي حررت المغاربة من عدد من الطابوهات، جعل السلوك الاحتجاجي لدى المغاربة يقف عند حدود المطالب الاجتماعية الصرفة التي غالبا ما تتم عملية مأسستها من خلال لجان حوار مفتوحة محلية ووطنية حتى يتم تحديد نطاق المطالب وتليينها واحتواء أي إنزلاقات ممكنة وغير محسوبة العواقب.غياب حزب مهيمن على مؤسسات الدولة والمجتمع تابع مباشرة إلى الجهاز الحاكم كما هو الشأن عليه في مصر وفي تونس بنعلي، وجزائر بوتفليقة التي تحول معها الجيش إلى مؤسسة «سياسية» تدير البلاد عن بعد، يجعل من التركيبة الاجتماعية بالمغرب تعيش على إيقاع انقسامي تتصارع داخل بنيته محتلف الوحدات دون أن يبلغ هذا التوتر مداه الأقصى، إذ تلعب المؤسسة الملكية دورا أساسيا في احتواء هذه التناقضات لأنها محط إجماع من كافة المكونات الاجتماعية والسياسية، فيحولها من مركز المؤسسة الحاكمة إلى حكم يفصل بين كافة الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، ويرى بنعلي أن قوة الملكية واستمرارها نابع من هذا الدور التحكيمي ومن شرعيتها التي لم تعد محط نزاع، إلا أن ذلك يتطلب أن تحافظ الملكية على هذا الدور مع ضرورة القيام بإصلاحات عميقة تهم، حسب بنعلي، تأسيس لجنة مستقلة مكافحة جميع مظاهر الفساد المالي والإداري، ومحاربة الريع، مع خلق صدمة نفسية حقيقية تجعل البلاد تخرج من حالة الانتظارية التي تعيشها بسبب موت السياسية وتراجع دور الأحزاب وباقي المؤسسات الوسيطة، والقيام بإصلاحات دستورية عميقة تعيد الاعتبار إلى توازن السلط مع تشديد المتحدث نفسه، على ضرورة الحرص على استقلالية العمل السياسي والحزبي عن الدولة، وانتقد بنعلي تجربة الأصالة والمعاصرة، معتبرا أنها تهدد النظام أكثر ما تنفعه، فتجربة «الفديك» الذي أسسه رضا اكديرة في منتصف الستينات يقول بنعلي كانت لها أسبابها وظروف نشأتها، مادام أن المؤسسة الملكية كانت آنذاك في خطر، أما اليوم، فيرى بنعلي أن الملكية لم تعد في حاجة إلى حزب سياسي، لأنها تحظى بالإجماع، والملكية أصبحت اليوم ملكا لكل المغاربة. رشيد باحة

الملكية في المغرب ليست محط مساءلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شرارة ثورة الياسمين تصيب الجزائر

المكاوي: المغاربة مارسوا دائما "رياضة" الاحتجاجات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات