سـوق “شطيبـة”… تاريـخ يحتضـر

مزار للتبرك تحول إلى فضاء تجاري غزته الدواب والفوضى والأزبال يشعر سكان مبروكة بالبيضاء بحيف كبير، فرغم وجود سوق تاريخي يحمل اسم " شطيبة" ارتبط بأساطير وعاصر أحداثا تاريخية، إلا أنه تعرض لتهميش كبير سواء من قبل وسائل الإعلام أو المشرفين على الشأن المحلي. فهذا السوق كاد في فترة زمنية أن ينافس ساحة جامع الفنا بمراكش، بعد أن تحول إلى متنفس لسكان البيضاء، وصار قبلة لرواد "الحلقة" والفكاهيين، تربعوا بعدها على عرش الفكاهة المغربية، قبل أن ينهشه النسيان والإقصاء من برامج تنموية تعيد له الاعتبار، بل ترك ليواجه مصيره، عاجزا عن مواجهة غزوات باعة جائلين وتجار مخدرات أساؤوا لتاريخه المجيد. ويعد سوق "شطيبة" بالبيضاء أشهر من نار على علم، قصة تأسيسه أقرب إلى الأساطير والملاحم، بدأت بتبرك النساء بنبتة، من أجل أن يرزقهن الله بأطفال، فرزقت المنطقة بسوق انطبقت عليه حرفيا نظرية التطور الداروينية، إذ كان بدائيا وعشوائيا، ليتحول جزء منه إلى "قيسارية" عصرية، تضم متاجر للمجوهرات والحلي والملابس العصرية والتقليدية الفاخرة، نافست بشدة أسواقا كبرى بالمدينة، إلا أنه بعد هذا المجد، سيعاني السوق في صمت، بعد أن عمته الفوضى، التي جردت الأحياء المجاورة من كل مظاهر العصرنة، متوسلا المسؤولين للتدخل لتصحيح هذا الخلل. ونعود بالزمن إلى أواسط القرن الماضي، إذ كان المكان، فضاء شاسعا به ممرات تقود إلى الضفة المقابلة، حيث تنتصب مقبرة الشهداء بكل رمزيتها ودلالتها التاريخية. تخترق هذه الممرات أرض ستشهد حدثا تاريخيا، بناء أول طريق سيار بالمغرب يربط البيضاء بالرباط. وسط هذه الأراضي القاحلة أو كما يعرف "القيفار"، سرقت نبتة "الشطبة" الأضواء، عشرات النساء يزرنها للتبرك بها، بعد أن راجت شائعات أنها تملك قدرات خارقة تمكن العقيم من الولادة. تناسلت أخبار "النبتة" المباركة، في أرجاء البيضاء، وتسابقت النساء من كل حدب وصوب لأخذ بركاتها، ليحظى الفضاء بشكل يومي بجمع غير عاد، وتحول إلى مكان للقاء العائلات والأصدقاء، جعل البعض يستغل الفرصة لعرض منتوجات متواضعة للبيع، لقيت إقبالا كبيرا، ليكون بداية عصر سوق سيحمل اسم "سوق شطيبة". تحول السوق إلى علامة تجارية مسجلة، وقرر التجار والباعة الاستقرار به بشكل نهائي بعد حيازة مساحة من أرضه لعرض سلعهم، وقطعوا مع حقبة الترحال من سوق لآخر، ما دفع مسؤولي البيضاء وقتها للتفكير بشكل جدي إلى تحويل هذا الفضاء العشوائي إلى سوق بمواصفات عصرية. ونجح سوق "الشطيبة" في فرض مكانته سوقا رئيسيا بالبيضاء في تلك الفترة، إذ ازدهرت تجارته بشكل غير مسبوق بسبب الإقبال الكبير عليه من قبل البيضاويين، هذا الازدهار صاحبه ازدهار ثقافي، بعد أن تحولت فضاءاته إلى عروض لـ"الحلقة" والموسيقى وتزينت بحضور "النقاشات" وصناع الأسنان وبائعي الأعشاب، على رأسهم أيقونة هذا النوع من التجارة "با العربي"، ما أضفى عليه رونقا وبهاء جديدا، وحوله إلى متنفس للبيضاويين. أشرف على الفرجة، رواد كبار في فن "الحلقة"، إذ ما زال سكان المنطقة يتذكرون الراحل "خليفة"، الذي أمتع الجميع بقفشاته، إذ كان وقتها بديلا حقيقيا للتلفزة والسينما، ونجح في استقطاب حشد كبير من النساء والرجال من مختلف الأعمار، وتفنن في إضحاكهم بكل عفوية وصدق. بعدها نافسه على الجمهور، رواد آخرون، منهم من تحول إلى نجوم الشاشة المغربية، من قبيل الثنائي الفكاهي "التيقار"، إذ عبد سوق "شيطبة" طريقهما نحو المجد، والأمر نفسه بالنسبة إلى مشاهير آخرين، تعلموا أبجديات الموسيقى والفكاهة وفن الحكي، قبل أن يختفوا عن الأنظار. كاد سوق "شطيبة"، أن يسحب البساط من ساحة جامع الفنا المراكشية، بسبب عدد "الحلقات" التي تعرض فيه وجودتها، والجمع الغفير من الناس الذي يتابعها، إلا أنه مرور الوقت، بدأت "الحلقة" تنقرض، وفي النهاية تركت فراغا يصعب تعويضه. ورغم الإقبال الكبير الذي حظي به سوق "شطيبة"، ظلت العشوائية والفوضى سيدتي الموقف. صار جزء منه أقرب من المزبلة إلى سوق، خصوصا في فضاءات خصصت لبيع الخضر و"الخبز الكارم" والملابس القديمة "البال"، إلا أنه في أواخر السبعينات من القرن الماضي، وقع حدث كبير أدى إلى ثورة شاملة، ويتعلق الأمر ببناء الطريق السيار البيضاء الرباط، والتي يمر جزء منها بجانب السوق. وقتها استغل المسؤولون بالبيضاء هذه الفرصة، وقرروا تحويل جزء منه إلى"قيسارية" عصرية. وظل سوق "شطيبة" محافظا على شموخه إلى حدود السنوات الأخيرة، إلا أنه بشكل مريب، غزته العربات المجرورة واحتل الباعة الجائلون كل شبر منه، والفظيع أن الأحياء المجاورة للسوق، والتي كانت إلى سنوات معدودة، تعج بمظاهر العصرنة والحضارة، تحولت إلى مستودعات لصناديق الخضر والفواكه ومحطات للعربات المجرورة والدواب. فظاعة وقفت "الصباح" على فظاعة الوضع، ازدحام شديد للمواطنين، يعرقل عملية التنقل، بسبب ضيق المسافات بيت بائع وآخر. عربات مجرورة باليد أو بالدواب، احتلت مساحة شاسعة من الأزقة والطريق المؤدية إليه، إذ يستغرق الأمر للوصول إلى "القيسارية" وسوق الخضر دقائق عديدة. مصطفى لطفي

سـوق “شطيبـة”… تاريـخ يحتضـر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شروط تعجيزية للسكن الاجتماعي

19 مليارا لسقي حدائق البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات