fbpx
خاص

كواليـس سقـوط شبكـة طبيـب التجميـل

استقطاب المعوزين واستدراج الأغنياء للأداء ونفخ في الفواتير وأرباح مالية مضاعفة

صدمة كبيرة في أوساط الأطباء والمتابعين بعد اعتقال طبيب التجميل التازي ومتابعته رفقة زوجته وشقيقه ومن معهم، بجرائم مشددة، فالرجل الذي كان الأكثر ظهورا في القنوات الإعلامية ومنصات “يوتوب” و”السوشل” ميديا عموما، سطع نجمه في ميدانه، وتسابق الإعلاميون على انتزاع حوارات معه، وسط زحمة انشغالاته، قبل أن يتحول إلى وجه مألوف في حسابه على “يوتوب”، ترافقه زوجته في الظهور، ليشكلا ثنائيا يرد على أسئلة المتابعين، الذين تجاوز عددهم في ظرف وجيز 200000، وذاعت شهرة طبيب التجميل داخل المغرب وخارجه. اعتقال التازي يوم السبت الماضي وإيداعه سجن عكاشة من قبل قاضي التحقيق بملتمس من الوكيل العام للملك، نقطة أخرجت العديدين للتحدث، وبسطت تاريخ المتهم الأنيق، وفضحت خبايا اعتقد الطبيب ومن معه أنها لن تخرج إلى العلن.

طرق ملتوية للربح

وفق ما تسرب من معلومات، فإن الأبحاث انطلقت من المصحة، بعد زيارة عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وبناء على المعلومات المستجمعة، فإن المتهمين لم يصمدوا أمام الإثباتات المستجمعة حول الجرائم المنسوبة إليهم، بخصوص تزوير الفواتير والنفخ فيها، والتحايل على نظام التغطية الصحية، وعلى المتبرعين وغيرها من الجوانب الدقيقة في البحث. كما أن مواجهة المتهمين ببعضهم، أسفرت عن اعترافات تلقائية بمحاولة تضليل العدالة بقيام شقيق طبيب التجميل بالضغط على مستخدمات بالإدلاء بشهادة زور وتقديم تصريحات غير صحيحة.
وأظهرت الأبحاث أن المتهمين الثمانية كانوا على علم بأن العمليات الجراحية التي تنجز للمعوزين مدفوعة الثمن من قبل محسنين، وتشتغل المجموعة كل حسب الأدوار المنوطة بها، وفق تقنية تعتمد التصوير والتواصل عن بعد وإعداد ملفات طبية والاتصال بالمحسنين المفترضين، أي المتبرعين، قبل إنجاز العملية للمريض، والاستفادة عبر الاحتيال ثلاث مرات، الأولى من المتبرع الذي يدفع مبلغا أكبر من قيمة العملية، والثاني يتعلق بالمبالغ المخصومة التي تقتطع من التغطية الصحية، والثالث يتجلى في الزيادات غير المبررة، بالنفخ في الفواتير، وتحديد أسعار أدوية ومعدات بأضعاف ثمنها، وهو ما يتنافى مع قانون مزاولة مهنة الطب التي يلزم المصحات بالتقيد بأسعار الأدوية والمستلزمات الطبية المعمول بها في المستشفيات العمومية.

إنكار على طول الخط

لم يصدق طبيب التجميل وزوجته، أن يتحولا إلى متهمين ملاحقين بالأسئلة، ورغم المحاولات التي قام بها شقيقه لطمس بعض الأدلة، إلا أنه لم يفلح في إقناع المحققين، سيما أن الأدلة الممسوكة فضحت كل شيء ومن بينها الفواتير المزورة وأسماء المرضى الذين تلقوا العلاج عبر تبرعات المحسنين، والهواتف المحجوزة التي تضم صور المرضى المرسلة إلى مختلف المحسنين. حاولت زوجة الطبيب نهج الأسلوب نفسه وإبعاد التهمة عنها، إلا أنها لم تفلح، أما شقيقه فحاول بداية التأثير على المستخدمين ودفعهم للإدلاء بتصريحات مجانبة للحقيقة.
بعض مرور اليوم الأول من البحث وإيداع متهمين رهن الحراسة النظرية، أيقن الطبيب أن الأمور جادة وأن البحث صارم وأصابته الاتهامات الموجهة إليه بصفته فاعلا رئيسيا بالذهول، على اعتبار أنه الطعم الذي يستدرج به المحسنين، لما يحظى به من شهرة وشعبية فاقتا كل زملائه في الميدان.
حاول الطبيب ما أمكن إبعاد التهم عنه، معتبرا أنه طبيب يزاول الجراحة، وأن الأمور المالية والتسيير المالي ليست من اختصاصه، بل منوطة بشقيقه. لكنه لم يستطع الإجابة عن مساحات فارغة تضعه في المحك، سيما أن مداخيل المصحة أصبحت مرتفعة جدا منذ نهجه أسلوب استقطاب المرضى المعوزين واستدراج الأغنياء المحسنين.

مرضى وتصوير

خرج مرضى ليتحدثوا بعد اعتقال الطبيب وزوجته والمسؤولة التجارية وشقيق الطبيب وباقي المتهمات، إذ بسط بعضهم أنه حصل على مبلغ مالي من طبيب التجميل بعد الانتهاء من العلاج، حدد في 1000 درهم، كما احتج آخرون على عدم استكمال حصص العلاج وغير ذلك مما اعتبره بعضهم استغلالا، بعد علمهم بانهم كانوا ضحية تصوير ونشر صورهم للبحث عن المحسنين، واستغلال وضعيتهم لتحقيق مكاسب مالية.
وتشير المعطيات إلى أن الشبكة كانت تشتغل وفق خطة محكمة، تقودها زوجة الطبيب وشقيقه وامرأة أخرى تعد أهم عنصر في المصحة، إذ يتم استقطاب المرضى من الذين حدثت لهم تشوهات خلقية أو بسبب جروح أو اعتداء أو حريق وغير ذلك من الحالات، وعند حلوله بالمصحة يتم تصوير شريط فيديو له، ومطالبته بالانصراف إلى حين المناداة عليه، ليتم الشروع في البحث عن “المانح” من المحسنين الذين لا يريدون الظهور، عبر إجراء محادثة للإقناع ثم بعث الصور والتكلفة، ليستجيب المتبرع ويرسل الأموال المطلوبة. وأسقطت الشبكة العديد من رجال وسيدات الـأعمال، إذ أن الثقة التي كان يحظى بها طبيب التجميل في مختلف الأوساط الاجتماعية، كانت تدفعهم إلى مشاركته في العمل الخيري الذي يقوم به، قبل أن تفتضح مجمل التلاعبات التي كانت تتم في الخفاء.

ملتمس ثقيل

فتح ملتمس النيابة العامة بإجراء تحقيق العديد من علامات الاستفهام حول المتابعة المسطرة، سيما بعد أن ارتأت سلطة الملاءمة توافر جنايتي تكوين عصابة إجرامية والاتجار في البشر، وهما الجريمتان الأشد في صك الاتهام، واللتان ستثيران نقاشا كبيرا إن أثناء التحقيق التفصيلي أو عند المرافعات، خصوصا أن جريمة الاتجار بالبشر تقتضي توفر شروط حددها القانون الجنائي على سبيل الحصر، ولا يمكن التوسع في الاجتهاد فيها.
وأورد ملتمس النيابة العامة الفصول في 448 الفقرات من 1 إلى 5، والفقرتين 8 و10، وهي المتعلق بجناية الاتجار بالبشر، ثم الفصل 540 المتعلق بجنحة النصب، والفصول 129 و357 و359 و366 والفقرة الأولى من الفصل 447، ناهيك عن فصول من مدونة التغطية الصحية الأساسية وقانون مزاولة مهنة الطب وقانون حرية الأسعار والمنافسة وقانون حماية المستهلك.
والمتهمون الثمانية كلهم متابعون بجناية الاتجار بالبشر باستدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وهشاشتهم وحاجتهم لغرض الاستغلال للقيام بأعمال إجرامية بواسطة عصابة إجرامية، وعن طريق التعدد والاعتياد وارتكابها ضد قاصرين دون 18 سنة يعانون المرض وجنحة الاستفادة من منفعة الأموال، المحصل عليها عن طريق ضحايا الاتجار بالبشر، مع العلم بجريمة الاتجار بالبشر وجنحة المشاركة في النصب والتزوير، وغيرها من الجرائم الأخرى.

الكلمة للقضاء؟

القضاء سيفصل في القضية والتهم، وسيرى مدى توفر عناصر تكوين جناية الاتجار في البشر من عدمها، كما سيناقش مختلف التهم المنسوبة إلى المتهمين المعتقلين والمتابعين في حالة سراح. وكشفت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في هذا الملف جانبا آخر يعانيه المواطنون، هو انعدام مراقبة الأجهزة المسؤولة عن أسعار الأدوية والمعدات الطبية داخل المصحات، فالأسعار تضاعف ثلاث مرات، أكثر من ذلك أن مرضى يحلون في غيبوبة إلى المصحات يخرجون منها بعد يومين موتى، وعلى ذويهم دفع 10 ملايين أو أكثر، وحين المطالبة بالفاتورة المدققة تجد أن المريضة أو المريض الذي كان في غيبوبة ولم يستفق منها، التهم أزيد عن 6 ملايين سنتيم كلها مسجلة في خانة أدوية.
آن الأوان للضرب على يد مافيا الأسعار داخل المصحات، والضرب أيضا بيد من حديد على المراقبين الذين يتهاونون في إنجاز المهام، فسطوة مالكي المصحات وتحكمهم لن يكبح إلا بوجود رجال يقومون بمهامهم وفق ما يقتضيه الواجب الوطني.

المصطفى صفر

الفضيحة لم تؤثر على خدمات المصحة

بعيدا عن أخبار الاعتقالات والإيداع في السجن، اختارت “الصباح” الانتقال إلى مصحة الشفاء بالبيضاء مسرح مجمل العمليات التي نجمت عنها الاتهامات، وموضوع الفضيحة المدوية، التي هزت قطاع الخدمات الصحية الخاصة، وسلطت الأضواء على الدكتور الحسن التازي، أشهر طبيب للتجميل بالمغرب ومدير المصحة باعتباره مشتبها في تورطه ضمن عصابة للاتجار في البشر، باستدراج أشخاص معوزين يعانون المرض واستغلال ضعفهم وحاجتهم في عمليات تزوير الفواتير للنصب على المتبرعين الراغبين في مساعدة المرضى المغلوبين على أمرهم. تساءل عدد من المتتبعين حول ما إن كان المرفق المذكور قد أغلق وتوقفت خدماته بعد الفضيحة المدوية.
وفي الوقت الذي اعتقدت مكونات الرأي العام أن المصحة سيتم إغلاقها من قبل القضاء باعتبارها مسرحا للجرائم المرتكبة التي تتجاوز الجنح إلى أفعال جنائية، مكن قيام طاقم “الصباح”، بجولة في مختلف مرافق مصحة الشفاء التي كانت موضوع مداهمة من قبل عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية الأسبوع الماضي، من الوقوف على أنها تقدم خدماتها بالوتيرة نفسها، بل تعيش أجواء عادية، رغم وجود مالكها وزوجته المكلفة بالمعاملات المالية وشقيقه وعدد من العاملين خلف أسوار السجن، بعدما تقرر إيداعهم الاعتقال الاحتياطي.
ولم تؤثر الواقعة التي أخرجت الطبيب وزوجته ومصحته من نادي المشاهير وحولته إلى عنوان للفضيحة على سمعة مصحة الشفاء، إذ عاينت “الصباح”، الإقبال نفسه من لدن المرضى وعائلاتهم، ولم تقتصر مواصلة التعامل مع المصحة المشبوهة على فئة المرضى الذين أجروا عمليات جراحية ويحتاجون لقضاء أيام بها للبقاء تحت المراقبة الطبية ريثما تنتهي فترة النقاهة، بعد أن لم يعد متسع للوقت لتغيير الوجهة إلى جهة أخرى، بل مازال المرتفقون الراغبون في الخضوع لفحوصات طبية أو القيام بتحاليل مخبرية الذين كانوا ينتظرون في قاعات الانتظار بعدد من الأقسام الطبية.
وطيلة المدة التي قضتها “الصباح”، بالمصحة ظل الوضع عاديا وكأن شيئا لم يقع، إذ لم يكن هناك أي تخوف من قبل المرتفقين من ضياع مصالحهم، بعد الضجة الكبيرة التي تجعل مصير المرفق الصحي مجهولا، باستثناء بعض العاملين الذين كانوا يتهامسون في ما بينهم حول مستجدات القضية، التي أدخلتهم إلى دائرة الشك والاتهام.

محمد بها


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.