fbpx
حوادث

أمنيون في خدمة بارونات

استقطبوهم بالإغراء فساعدوهم على تهريب المخدرات وخبرة الهواتف ورطتهم

فضح تفكيك شبكات دولية لتهريب المخدرات، عن علاقات مشبوهة تجمع أمنيين ودركيين وأفرادا من الجيش والقوات المساعدة مع بارونات، نجحوا بطرقهم الخاصة في استمالتهم إلى صفهم، وبدل تفعيل القانون واعتقال أفراد الشبكة، سهلوا عمليات التهريب، بل بلغ الحماس ببعضهم إلى استغلال وظيفتهم والإشراف شخصيا على نقل شحنات في سياراتهم الخاصة، قبل أن ينتهي الأمر باعتقالهم في حالة تلبس في سدود قضائية.

إنجاز : مصطفى لطفي

تتباين نوعية المحكمة المختصة في متابعة المتورطين، فإذا كان الأمر واضحا بالنسبة إلى رجال الأمن والشرطة، إذ يتابعون أمام محاكم جرائم الأموال بتهم الرشوة وغيرها، فإن متابعة الدركيين والعسكريين و”المخازنية” مختلفة، فإذا تم اعتقال مدنيين معهم، يحالون على محكمة جرائم الأموال، ومن بعدها المحكمة العسكرية بتهم مخالفة التعليمات العسكرية، وإذا شملهم الاعتقال لوحدهم، يكون الاختصاص للمحكمة العسكرية وحدها.

الورطة
أطاحت عمليات أمنية عديدة بمسؤولين أمنيين من مختلف الرتب والأجهزة، فبمنطقة الرشيدية، توصلت مصالح الشرطة الجهوية للشرطة القضائية بمعلومة حول سائق سيارة يتحوز كمية مهمة من مخدر الشيرا، استقدمها من الشمال وينوي تسليمها إلى بارون بالمنطقة. ونصبت الشرطة كمينا للمتهم، انتهى باعتقاله متلبسا بحيازة أزيد من 100 كيلوغرام من الشيرا، فكانت الصدمة كبيرة لأفراد الشرطة، عندما تبين أن الموقوف دركي، كلف بالمهمة مقابل مبلغ مالي مهم.

اعتقد البعض أن ذلك الحادث، عرضي ويشكل الاستثناء، إلا أن مرور الأيام، أظهر توالى سقوط رجال الأمن ودركيين وجنود و”مخازنية” متلبسين بالتهريب الدولي للمخدرات، كما حدث لأمني استغل وظيفته بمدينة بالشمال، لتهريب كيلوغرامات من الشيرا لبيعها لمروج بمنطقة الأطلس المتوسط، إلا أن حنكة عناصر الدرك أطاحت به في سد قضائي.

بعدها دخل على الخط “مخازنية” مكلفون بحراسة الحدود والشواطئ، إذ في ملف عرض على المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط، أخيرا، توبع ستة أفراد منهم، بتهم تتعلق بالارتشاء والمشاركة والتهريب الدولي للمخدرات، بعد أن أوقفوا من قبل الدرك الحربي بمجموعة من المدن، مباشرة بعد إحباط تهريب أطنان.
وحلت لعنة الاعتقالات هذه المرة بعسكريين، إذ سبق لدركيين أن اعتقلوا عددا منهم مكلفين بحراسة شاطئ بالشمال، وكشفت التحقيقات أنهم يفشون أسرارا مهنية لبارونات لتسهيل مأمورية تهريبهم المخدرات من شواطئ العرائش.

الهواتف دلائل قاطعة
تشكل المكالمات الهاتفية بعبعا للأمنيين المتورطين مع بارونات، فرغم عدم ضبطهم في حالة تلبس، وتمسكهم بالإنكار في التحقيقات، إلا أن الخبرات التي تجرى على الهواتف، تتحول إلى قرائن قاطعة تتسبب لهم في عقوبات مشددة.

وفي عملية نوعية للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بطنجة، تمكنت عناصرها من إحباط تهريب كميات مهمة من الشيرا عبر قوارب تقليدية انطلاقا من ميناء أصيلة، واعتقلت أفرادا من الشبكة، إلا أن هاتفا محمولا حجز داخل سيارة، أطاح بدركيين بعد إخضاعه للخبرة، إذ تم التوصل إلى مكالمات وتسجيلات صوتية ورسائل نصية تفضح علاقتهما مع بارون، نجح في إغرائهما باستغلال زيهما الرسمي ومساعدته في إدخال المخدرات إلى الميناء والإشراف على عملية إلى حين مغادرة الزوارق صوب إسبانيا.
وكشفت إحدى المكالمات، أن أحد الدركيين المتهمين، اتصل بعنصر من الشبكة وهو على المركب التقليدي يأمره بعدم الإبحار دون شرح الأسباب، قبل أن يتلقى عنصر الشبكة مكالمة أخرى من زعيمها يطلب منه انتظار شحنة جديدة من المخدرات سيجلبها الدركي، قبل أن يفاجأ بعناصر الشرطة تعتقله وتحجز المخدرات.

لم تعد شبكات المخدرات تقتصر على الهواتف المحمولة، بل تطور الأمر إلى استعمال أجهزة لا سلكية متطورة، تورط فيها هذه المرة جنود مكلفون بحراسة شاطئ بالقنيطرة، إذ كانوا يتواصلون من خلالها مع بارون، يمدونه بكل المعلومات لتسهيل تهريبه أطنانا من المخدرات، قبل أن يفتضح أمرهم بعد اعتقاله في كمين نصبته عناصر المركز القضائي للدرك، ويعترف خلال التحقيق بعلاقته بالعسكريين وأجهزة الاتصال المستعملة في التواصل معهم.

فخاخ الاستقطاب

استقطاب بارونات للأمنيين والعسكريين، للعمل لفائدتهم ليس بالعملية السهلة، بل تتطلب شبكة واسعة من الوسطاء، ومبالغ مالية مهمة تنفق في خدمات لكسب ود المستهدفين.
كشفت مصادر موثوقة، أن شبكات المخدرات تتوصل بطرقها الخاصة بمعلومات عن هوية المسؤول الأمني أو الدركي المعين حديثا قبل الشروع في مزاولة مهامه، إذ تسارع الزمن إلى كسب وده عبر تقديم خدمات يعتبرها المسؤول في البداية أنها عادية، وتدخل في باب المجاملة والترحيب، من قبيل توفير شقة للسكن أو اقتناء أثاث وتجهيزات عصرية متطورة، وتخصيص أشخاص لخدمته وأفراد عائلته. ومع مرور الوقت يرفع البارون من سقف وقيمة المجاملة، إذ يتكلف بنفقات تدريس الأبناء بالمدارس الخاصة ومتطلبات زوجة المسؤول وباقي أفراد عائلته، إلى حين كسب ثقته بشكل كامل.

وبعدها ينتقل الدور إلى أمني يعمل تحت إمرة المسؤول أو وسيط له علاقة وثيقة به، إذ يعرضه عليه مساعدة البارون في نشاطه الإجرامي مقابل عمولات مغرية.
وكشفت المصادر، أن أغلب المسؤولين يجدون أنفسهم قد ابتلعوا الطعم، إذ يجبرون على المشاركة في اللعبة، خوفا من افتضاح أمر استفادتهم من الامتيازات السابقة.

وكشفت التحقيقات في ملف إحباط تهريب المخدرات من ميناء أصيلة، أن بارون المخدرات اعتمد الأسلوب نفسه مع الدركيين المتابعين، لدرجة أنه بعد أن عرض على أحدهما مساعدته في تهريب المخدرات، وافق على الفور، سيما بعد أن وعده بعمولة تتجاوز ثلاثة ملايين، وعندما أحبطت الشرطة العملية الأولى، تطوع الدركي لإحضار كميات جديدة من المخدرات من
منطقة بالشمال، وأشرف شخصيا على إدخالها للميناء وتسليمها لمالك المركب التقليدي.

في قضية أخرى تورط عسكريون وأفراد من القوات المساعدة مكلفون بحراسة الشواطئ، وبينت التحقيقات أن بارونات عرضوا عليهم مبالغ لا يقوون على رفضها، إذ كانت تتراوح بين مليونين وأربعة ملايين عن كل عملية لتهريب المخدرات بحرا نحو أوربا.

“مسؤول مدني”

يرى مراد العبودي محام بهيأة الرباط، أن علاقة البارونات وبصفة عامة الفاعلين في الجريمة، بالضابطة القضائية قديمة، إذ تربطهم علاقة وطيدة تحكمها الحاجة المتبادلة، فالبارونات في حاجة إلى حماية من هم مكلفون بالقبض عليهم، ومستعدون لدفع المال مقابل هذه الخدمة.
وأكد العبودي أن البارون الذين نجح في نسج علاقات مع الأمنيين يطلق عليه “المسؤول المدني”، فيستغل تلك العلاقة لتوفير الحماية له، عبر إغراء المكلفين بالمراقبة وحماية المجتمع من الجريمة.

وأضاف العبودي أن البارونات بحكم توفرهم على ثروة كبيرة جنوها من نشاطهم الإجرامي، ومنه الاتجار في المخدرات، نجحوا في ربط علاقات مع عناصر الضابطة القضائية على شكل حلقة مغلقة، مبنية على الرغبة المادية، ساهم في ذلك، وجود بعض الفاسدين لهم مرجعية أخلاقية متدنية نتيجة الظروف التربوية والاجتماعية، وبالتالي وجب إبعادهم عن كل مسؤولية في مثل هذه الأجهزة الحساسة.

وشدد المتحدث على أن ما يجعل عناصر الضابطة القضائية تعلن ولاءها للبارونات، الحاجة إلى المال والثروة، فالقناعة الإنسانية، حسب قوله، نسبية، ولا تتوفر لدى الجميع، لهذا على مسؤولي الدولة إخضاع عناصرها لدورات تكوينية في التحلي بالمواطنة، وفرض مراقبة خاصة عليهم، وإلزامهم بالتصريح بالممتلكات لتمييز الصالح من الطالح.

وأبزر المحامي أن علاقات البارونات بعناصر الضابطة القضائية تتباين حسب رتبة ومكانة كل طرف، فزعماء شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، بصفتهم في أعلى هرم المنظمات الإجرامية تكون لهم علاقات على مستوى عال جدا، في حين نسج مساعدوهم أو بارونات صغار علاقات مع مسؤولين أقل درجة في جهاز الأمن، مشددا في الختام، على أن أي مجتمع مهما كان لا يمكنه العيش بدون جريمة، وأن المجتمع الناجح من تمكن من السيطرة عليها ونجح في توفير الإحساس بالأمن والطمأنينة لمواطنيه، لهذا ناشد مؤسسات أخرى في الدولة بالتدخل ومساعدة جهاز الضابطة القضائية للقيام بالمهام المنوطة به.

إساءة تستحق تشديد العقوبة

تباينت مواقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول اعتقال دركيين أو أمنين تواطؤوا مع بارونات مخدرات، إذ في الوقت الذي ندد فيه البعض بهذا السلوك وطالب بتفعيل عقوبات مشددة، حاول آخرون إيجاد تبريرات كانت وراء سقوطهم في أحضان شبكات المخدرات.

أول المطالبين بتفعيل عقوبات مشددة على الأمنيين المتورطين، شخص لقب نفسه بالمغربي، إذ استغرب بحسرة غاضبة “هادو هومــا لمخلين المغرب أسفل السافلين”، في حين حول شخص يسمي نفسه “مواطن” تعليقه إلى موعظة دينية، بالقول “حا ميها حراميها…لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. متى سيعمل الناس بقول الرسول (ص) :لا تزول قدما بني ادم حتى يسأل عن ثلاث، ومن ضمنها المال في ما اكتسب وفي ما انفق؟ ألا يفكر هؤلاء كيف سيقفون أمام الله؟”.

أما رشيد فاعتبر الأمر ” مجرد غيض من فيض … وما خفي كان أعظم !” داعيا إلى ترسيخ ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا أحد فوق القانون مهما كان منصبه.

من جهته، خرق عماد القاعدة، إذ اعتبر الدركيين المتورطين في مثل هذه القضايا أكباش فداء، قائلا ” دائما نسمع الدركيين متورطين، ونادرا ما نسمع تورط رجال الأمن، وهذا يدل على أن الدركيين أكباش فداء، أما رجال الأمن فهم محميون رغم أن الكل في الهوى سوى”.

في حين قدم معاذ تفسيرا جديدا للظاهرة، إذ كشف أن “الحماية التي يوفرها الأمن أو الدرك لهؤلاء المهربين ليست حديثة العهد، وإنما تاريخها قديم حتى دخلت في الثقافة السلطوية، فمفهوم السلطة في بلادنا ما زال مفهوما خاطئا، لذا يجب إعادة هيكلة هذا المفهوم إذا أردنا التقدم إلى الإمام”.

واقترح العربي، حلا اعتبره جذريا للقطع مع الفساد، إذ دعا الدولة إلى تعميم التصريح بالممتلكات لجميع موظفيها في كل المستويات، وأننا سنرى العجب العجاب في حال تفعيل هذا الإجراء.

وعلى نقيض المعلقين السابقين، انبرى نجل مسؤول أمني سابق للدفاع عن زملاء والده، متسائلا ” كيف تريدون من مسؤول أمني أن يكون ملاكا في ظل غلاء المعيشة؟ لو كانت أجورهم في المستوى ما رضخوا لأصحاب المخدرات، قارنوا بين البوليس في فرنسا أو إسبانيا ابتداء من ملابسهم إلى المستوى الذي يعيشون فيه. والدي رحمه الله كان مسؤولا كبيرا يحارب الرشوة لما مات تركوا لنا معاشا قدره 800 درهم”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.