هـدر للجهـد والزمـن

المسكاوي حذر من ترسيخ قاعدة إحالة تقارير المجلس الأعلى على الأرشيف طالب محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، الجهاز التشريعي بسد الثغرات القانونية والنهوض بدور السلطة القضائية في ما يتعلق بتسريع وتيرة معالجة الملفات المحالة من قبل المجلس الأعلى للحسابات، وذلك لتجنب هدر للزمن والجهد الذي يقوم به قضاته وتتحول تقاريره إلى منصات الأرشيف، مشددا على ضرورة أن تصبح مكافحة الفساد سياسة مندمجة ومتكاملة ما بين كل القطاعات حسب اختصاصها، فبعد إصدار التقارير السنوية يجب على الجهاز التنفيذي مباشرة إصلاح الأخطاء الإدارية الواردة فيه لتقليص حجم الفساد. وفي ما يلي نص الحوار : أجرى الحوار : برحو بوزياني < هذا السؤال يعتبر مربط الفرس في هذا الموضوع، فالجميع يتساءل إذا وضعنا عمل المجلس المهم وباقي القطاعات المعنية ووجود إستراتيجية وطنية لمحاربة الفساد التي لا زالت متعثرة في مجال التنزيل، وبالمقابل نلاحظ استمرار وتيرة الفساد والرشوة من خلال التقارير الرسمية وشكايات المجتمع المدني وما ينشر عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى التدني المستمر لرتبة المغرب في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حيث تراجع المغرب سنة 2021 إلى الرتبة 39 بدل الرتبة 40 سنة 2020، أي أننا ما زالنا ضمن الدول ذات التصنيف الأقل من المتوسط، فإننا نجد أنفسنا أمام متاهة كبيرة وتساؤلات كثيرة حول نجاعة الأداء وسبل التصدي. ولا بد أن نستحضر هنا بعض الأرقام الرسمية، إذ أن المجلس الأعلى نفسه أحال ما بين 2017 و2019 ما مجموعه 16 ملفا إلى النيابة العامة أربعة منها صدرت فيها أحكام قضائية. < القصد هنا أن مكافحة الفساد يجب أن تصبح سياسة مندمجة ومتكاملة ما بين كل القطاعات حسب اختصاصها، فبعد إصدار التقارير السنوية يجب على الجهاز التنفيذي مباشرة إصلاح الأخطاء الإدارية الواردة فيه لتقليص حجم الفساد، وعلى الجهاز التشريعي سد الثغرات القانونية ويبقى دور السلطة القضائية مهما في التسريع من وتيرة معالجة الملفات والبت فيها والتسريع لا يعني غياب شروط المحاكمة العادلة ومبدأ قرينة البراءة، بالإضافة إلى التعجيل باستكمال هياكل مؤسسات الحكامة وتقييم تنزيل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وزيادة منسوب عمل المجتمع المدني في التحسيس والرصد والكشف عبر آليات التشبيك، وهنا أتكلم عن مجتمع مدني كشريك أساسي للدولة في مكافحة الفساد حسب نص المادة 13 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وليس جمعيات نشركها في إعداد بعض التصورات الرسمية ونمنعها من حقها في الحصول على وصولات الإيداع كما حصل مع الشبكة المغربية لحماية المال العام منذ 2019. بدون هذا التعاون والتناسق وتحريك المتابعات القضائية والكشف عن حجم الاختلالات المرتبطة وتقديم المتورطين الى العدالة سنكون أمام هدر للزمن والجهد الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات وتتحول تقاريره الى منصات الأرشيف وفرصة زمنية ضيقة للاستهلاك الإعلامي، بل قد نصبح أمام سؤال هل الإمكانيات المالية والبشرية التي استعملها المجلس في مهامه الرقابية والتي بدون أخذها بعين الاعتبار والتطبيق، ألا تصبح نفسها ضمن خانة هدر المال العام؟، تضاف إليها المجهودات المتعلقة بتلقي التصاريح بالممتلكات التي تعد بالآلاف دون أن تكون هناك مسطرة واضحة وتقييم للنجاعة لإصلاح تلك المنظومة الكلاسيكية العتيقة التي تعود لـ 2008. وكخلاصة أيضا فإننا نؤكد أن أجهزة الدولة لا زالت إرادتها في محاربة الفساد محتشمة جدا إن لم نقل شبه منعدمة. < هذا لا يمنع من ضرورة أن يضع المجلس آلية واضحة وشفافة ببرمجة سنوية معلنة ومتنوعة من حيث الاختصاص والتوزيع الجغرافي لعمليات المراقبة المزمع إنجازها، هذا يحيل على الاقتراح المذكور أنفا المتعلق بضرورة توفير المزيد من الموارد البشرية للقيام بهذه الأدوار الكثيرة والمعقدة والتركيز أيضا على مسألة التكوين المستمر لقضاته وأطره، بسبب تطور وتعقد الجرائم المالية التي أصبحت عابرة للقارات. كما أدعو إلى مساعدة المجلس من قبل بعض الأجهزة الأخرى لاختصار الوقت ودقة اتخاذ الإجراءات مثلا، من خلال تعاون مشترك ما بين المجلس وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية بتزويده بالمعطيات المتحركة في ما يخص الملزمين بالتصريح بالممتلكات. نهاية المؤسسات المحمية ** يجب التفريق بين مسألتين الأولى قانونية تنص عليها مدونة المحاكم المالية وهي أنه على جميع المحاسبين العموميين في مختلف القطاعات والمؤسسات تقديم تقاريرهم سواء السنوية أو الدورية الى المجلس الأعلى وكذا تلقي التصاريح بالممتلكات وسجلات الأحزاب السياسية وكذا مصاريف الحملات الانتخابية، وعلى المحاسبين المرتبطين بالجماعات الترابية تقديمها إلى المجالس الجهوية للحسابات من أجل التدقيق والنظر في مدى احترامها للمساطر القانونية الجاري بها العمل، خاصة في مجال الصفقات العمومية ومن هنا تأتي العقوبات التأديبية التي تحدثت عنها سابقا. أما في ما يتعلق بمراقبة تسيير المقاولات المخولة بامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره والشركات والمقاولات التي تملك فيها جماعات محلية أو هيآت أو مؤسسات عمومية خاضعة لوصاية هذه الجماعات المحلية، نسبا من رأسمالها وباختصار فنحن نتحدث عن الزيارات التلقائية التي يقوم بها المجلس بغض المشاريع المحلية أو مراقبة جماعات ترابية بعينها أو مؤسسات رغم توصلها السنوي بتقارير المحاسبين العموميين. وبخصوص الانتقائية فقد سبق أن صرحت في هذا المنبر المحترم بمناسبة مناقشة تقرير سنتي 2016/2017 أن المجس قد كسر قاعدة تجاهل افتحاص بعض المؤسسات الإستراتيجية، إذ قام آنذاك بافتحاص مؤسستين إستراتيجيتين وتتوفران على حقيبة مالية ضخمة وهما صندوق الإيداع والتدبير المؤمن على أموال المواطنين وكذا مؤسسة الفوسفاط تعتبر المقاولة المغربية الأولى في مجال التصدير والاستثمار واللتان كانتا تعتبران سابقا من الطابوهات، وأعتقد أن المجلس الأعلى للحسابات قد قام بكسر هذه القاعدة، في انتظار تعميم المراقبة على كل إدارة ومؤسسة تتصرف في المال العام مهما كانت طبيعتها ووضعيتها الاعتبارية. مسلسل الإفلات من العقاب مع الأسف التفكير والاشتغال على مكافحة الفساد بالمغرب ما زال لم يرق إلى مستوى ثقافة وسلوك يمارس يوميا، ابتداء من المواطن مرتفقا ومستثمرا وانعطافا على دور الموظف كخيط ناظم ما بين مرفق الدولة والمرتفقين والمستثمرين كواجب وطني للمساهمة في تكريس قيم النزاهة والشفافية، وهو ما سينعكس إيجابا على كافة القطاعات والخدمات وتحقيق أهداف التنيمة. كما أن مكافحة الفساد في بلدنا ما زالت تشهد الزخم الموسمي، إما بسبب التقارير الموسمية أو الفضائح المالية، حتى أصبح جزء كبير من المجتمع يعتبر الفساد نسقا من أنساق الحياة. ولتكسير هذه النمطية على جميع الهيآت القيام بواجبها بمرونة وسرعة معقلنة، وعلى رأسها مؤسسة القضاء الذي يبقى خاتمة ملفات الفساد، فكلما كانت بلاغات النيابة العامة متواترة في مجال التلبس في قضايا الرشوة، وكذا بلاغات السلطة القضائية بعد انتهاء مسطرة التقاضي، ستبقى إنذارات الجرس تقرع في الأذهان حتى من الجانب النفسي، إذا قرأنا في وسائل الإعلام البلاغات والأحكام الخاصة بملفات الفساد المالي بشكل متواتر فإها ستشكل أقوى رادع لمشاريع نهابي المال العام، وسيسود الاعتقاد بأن آلة المحاسبة لا تتوقف وأن الإرادة موجودة لذلك. وختاما إن عدم تفعيل المتابعات وتكريس الإفلات من العقاب خاصة في حالة بعض المسؤولين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية ولا زالوا في مناصب المسؤولية، وتعطيل مؤسسات الحكامة وعلى رأسها الهيأة الوطنية للنزاهة واستمرار مظاهر الريع التي تجعل فئة قليلة تغتني دون مجهود عضلي أو فكري على حساب دافعي الضرائب، يكرس غياب الإرادة الحقيقية والشجاعة من قبل أجهزة الدولة التي تتحمل مسؤولية القرار في محاربة الفساد، وهو ما يهدد السلم الاجتماعي المعبر عنه من خلال احتجاجات المواطنين المطالبين فقط بالعيش الكريم.

هـدر للجهـد والزمـن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التنقيب عن كنوز يورط نافذين

متابعة برلماني فاس بتهم ثقيلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات