“شعور الأسلاف” وطقوس الفرجة

زمن الدار البيضاء 4 يعود الكاتب الروائي نور الدين محقق في روايته الجديدة هاته إلى زمن مضى، زمن الطفولة الجميل حيث ينطلقُ فيه ساردا ما كان يعيشه في فضاءات مدينة الدار البيضاء،. الرواية حتى وهي تُكتب بضمير المتكلم المفرد، فهي ليست سيرة ذاتية وإنما هي سيرة مدينة وسيرة جيل بأكمله تشكل وعيه فيها وامتد منها ليحلق بعيدا في آفاق كونية واسعة، شملت مدنا عالمية شهيرة منها باريس ولندن وروما ونيويورك وغيرها. إعداد: عزيز المجدوب أستحضر نصا قصصيا جميلا قرأته منذ فترة للكاتبة المصرية سلوى بكر ضمن مجموعتها القصصية "شعور الأسلاف". هذا النص القصصي يحكي لنا بضمير المتكلم عن كيف كانت لحظة الذهاب إلى السينما لدى بعض الأسر العربية، تعتبر من أمتع الطقوس في الحياة. حيث كان أفراد هذه الأسرة يرتدون أجمل ما لديهم من ثياب كي يذهبوا إلى السينما وهم في غاية الأناقة. كما كانوا يحرصون كذلك على الولوج إلى قاعة السينما بكامل الهدوء. ويختارون أماكن جلوسهم،ويتتبعون مسار الفيلم بكل المحبة والإعجاب. بل إنهم حين كانوا يعودون إلى منازلهم يظلون متأثرين بما شاهدوه فيها. والجميل في الأمر في هذا النص القصصي بالذات أنه لم يكن يتكلم هنا عن ذهاب الرجال إلى السينما، بل عن ذهاب النساء صحبة بناتهن وأولادهن إلى السينما في احتفال عائلي بلحظة هذا الذهاب. إن الذهاب إلى السينما أمر رائع وهو جدير بكل احتفاء، لا سيما حين يكون هذا الذهاب لمشاهدة فيلم سينمائي جدير باسمه ومستحق له، أو بتعبير أندري بازان، حين يكون هذا الفيلم السينمائي نوعيا، يضيف إلينا معرفة بالحياة ويمدنا بمتعة فنية راقية.وهو أمر يجعل من السينما مدرسة فنية بامتياز. مدرسة لتهذيب الذوق الفني والرقي به، ومدرسة للاستمتاع بالحياة والفرح بها. ذلك أن الفيلم السينمائي الجميل حينما يكون مُبدَعا بصدق، كما يقول أندري تاركوفسكي، يصل إلى المتلقي كما يجب. لهذا نرى أنّ كثيرا من الأفلام السينمائية التي أُبدعت بصدق، وطبعا أقصد هنا الصدق الفني، قد أثرت فينا، وظلت مصاحبة لنا في الحياة. فمن يمكن له أن ينسى فيلم" سائق التاكسي" للمخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي؟ أو من يستطيع أن ينسى فيلم "سارق الدراجة" للمخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا ؟ ومن منا لا يتذكر فيلم "المرآة" للمخرج الروسي أندري تاركوفسكي؟ أعتقد لا أحد. إنّ كل من شاهد هذه الأفلام السينمائية أو غيرها من تلك التي تترك بصمة في المخيلة والذهن معا، في القلب والعقل مجتمعَين،يظل يستحضرها باستمرار، فهي أفلام سينمائية لا تنسى. ذات يوم وبعد مرور سنين عديدة على هذا الزمن، زمن الطفولة والشباب الأول، وأنا في طريقي إلى حي سباتة حيث يوجد بيت العائلة العتيق، رغبتُ في زيارة موقع "السينما المدنية" لآخذ لي صورة بالقرب منها، بغية استعادة الزمن الجميل الضائع، لكني حين فعلتُ ذلك وجدتُ أن هذه القاعة السينمائية لم تعد قائمة. هكذا عدتُ أدراجي إلى بيتنا العائلي العتيق، وكلي حنين إلى زمن بيضاوي مضى وانقضى، وتحولت بعض فضاءاته إلى فضاءات جديدة لا علاقة مباشرة لي معها ولا ذكريات لي فيها. لقد كانت قاعة "السينما المدنية" مكان فرجتنا السينمائية الأولى، وبفضل قربها من حينا العتيق منحتنا فرصة للتعرف على السينمات العالمية في مختلف تجلياتها وفي مقدمتها سينما الحركة مع بروس لي، والسينما الهندية مع أبطال هنديين رائعين. هكذا يمضي بنا زمن الدار البيضاء البهي، ونحن نكبر فيه ونأخذ طريقنا الذي يمضي بنا الآخر نحو آفاق جديدة في هذه المدينة الرائعة التي ولدنا فيها وعرفنا بين أحضانها لحظات متنوعة، تارة تحمل الفرح وتارة تحمل الأسى، ذلك أن هذه هي سنة الحياة، وما نحن سوى أبناء هذه الحياة. وكنا كلما استيقظنا قلنا لها: صباح الخير كازابلانكا، وكلما حلّ المساء كنا نقول لها: مساء الخير كازابلانكا، وندخل إلى بيوتنا بعد نهار مليء بالحياة ومليء بالأحلام التي لا تنتهي، ونأمل في اليوم الموالي أن تتحقق فيه ولو بعض هذه الأحلام، وكم هي كثيرة هذه الأحلام.

“شعور الأسلاف” وطقوس الفرجة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مكالمة ملكية

رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يشيد بموقف المغرب الثابت تجاه حقوق شعبه

مقالات ذات صلة