رحيل كمو… المهندس السياسي

اجتمع فيه الدهاء بأخلاق الفكيكيين وترك سيرة تلخص حياته ظهر محمد كمو، في الساحة السياسية قبيل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وعاد ليعانق أصدقاء الأمس، بمؤازرة مرشح اتحادي ظلت تجمعه به صداقة قوية، رغم تقلبات الزمن، سيما أن الرجل حافظ على علاقات اجتماعية وأخوية بجماعة الحي الحسني التي كان رئيسا لها لفترة طويلة، لكن شاءت الأقدار أن تضع كورونا حدا لنشاطه المستمر، إذ رغم أنه بلغ 88 سنة، ظل الرجل يحافظ على لياقته ولباقته ودهائه السياسي، لينتقل إلى جوار ربه، قبل شهر واحد من اقتراع شتنبر الماضي. لم يكن كمو، وهو ذو تجربة سياسية كبيرة، يدرك أن نهايته اقتربت، وأن كورونا التي أربكت العالم، ستجد طريقها إليه، لينقل إلى مصحة بعد مضاعفة انتشار الفيروس في الجسم، قبل أن يتحول ذات عشية إلى رقم من الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة في تقييماتها للوضعية الوبائية، وتنشر التعازي في مختلف المنابر الإعلامية معلنة وفاة محمد كمو القيادي السابق بحزب الاتحاد الدستوري،وأحد مهندسي الحقل السياسي بالعاصمة الاقتصادية، الذي رافق التجربة الجماعية بالمدينة منذ نهاية الثمانينات، وأصبح أحد عرابيها، وترأس خلالها جماعة الحي الحسني وكان نائبا برلمانيا عن الجماعة نفسها وغير ذلك من صفات الرجل التي كان يحظى باحترام الخصوم السياسيين قبل الأصدقاء. أصدر كمو قبل رحيله وفي أوج جائحة كورونا التي فرضت التباعد وتسببت في إغلاق المساجد ومنع تشييع الجنائز، مؤلفا، لخص فيه حياته وتجربته السياسية، وأطلق عليه عنوان "مع الأيام قصة حياة، دون أن يدرك أنه كان يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب، ويترك إرثا للأجيال، سيما أن الرجل المخضرم القادم من فكيك، إلى العاصمة الاقتصادية التي لمع فيها بريقه، عاش حياة مختلفة ومر بتجارب صعبة تمرس من خلالها وكون شخصية قادرة على مواجهة الصعاب وتحقيق الأهداف. لخص محمد كمو، تجربته السياسية، في سيرته الذاتية وتوقف عند محطات مهمة في مسار حياته منذ الصبا. ولم يفت محمد كمو الذي ترأس جماعة الحي الحسني بالبيضاء، من 1983 إلى سنة 2000، أن يتذكر سنواته الأولى، ويبسط أولى تجاربه في العمل، إذ توقف عند الجزائر التي اشتغل فيها محاسبا بمقاولة ابن عمه، ثم حمالا بالورش رفقة أبناء عمومته المتحدرين من فكيك، كما حضر جلسات ساحة «العود» التي كان المغني الشهير، الراحل محمد العنقا يلتقي فيها جمهوره كل مساء... لم تكن حياة كمو، ذلك المولود وملعقة ذهب في فمه، بل سرد أيضا كل الصعاب التي واجهته منذ صباه وكيف واجهها بحزم وعزم كبيرين، قبل العودة من الجزائر إلى فكيك 1955، ليلتحق بعد معاناة وتمييز، بالتعليم منذ 1956، حيث ترقى في أسلاكه إلى أن بلغ سلم مفتش مدارس المعلمين، حيث مارس مهامه بمدن كثيرة من 1974 حتى 1983، وهي السنة التي انتخب فيها رئيسا للجماعة. وفي آخر المؤلف، فضل الراوي أن يبسط مشاركات قوية له في عمله بالبرلمان، وحول رفع حصانة البرلماني، كما توقف عند رسالة وجهها إلى رئيس المجلس الأعلى للحسابات، في 2007، «.. للتاريخ فقط أذكر بحالة الطوارئ التي فرضت على الجماعة يوم مغادرتي المفاجئة لها، تاركا مكتبي وفيه جميع وسائل عملي بل وحتى بعض الأغراض الشخصية التي لم أتسلمها بعد ذلك...". محمد كمو، المتحدر من فكيك، ظل يحافظ على أواصر القبيلة، ويتابع تطور مدينته، بل ويشارك في تمتين وتنمية العلاقات الاجتماعية، وهو ما عبر عنه الإعلامي عبد الرحيم التوراني، في تدوينة على فيسبوك نشرها في ماي 2020، تحدث فيها عن محمد عابد الجابري، إذ في إحدى الفقرات ذكر محمد كمو وعلاقته بالفيلسوف الراحل عابد الجابري، إذ جاء فيها «لم أكن أتصور أن القبلية تسبق الانتماء السياسي ولو كان يميل جهة اليسار، فواحد مثل محمد كمو، قيادي في الاتحاد الدستوري وبرلماني عن الحزب المخزني نفسه ورئيس جماعة بالحي الحسني بالدار البيضاء، كان عابد الجابري هو رئيسه في التجمع القبلي، الذي يلتئم بشكل دوري في منزل عابد الجابري، يجلس كمو مع الجابري ويتشاور معه وينفذ القرارات التي يقرها التجمع القبلي في العاصمة الاقتصادية...». المصطفى صفر

رحيل كمو… المهندس السياسي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مداولة" على "الأولى"

من مستثمر إلى بائع متجول

مقالات ذات صلة