مغاربة إيطاليا… أحن إلى خبز أمي

يعيشون أوضاعا صعبة بسبب البطالة وبعضهم غادر نحو بلدان مجاورة وآخرون ينتظرون فرصة العودة إلى الديار أكدت إحصاءات رسمية، نشرت أخيرا بإيطاليا، حول الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد، ما سبقَ أن أثارته العديد من الهيآت والجمعيات، في السنوات الأخيرة، بشأنِ الوضعية الصعبة التي يجتازهَا مغاربة إيطاليَا.وخلص التقرير الذي نشرته مديرية الأجانب والاندماج التابعة لوزارة التشغيل الإيطالية، بداية الشهر الجاري، إلى أن معدل البطالة وسط أفراد الجالية المغربية سنة 2013 يضاعف معدل البطالة بإيطاليا، إذ وصل الرقم إلى 7.26 في المائة، ما يتجاوز بكثير المعدل العام للبطالة بين الجاليات الأجنبية المقيمة فِي إيطاليا، والذي بلغ خلال السنة نفسها 3.12 في المائة. سجل التقرير ارتفاع عدد المغاربة الباحثين عن عمل مقارنة مع باقي الأجانب المقيمين بإيطاليا، فمن أصل حوالي 300 ألف مهاجر مغربي هم في سن العمل (أكثر من 15 سنة) 40 في المائة منهم لا توجد أسماؤهم فِي قوائم المشتغلين أو الباحثين عن الشغل. وإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف أفراد الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، كشف التقرير غياب الاستقرار الذي يعيشه حتى المشتغلون، فمن أصل حوالي 90 ألف عقد عمل أبرمها المغاربة بإيطاليا خلال سنة 2011، لم يستمر منها سوى 3 آلاف عقد. وحسب التقرير ذاته، فإن مداخيل المغاربة المقيمين بإيطاليا، شأنها شأنَ مداخيل باقي الأجانب الموجودين بالبلد تتسم بالضعف، حيث إنَ أقل من 10 في المائة منهم فقط هم الذين يتقاضون أكثر من 1500 أورو شهريا. ويأتي التقرير الإيطالي ليؤكد تنبيه عدة هيآت نقابية جمعوية إلى الوضعية الحرجة، التي يمر بها الأجانب فِي إيطاليا، إذ يعتبرون الحلقة الأضعف في ظل الأزمة الاقتصادية، التي تخيم على الاقتصاد الإيطالي. كما أنَ بعض التقارير الإعلامية تشيرَ إلى أن إيطاليا تعرف حاليا هجرة عكسية، ليس فقط وسط الإيطاليين، بل حتى وسط الجاليات الأجنبية، إذ أنَ آخر تقارير معهد الإحصاء الإيطالي أبانت اختفاء ما لا يقل عن مليون و200 ألف أجنبي من سجلات المصالح البلديَة بإيطاليَا. ومن جهة أخرى، ارتفعت وتيرة هجرة المهاجرين المغاربة من إيطاليا نحو دول أوربية أخرى، بسبب استمرار الأزمة وانعدام الآفاق بشكل كبير. وهذه أول مرة يجد المغاربة أنفسهم مضطرين إلى الهجرة وسط دول الاتحاد الأوربي، كما أصبح الكثير منهم يعود إلى المغرب بسبب الأزمة. انعدام الأفق الاقتصادي استقبلت إيطاليا، خلال السنوات الأخيرة، هجرة مغربية تجاوزت مليونا و300 ألف مغربي بفضل التقدم الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ التسعينات وحتى منتصف العقد الماضي. وكانت إيطاليا في حاجة إلى اليد العاملة لتغطية مهن في البناء والزراعة وقطاع الخدمات مثل السياحة، سيما أن الإيطاليين تخلوا عن بعض المهن لصالح المهاجرين. لكن تعرض إيطاليا لأخطر أزماتها الاقتصادية خلال العقود الأخيرة، حكم على نسبة كبيرة من المهاجرين المغاربة بالبطالة الطويلة. وأكبر عائق يعانيه المهاجرون المغاربة هو عودة الإيطاليين إلى ممارسة تلك المهن التي كانوا يرفضونها في الماضي خاصة في القطاع الزراعي والنظافة.وأمام انعدام الأفق الاقتصادي في إيطاليا، بحكم أن جميع المؤشرات تدل على صعوبة أن يسجل هذا البلد انتعاشة اقتصادية قادرة على خلق مناصب شغل لتقلص من معدل البطالة الذي وصل إلى 22 في المائة، وهو الأعلى بعد إسبانيا في مجموع الاتحاد الأوربي، يضطر العديد من المهاجرين المغاربة إلى البحث عن مخرج ويجدون أنفسهم أمام ضرورة الهجرة ثانية من إيطاليا نحو دول مثل بلجيكا وهولندا وألمانيا التي لا تعاني الأزمة.وهذه أول مرة تضطر جالية مغربية في الاتحاد الأوربي من الانتقال بكثافة من دولة أوربية معينة نحو دول أخرى للبحث عن العمل بعدما كانت الهجرة من المغرب مباشرة نحو دول أوربية معينة. وهاجر المغاربة الذين يحملون الجنسية الإيطالية، كما يهاجر المغاربة الذين لهم إقامة دائمة، لأن قوانين الدول الأوربية تتساهل معهم أكثر، بينما أصحاب الإقامة المؤقتة يجدون صعوبات في الحصول على الإقامة، رغم وجودهم في فضاء "شينغن»، فضاء الحدود المفتوحة بين معظم دول الاتحاد الأوربي ولا توجد أرقام محددة حول هجرة المغاربة نحو دول شمال أوربا، إلا أن التقديرات تشير إلى حوالي خمسين ألفا تقريبا خلال خمس سنوات الأخيرة، وهذا الرقم، بقدر ما هو كبير، بقدر ما هو مرشح للارتفاع. والمثير أن الدول التي يقصدها المغاربة هي نفسها التي يقصدها الإيطاليون أخيرا مثل هولندا وألمانيا وبلجيكا لأنها توفر بعض فرص العمل ومن جانب آخر، يضطر بعض المهاجرين إلى العودة إلى المغرب بسبب انعدام الفرص سواء في إيطاليا أو أوربا، وهذه الظاهرة في تزايد باستمرار منذ بداية 2010، لتكون الهجرة المغربية في إيطاليا هي الوحيدة التي تتراجع، مقارنة مع باقي الهجرات المغربية الأخرى إلى دول أوربية. وبسبب تداعيات إعصار هذه الأزمة، لم يجد أغلب المهاجرين المغاربة المتضررين سوى العودة إلى المغرب مؤقتا في انتظار انفراج، في وقت تعرف فيه إيطاليا أيضا إفراغا مذهلا ومقلقا في أعداد المهاجرين الإيطاليين من مختلف الأعمار هروبا من جحيم الأزمة. مساطر الحصول على الوثائق الإدارية متعثرة في القنصلية بمدينة بيرغامو، في 9 أكتوبر 2013، عاينت "الصباح" أسرة مغربية مكونة من أبوين مغربيين وطفل صغير لا يتجاوز عمره 18 شهرا، تستعد لتمضية فصل الشتاء في سيارة من نوع "فاركو". وفي تصريح لزوجة المهاجر المغربي قالت إنها قدمت من المغرب سنة 2005 رفقة زوجها اللحام، بصفة قانونية، لتشتغل مدبرة منزل، كما اشتغل زوجها في شركة تنظيف بعقد لمدة خمس سنوات. وأضافت أنه، في بادئ الأمر، كان كل شيء على ما يرام، فلديهما مسكن، ويدفعان الضرائب، ما جعلهما يفكران في الإنجاب. أصبحت الزوجة حاملا، وفي شهرها الرابع، طردها رئيسها في العمل بعد أن علم بالأمر، بحجة أن الحامل لا يجب أن تشتغل وتتعب. أما شركة زوجها فأصيبت بالإفلاس ولم يتم تعويضه. بعد ذلك، لم يقويا على دفع تكاليف المنزل وحاجياته، فتم طردهما من المنزل. انتقلا إلى العيش على حساب الخدمات الاجتماعية التي تعطي الفرصة مدة ستة أشهر للبحث عن مقر آخر في بلدية "بونتي سان بيترو». العائلة حاليا بدون شهادة إقامة وبدون عمل وهذا دليل على أنهم لا يمكن أن يحصلوا على أوراق إقامة قانونية في إيطاليا لأنه في الأخير يعتبرون غير شرعيين، كما طالبت العائلة من الجهات المسؤولة بالمدينة أن تجد حلا.وفي اتصال ببلدية "بونتي سان بيترو»، قالت إنها مستعدة أن تدفع لهم تذكرة سفر إلى المغرب ذات اتجاه واحد. كما أن الخدمات الاجتماعية لم تساعد هاته العائلة. وبعد ذلك، أعارهم مغاربة سيارة كبيرة ليناموا فيها، كما يبذلون قصارى جهدهم للحصول على وظيفة لرب الأسرة. الإدارة المغربية تزيد معاناة المهاجرومن جهة أخرى، أعرب بعض أفراد الجالية المغربية المقيمين بالديار الإيطالية لـ "الصباح» عن استيائهم وتذمرهم من خدمات القنصلية المغربية ببولونيا، وهي خدمات دون المستوى المطلوب تطبعها البيروقراطية وضعف أداء الموظفين، الذين لا يتوانى بعضهم عن تعطيل مصالح المهاجرين بسبب أو بدونه، ناهيك عن غياب مكاتب للاستقبال مخصصة لتلقي شكاياتهم وطرح مشاكلهم وقضاياهم.ومن جملة ما يعانيه أفراد الجالية المغربية بإيطاليا، حسب تصريحات بعضهم، ممن التقت بهم "الصباح" ببولونيا، تأخر مصالح هذه القنصلية في إنجاز مساطر الحصول على جوازات السفر التي تستغرق وقتا طويلا. ويضيف أحد المهاجرين أن هذا التأخير يصل أحيانا إلى أشهر عدة، مع ما تتطلبه مثل هذه العمليات من تنقلات متكررة وتكاليف باهظة تثقل كاهل المهاجرين، سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، الأمر الذي لا يتماشى مع وتوجيهات الملك محمد السادس القائمة على الحكامة الجيدة وتخليق الإدارة المغربية وتقريبها من المواطنين، وجعلها في خدمتهم، انطلاقا من إيجاد الحلول الناجعة والعاجلة لمشاكلهم، خاصة تلك المرتبطة بالوثائق الإدارية والهوية المغربية، تعزيزا وتقوية للروابط فيما بينهم وبين بلدهم الأصلي. وأكد عدد من أفراد الجالية المغربية المقيمة ببولونيا ونواحيها، الذين التقت بهم "الصباح"، أن مطالبهم بسيطة ولا تحتاج إلى إمكانيات ضخمة لتحقيقها، وتتجلى في تسهيل المساطر الإدارية في قنصليات المملكة، وإجبار الموظفين على خدمة المهاجرين وقضاء مصالحهم، أسوة بقنصلية "باليرمو" في عهد القنصل الحالي، أحمد صبري، حيث لا يستغرق الحصول على جواز سفر أكثر من أسبوعين، رغم العدد الكبير للمهاجرين المغاربة الوافدين عليها. والأمر كذلك بالنسبة إلى قنصلية "تورينو" حيث تقدم خدمات جيدة، رغم أنها لا تتوفر على كفاءة الأطر العاملة بالإدارة المعنية وينقصها شيء واحد وهي البناية لأنها صغيرة وقديمة. ويطالب أفراد الجالية من الجهات المعنية بتخصيص مكاتب خاصة للمهاجرين في المغرب لتسهيل حصولهم على الوثائق الإدارية المطلوبة، كما أضافوا أن آليات التواصل بين المسؤولين عن الجالية بإيطاليا والمهاجرين، تكاد تكون شبه منعدمة بقنصلية "بولونيا". وفي ظل هذه الأوضاع، تطالب الجالية المغربية بإيطاليا، الوزير المكلف بالجالية المغربية ووزير الخارجية والتعاون بالتدخل العاجل لرفع المعاناة والظلم الذي يتعرض إليه أبناؤها. العنصرية تلاحق المغاربةلقي مهاجر مغربي، أخيرا، حتفه بجنوب إيطاليا جراء الاعتداءات العنصرية التي تلحق بالمهاجرين المغاربة من قبل بعض الإيطاليين. ويأتي هذا الاعتداء، وهو الثاني من نوعه بالمنطقة ذاتها، بعدما تم الاعتداء أيضا على مهاجر مغربي، وأحرقت سيارته من طرف ستة أشخاص من بينهم دركي، ما دفع القنصلية العامة بمدينة روما إلى التدخل من أجل وضع حد لهذه الاعتداءات، إذ التقى القنصل العام بعمدة المدينة من أجل وضع حد لهذه الأفعال، والتعايش وإعطاء الفرصة للأسر المغربية للعيش بسلام، وتمثيل بلدها على أحسن وجه. وفي موضوع ذي صلة، ذكرت مصادر إعلامية، أخيرا، أن مهاجرا مغربيا انتحر بأحد السجون بجنوب إيطاليا، بعد شنق نفسه في زنزانته الانفرادية داخل سجن "كاطانزارو» الذي يعرف اكتظاظا يفوق 180 في المائة. وكانت جمعية المحامين المغاربة الشباب بإيطاليا، نددت بالمعاملة القاسية وغير الإنسانية التي تطول المهاجرين المغاربة القابعين في السجون الإيطالية. عبد الحق العلوة

مغاربة إيطاليا… أحن إلى خبز أمي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فارون من أوربا صفوا حساباتهم بمسدس شرطي

إيقاف مستشارة جماعية اعتدت على شرطي بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات