حفر ومطبات الطريق… من المسؤول؟

الدولة والبلديات ملزمة بالتعويض في حال تسببها في ضرر والمواطنون يسألون عن بناءات منع الوقوف أعادت فاجعة مقتل تلميذ وإصابة زميلتين له بجروح خطيرة، إثر مطاردة دراج أمني لهم، عندما كانوا يركبون دراجة نارية، طرح استفهامات عريضة حول مسؤولية الدولة في مثل هذه الحوادث، ليست فقط لأن الشرطي الموقوف على علاقة سببية بالحادث، ولكن أيضا لوجود حفرة غير مغطاة في مكان الاعتداء كانت سببا آخر في الكارثة، لا يقل عن التدخل المتهور المفترض المنسوب لرجل الأمن أثناء مزاولته مهامه. إنجاز: المصطفى صفر إذا كانت المطاردات الأمنية محاطة بمجموعة من الشروط والتدابير الواجب اتباعها، والتي قد تدفع في بعض الأحيان إلى استعمال القوة أو السلاح الوظيفي وفق ما هو مسموح به قانونا، إلا أن حدتها تختلف باختلاف الشخص أو الأشخاص المطاردين، إذ أن قوانين تؤطر التدخلات الأمنية في مواجهة المتلبسين بالجنايات أو الجنح، لكن في المخالفات يختلف الأمر، ويتحول الشطط في استعمال الحق الممنوح إلى الموظف الأمني إلى جريمة يتابع من أجلها قضائيا حسب نوع الضرر الذي تسبب فيه، وقد يتابع إداريا في حال شطط لم ينتج عنه ضرر. في حادث التلميذ ومرافقتيه، تكاد المسؤولية تكون ثلاثية، لولا التهور المبالغ فيه أثناء التدخل الأمني، والذي ستحدده خلاصة الأبحاث والتحقيقات التي باشرتها مصالح الشرطة القضائية عقب إبلاغها بالفاجعة، فالتلميذ الضحية كان مخالفا لقانون السير بحمله شخصين على دراجة نارية وعدم استعمال الخوذة، وهي جرائم لا تتعدى مخالفة يمكن تسويتها بعد دفع الغرامة التي يحددها القانون، لكن الأضرار التي نجمت عن التدخل المبالغ فيه لرجل الأمن، وإهمال تغطية البالوعة، لا تسوى بالتعويضات أو سجن المتسبب فقط، سيما أن آثارها المادية والمعنوية تطول عددا من الأشخاص الآخرين، لما يسببه لهم فراق عزيز أو إصابته بعاهة مستديمة. ويظل إهمال البالوعات الموجودة على الطريق الذي يستعمله الجمهور، أحد أكثر الأسباب المؤدية إلى حوادث مستعملي الطريق، وقد يقتصر بعضها على أضرار مادية تصيب الناقلة أو الدراجة، بينما بعضها قد يؤدي إلى أضرار جسدية أو الوفاة، وهو ما دفع المشرع إلى تقنين مسؤولية الجهة المكلفة بصيانة الطريق، وتحميلها المسؤولية التقصيرية في إطار الخطأ المؤدي إلى الضرر، وإلزام هذه الجهات بالتعويض عن ما تسببه من أضرار للغير، بسبب عدم قيامها بواجبها المتجلي أساسا في الصيانة والإشراف الملزمين بإزالة الخطر من الطريق. فالأصل أن هذه المسؤولية تجد سندها القانوني في ما يسمى بالخطأ الذي يرتكبه الشخص، كان طبيعيا أو معنويا، مؤسسات عمومية أو شركات، ويتسبب بواسطته في الإضرار بالغير، وهو ما حدده الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود، إذ ورد فيه أن: "كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر. والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر». فمجرد الإمساك عن فعل يدخل في مسؤولية الشخص المستهدف بالخطأ كان مرفقا من مرافق الدولة أو شخصا عاديا، ويدخل في الإمساك عن فعل، عدم القيام بواجب ولو كان ذلك بحسن نية، أي لم يقصد منه الإضرار بالآخر، وليست له نية التسبب في ضرر، فالخطأ هنا مفترض، والمسؤولية قائمة، مادامت الإدارة المعنية هي الجهة المشرفة على الإشراف والتسيير. ويحدد الفصل 79 بدقة المسؤولية المدنية للإدارة، إذ ينص على أن "الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها». فإهمال صيانة الطريق أو الحفر، ينتج مسؤولية متى وقع ضرر للغير، وهي مسؤولية ناجمة عن التقصير في أداء المهام، إذ المفروض في حسن الإشراف والتدبير هو التتبع وتجنب الأخطاء التي يمكنها أن تعود على الإدارة بتحميلها المسؤولية. وقد تحدث الفصل عن شخصين من القانون العام، وهما الدولة والبلديات، وهو بذلك يؤطر المسؤولية بدقة، سيما أن بعض الطرق لا تكون تابعة للبلديات، بل صيانتها تعود إلى وزارة التجهيز، وهو ما يتحقق معه عدم الإفلات من العقاب. ولا يمكن للدولة أو البلدية أن تدفع عنها المسؤولية بإلصاق التهمة بالموظف المعسر المتسبب في الخطأ، بل على العكس من ذلك، تظل مسؤوليتها قائمة وفق القانون، ومن حقها الرجوع إلى الموظف، بعد تنفيذ حكم التعويض لفائدة المتضرر، وهو ما يستشف من الفصل 80 من القانون نفسه "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم. ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها». مقاضاة الدولة يشار إلى أن القلة القليلة من المواطنين يلجؤون إلى مقاضاة الدولة أو البلدية عند وقوع أضرار مادية بسياراتهم بسبب حفر أو مطبات بالطريق، كما أن أغلب القضايا التي ترفع أمام القضاء الإداري المختص نوعيا في هذه الملفات، يكسبها المتضررون، ومن ضمنها تلك التي رفعها مواطن من الرباط أمام المحكمة الإدارية، بعد أن تسببت حفرة في حادثة، إذ فوجئ بحفرة بشارع الحسن الثاني سقطت فيها سيارته ثم زاغت عن الطريق ليفقد التحكم في القيادة وترتطم بشجرة ما ألحق خسائر مادية بالناقلة وسبب أضرارا جسدية للسائق، كما قدم أمامها الأضرار التي لحقت بالسيارة. خــــــــبـــــــرة حددت الخبرة المرفوعة إلى المحكمة مدة العجز الكلي المؤقت في 75 يوما، ونسبة العجز الجزئي الدائم في 15 في المائة، والآلام جد مهمة. وتم تقديم مذكرة بعد الخبرة مدلى بها من قبل دفاع المتضرر، ترمي إلى المصادقة على تقرير الخبرة، وتطالب بالحكم لفائدته بتعويض إجمالي حدد مؤقتا في مبلغ يزيد عن 34 ألف درهم، وحفظ حقه في تحديد التعويض النهائي إلى حين حصوله على تقرير الخبرة الحسابية والحكم لفائدته 63 بألف درهم تعويضا عن الخسائر المادية التي لحقت بسيارته. وبعد سلسلة من الجلسات ارتأت المحكمة بعد دراستها لمختلف الوثائق المدرجة بالملف، وتأكدها من ظروف وملابسات الحادث، أن مسؤولية الجماعة الحضرية للرباط قائمة لأنها الجهة المسؤولة عن تتبع صيانة الطرق العمومية الواقعة داخل دائرتها، وأن الحفرة الموجودة بالطريق شكلت عاملا أساسيا في وقوع الحادث، فقررت تحميل مسؤوليتها في حدود الثلثين للجماعة، و الثلث المتبقي للمدعي الذي ساهم بعدم تبصره في وقوع الحادث. وقضت المحكمة بتحديد تعويض عن الأضرار البدنية والمادية في مبلغ إجمالي قدره 90 ألف درهم، تحملت الجماعة الثلثين أي 60 ألف درهم. ولا تتوقف المسؤولية في بعض الأحيان على الدولة والجماعات، بل تتعداها إلى الأشخاص الذين يقومون بوضع مطبات لا تستوفي المعايير القانونية أو حواجز إسمنتية لمنع الوقوف وغيرها من البناءات التي تضيق الطريق وتعرقله، بل إن المتسببين في وضع هذه الأشياء بالطريق يساءلون شخصيا عن هذا السلوك، وترتفع حدة مسؤوليتهم على متابعتهم بجنح في حال سببوا أضرارا للغير تعدت فيها نسبة العجز 21 يوما، وقد ترتقي المتابعات إلى جناية حين يسبب الشيء المعرقل للطريق أو المضيق لها، عاهة مستديمة للمتضرر أو وفاة. مسؤولية الدولة < أولا لابد من الإشارة إلى أن القانون ضمن للمواطن حقوقا كثيرة، وأن هذه الحقوق لا يمكن نيلها إلا بمباشرة المساطر القضائية أمام المحاكم المختصة، وأن القضايا المرفوعة في هذا الإطار تعبر عن تحضر المواطن، وتدخل أيضا في خانة محاربة الفساد والتقصير، كما أنها تضمن للمتضرر تعويضات لجبر الضرر المباشر الذي تسببت له فيه. وبالنسبة إلى ما وصفتموه في السؤال بالحفر والمطبات بالطريق العمومي، فإن الجهات المشرفة على الصيانة والمراقبة مسؤولة عن الأضرار التي تلحق بالمواطنين بسبب ذلك، وغالبا ما تكون البلديات والجماعات القروية مشتكى بها في هذا الباب، كما أن وزارة التجهيز مسؤولة أيضا عن نوعية من الطرق التي تتكلف بصيانتها ومراقبتها، وقد تحل محلها الشركات المفوض لها تدبير تلك الطرق في التعويض. < الفصل 79 من قانون الالتزامات واضح في هذا الباب، ويرجع المسؤولية التقصيرية إلى الدولة والبلديات، بشرط أن يكون الضرر ناتجا مباشرة عن تلك الحفرة أو الأشغال. فالمسؤولية هنا مفترضة ولا يمكن أن تتملص منها الجهة الإدارية المشرفة على التسيير والإشراف والصيانة والتتبع، سواء كانت بلدية أو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة. لكن هذا لا يمنع من التحدث عن جهات أخرى تكون مسؤولة بدورها في نوع من الحوادث بالطريق، من قبيل الأشخاص الذين يضعون براميل أو بناء إسمنتيا بالأزقة قبالة منازلهم لمنع الوقوف، فمتى تسببت هذه الأشياء في ضرر يسأل عنها واضعها، وقد تتحول إلى متابعة جنحية حسب الأحوال، كما هو الحال عند تسببها في حادثة نتجت عنها عاهة مستديمة أو وفاة. < بطبيعة الحال، فزجر مثل هذه السلوكات ينتج عنه ردع عام وخاص، أما الخاص فهو ما تدفعه الإدارة المتسببة في الحادث بسبب التقصير من تعويضات تستنزف ميزانيتها، والعام يعود إلى تنبيه الإدارات الأخرى من الوقوع في التقصير نفسه ودفعها إلى القيام بالمتعين في مراقبة الطرق التي تدخل في نفوذها وصيانتها. * محام بهيأة البيضاء المشكل تحت مجهر فيسبوكيين باعتبار مواقع التواصل الاجتماعي فضاء للحرية والتعبير، ووسيلة يتفاعل فيها نشطاء العالم الافتراضي مع كافة الوقائع والأحداث، أصبحت قضية الحوادث الناجمة عن الحفر والمطبات بالطريق والشارع العام محط نقاش شباب وفئات اجتماعية من مختلف الأعمار والأجناس، باعتبارها قضية تستحق الترافع عنها. من بين التدوينات التي تضمنها موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، صرخة أحد الشباب لتعرية اللبس الحاصل في أذهان عدد من المواطنين حول من يتحمل مسؤولية الحوادث الناجمة عن الحفر وتهالك الطرق العامة، في ظل اكتفاء عدد من البسطاء في تحمل تكاليف الخسائر المادية لسياراتهم أو دراجاتهم النارية ومصاريف الاستشفاء والتطبيب، اعتقادا منهم أن الأمر حادث عرضي يدخل في إطار القضاء والقدر، بالقول " مازال الناس ماواعينش بحقوقهم وهذا اللي خلا الجماعات والدولة تتقاعس عن حماية المواطن وتحمل المسؤولية فيما يقع له من حوادث لها علاقة بالحفر والمطبات التي توجد بالطريق والشارع العام، باستغلال جهله بحقوقه وعدم مطالبته بالتعويض للتملص من واجبها". وهي التدوينة التي تفاعل معها عدد من النشطاء بالقول "عندك الحق حفر الطريق مسؤولية تتحمل مسؤوليتها الدولة، إذ كيف يعقل أن تفرض الضرائب على المواطنين مقابل خدمات غير موجودة أو تفتقد للجودة المطلوبة". وعلى المنوال نفسه قالت إحدى الطالبات "تقاعس الجماعات الترابية عن القيام بواجبها في تغطية البالوعات المنزوعة الغطاء وردم الحفر وإصلاح المطبات حقيقة لا مفر منها وتستوجب وعيا جماعيا بالحقوق والواجبات لإصلاح ما يمكن إصلاحه، عوض التهرب من المسؤولية بحجة "سرقة أغطية البالوعات أو أن الشعب ماكيعاونش". من جهته قال أحد المواطنين "واش نلوموا البوليسي الذي قام بمطاردة سائق الدراجة النارية المخالف أم نلوم الشاب الذي اختار مخالفة القانون بقيادة دراجة على متنها ثلاثة أشخاص، أم نلقي باللوم ونحمل المسؤولية للجماعة التي استهانت بحياة المواطنين بترك الحفر والبالوعات دون غطاء رغم خطورتها على صحة مستعملي الطريق والمارة؟ حتى لو كان الشرطي مذنبا في ما وقع للشاب عثمان فإن المسؤولية يجب أن تتحملها الدولة لأنها لم تقم بواجبها في إصلاح المطبات وتغطية الحفر بالشارع العام". محمد بها

حفر ومطبات الطريق… من المسؤول؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القــانـون الـدولي لـحـل الإشــكــالات

رئيس جمعية "أصدقاء غوتنبرغ – المغرب" يشيد بالملك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات